إسرائيل تمد" أصابعها" في قلب الضفة الغربية..

-

إسرائيل تمد
وسط الاحاديث عن الخطة الاسرائيلية لما يسمى "ترسيم الحدود من طرف واحد"، تسعى اسرائيل دؤوبة إلى تجزئة أراضي الضفة الغربية عن بعضها البعض بالجدران الداخلية الفاصلة التي تقيمها في عمق الضفة الغربية بدواع أمنية. وهي حقيقة ليست لترسيم حدود الدولة العبرية وإنما لترسيم حدود الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، التي تنوي ضمها إليها حسب "خطة التجميع"، عدا عن الجدار الفاصل الذي بنته على اطراف الضفة الغربية.

الجدران الفاصلة التي تعمل اسرائيل على تشييدها تمتد من الغرب إلى الشرق خلافا للجدار الفاصل المعروف والذي يمتد من الشمال الى الجنوب، مثل جدران "أصبع اريئيل" التي تحيط الكتلة الاستيطانية من جميع جهاتها ملتهمة الاراضي الفلسطينية، لتصبح اراضي احتياطية للتكاثر السكاني للمستوطنين في المنطقة.

وآخر الجدران الذي ستباشر اسرائيل بتشييدها لفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، هو الجدار الذي يبدأ من مدينة قلقيلية غرباً، ويمتد على طول ثلاثة كيلومترات تقريباً جنوبا، ليصل إلى حاجز زعترة القريب من مدينة نابلس بعرض مئة متر ليرتبط بجدران "اصبع اريئيل" ومن ثم بالجدار الفاصل الرئيسي.

ويلتهم الجدار المخطط أكثر ما يلتهم هي اراضي قرية كفر لاقف التي سيعزل ما يزيد عن 1000 من سكان القرية وسيغلق مدخلها الوحيد، فيما سيتلف 1600 شجرة زيتون ويعزل ما يفوق 5500 شجرة زيتون والف دونم ليصبح الوصول اليها مستحيلا وهي مصدر رزق مئات العائلات الفلسطينية في قرية كفر لاقف.
في شهر شباط من العام الماضي أقرت الحكومة الاسرائيلية نهائيا خطة "فك الإرتباط" أحادية الجانب من قطاع غزة، وفي الجلسة ذاتها أقرت الحكومة برئاسة اريئيل شارون أيضا «الارتباط بالضفة» بواسطة بناء جدران حول الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية سميت فيما بعد بـ»الاصابع»، منها «أصبع اريئيل» وهي عبارة عن جدران في عمق الضفة الغربية تلتف حول «اريئيل الكبرى» حسب القاموس الاسرائيلي، وتشكل مساحتها 3 في المئة من مساحة الضفة الغربية، بينما مساحة قطاع غزة لا تتعدى 7 في المئة.

بالاضافة الى جدران «اريئيل الكبرى» اقرت الحكومة الاسرائيلية مخطط «أصبع كرني شومرون» ويشمل جدرانا وأسيجة حول هذه الكتلة الاستيطانية الجاثمة في وسط الضفة الغربية.

«اصبع» ثالثة ستقام في منطقة جبل الخليل ومستوطنة «كريات اربع».

يؤكد الناشطون في لجان مقاومة الجدار أنه عدا عن الاضرار التي ستلحقها الجدران في الضفة الغربية بالسكان والاراضي، فإن الخطر الاكبر هو تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق، وإنجاز حقائق على أرض الواقع تلغي إمكانية التوصل الى حلول سلمية بين الطرفين، الاسرائيلي والفلسطيني، بعد ان يتم تحويل الضفة الغربية الى كتل بشرية محاطة بالجدران والاسيجة.

يؤكد احمد قدورة من قرية كفر لاقف وأحد المتضررين من الجدار والمناهضين له إن «الجدار المخطط ليس جدارا امنيا لحماية المستوطنات، وإنما هو اولا واخرا جدار سياسي وفق خطة سياسية اسرائيلية تفصل الشمال عن الجنوب، خصوصا ان الجدار المخطط سيمر من شارع قلقيلية - نابلس ويقطعه، وهذا الشارع هو احد الشرايين الرئيسية في الضفة الغربية، وتمرير الجدار منه يعني تجزئة المناطق والحكم بالاعدام على أكثر من 20 الف مواطن في محافظة قلقيلية بمن فيهم اهالي قرية كفر لاقف».

ويضيف قدورة الذي صادرت الدولة العبرية 500 دونم من ارضه ان «الجدار سيقام بحجة حماية ثلاث كتل استيطانية هي «غاني شومرون»، «معاليه شومرون» و»كرني شومرون» احدى أكبر الكتل الاستيطانية في المنطقة، مع العلم ان هذه المستوطنات محاطة بأسياج ومناطق يحظر على الفلسطينيين الاقتراب منها حتى لفلاحة اراضيهم الزراعية، لذلك الحديث عن سياج أمني هو هراء، لأن الأمن لا يتوفر بخنقنا ومنعنا من الخروج والدخول الى قرانا واراضينا التي هي مصدر رزقنا الأساسي».

وبحسرة شديدة يروي قدورة انه «في العام 2000 صادرت الحكومة الاسرائيلية بأوامر عسكرية عشرات الدونمات من اراضي اسرتي القريبة من مستوطنة كرني شومرون بحجة اقامة منطقة عسكرية، لكننا فوجئنا ان الارض المصادرة استغلت لأهداف تجارية وأقيم فوقها مجمع تجاري «كنيون كرني شومرون» وليس معسكرا للجيش... لذلك دائما دواعي المصادرة تكون امنية لكنها في الحقيقة هي مصادرة لأهداف إقتصادية وسياسية».

خلافاً للتصور العام في الأسابيع الأخيرة حول التوتر الذي نشب بين نشطاء حماس وفتح، فإن التصدي للجدار يتم بتعاون وتفان مشتركين بين ناشطي الحركتين. ومن ابرز مناهضي الجدار المنوي تشييده في منطقة كفر لاقف هما عاهد عساف من حماس وغازي جبر من فتح، وكلاهما اعضاء في مجلس القرية المحلي، ويعملان يومياً معاً في مناهضة الجدار وجمع المعلومات حول الاراضي المصادرة والتوجه للرأي العام المحلي والدولي لاطلاعهما على المخططات الرهيبة التي تنجزها الدولة العبرية يوميا على الارض الفلسطينية.

يقول غازي جبر الذي صادرت له الحكومة الاسرائيلية 150 دونما لصالح الجدار الذي يفصل شمال الضفة عن جنوبها إن «أهالي القرية يدركون المخاطر بعيدة المدى للجدار المنوي تمريره من اراضيهم وهي تجزئة الضفة الغربية، لذلك لن يتخلوا عن شجرة زيتون واحدة، فعمر اشجار الزيتون من عمر القرية، والتخلي عنها يعني التخلي عن مستقبلنا، لذلك قررنا مواجهة الجدار بواسطة الاعتصام في الاراضي رغم إنها ممتدة على اراض شاسعة ومتفرقة في جهات عدة، اضافة الى التوجه للقضاء الاسرائيلي والمحكمة العليا الاسرائيلية، بعد ان قدمنا اعتراضاتنا للمستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية الذي اوضحنا له في الاعتراض ان الجدار ليس لحماية المستوطنات فهو بعيد جدا عنها بل هو جزء من مخطط ما يسمى الاصابع التي تحيط الكتل الاستيطانية لتجزئة الضفة الغربية...»

ويؤكد جبر ان «اقامة الجدار يعني الحكم بالاعدام على 1000 شخص من سكان القرية مثل باقي القرى المجاورة وحرمانهم من الخدمات الصحية والتعليمية لأن كافة احتياجات القرية تزود من الخارج وتمرير الجدار من مدخلها يعني إما ترحيلنا أو الموت البطيء... فعندما يتحدث الاسرائيليون عن السلام يتناسون ما يبنون من جدران تبتر الضفة الغربية وتحولها الى كتل بشرية غير قابلة للحياة».

وفي إنتظار قرار المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية يسعى المواطنون في المنطقة الى طرق كل الابواب المحلية والدولية لتدارك كارثة انسانية جديدة في الاراضي الفلسطينية.



"فصل المقال"في الطريق بين قلقيلية ونابلس يبرز منزل معزول على تخوم مستوطنة «كرني شومرون». هذا المنزل يروي عاهد عساف «يملكه محمود أمين عوض من القرية الذي منع من الاقتراب منه بدواع امنية بسبب قربه الى المستوطنة، ورغم محاولتنا المتكررة للمحافظة عليه، إلا ان جيش الاحتلال يمنعنا من ذلك، وأخيراً حاولنا ايصاله بالكهرباء إلا اننا منعنا...»!

ويضيف، «في الماضي صودرت الاراضي لبناء المستوطنات وتوسيعها وتوصيل الطرق إليها وإقامة مناطق أمنية عازلة، ومنعنا من الاقتراب من اراضينا وتحملنا اعتداءات المستوطنين، لكن المنوي اقامته الآن من جدران في عمق الضفة الغربية هو أخطر من كل ما كان، فهو يعني ان مستقبلنا معدوم، لأن مثل هذه الجدران عدا عن انها تصادر مصدر رزق أساسي بالنسبة لنا، لكنها هذه المرة تزيل أي أفق لإنفراج سياسي في المستقبل، إذ ان التنقل من قرية إلى قرية، او من القرية إلى المدينة لتلقي الخدمات الصحية والاجتماعية وليس للتنزه سيتطلب تصاريح خاصة، وفي حالتنا في كفر لاقف سيصبح الخروج من القرية امرا مستحيلاً لأنها ستطوق بالجدران ومخرجها الوحيد سيغلق».

وبينما يشرح عساف ويشير باصبعه نحو أرضه المزروعة بالزيتون والممتدة على مساحة 500 دونم صودرت لبناء الجدار، يستذكر ما حدث قبل ايام معدودة في القرية، إذ توفيت السيدة فريدة عساف في فراشها لعدم تمكن سيارة الاسعاف من الدخول للقرية بسبب الطوق الامني الذي فرضه جيش الاحتلال على القرية لعدة ايام متتالية...

التعليقات