القدس على أعتاب العام الدراسي الجديد../ راسم عبيدات

القدس على أعتاب العام الدراسي الجديد../ راسم عبيدات
..... في مدينة القدس والتي تخضع للقوانين الإسرائيلية، نتيجة لسياسة الضم، يتوزع الوضع التعليمي فيها على أكثر من مظلة تعليمية، وهذه المظلات المتعددة لا تجمعها سلطة تربوية واحدة تشرف على التعدد في أنظمة التعليم، وكذلك تغيب السلطة الوطنية ذات المرجعية الملزمة.

وهذه التعدد وغياب المرجعيات والخطة والسياسة التربوية الموحدة يترك آثاره وبصماته على العملية التربوية والتعليمية، ويخلق الكثير من المشاكل والسلبيات. وإذا ما ركزنا على المظلة التعليمية التي تتبع البلدية ودائرة المعارف العربية، فإننا نجد أن الوضع على درجة عالية من المأساوية، وبلغة أخرى الأمور تصل حد الكارثة وباعتراف رسمي إسرائيلي بذلك، وهذا لا يعني أن وضع المدارس التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية ووكالة الغوث والمدارس الخاصة والأهلية أحسن وأفضل كثيراً، والتي لدى الكثير منها تعاقدات بالباطن مع بلدية ومعارف القدس في الجوانب المالية، فهي من جهة تصادر حق الكثير من الطلبة في التعليم، تحت يافطة الحفاظ على مستوى أكاديمي معين، وذلك حتى تبرر الأقساط المرتفعة التي تجبيها من الأهالي، هذه الأقساط التي يجب أن تكون مثار نقاش وتوضيح، فليس من حق المدرسة أن تتلقى من بلدية القدس ودائرة معارفها مبلغا ماليا مقطوعا على كل طالب، وبالمقابل تجبي منه أقساطا تفوق الأقساط الجامعية. وهنا يجب أن يكون لأصحاب الشأن فلسطينياً رأيهم وقرارهم. وكذلك لا يحق للمشرفين والقائمين على هذه المدارس رفض قبول الطلبة من أصحاب المعدلات المنخفضة، وبالتالي دفعهم للتسرب من المدارس، ومن جهة أخرى تلقي هذه المدارس على الأهالي كاهل متابعة أبنائهم في الدراسة لساعات طويلة في البيت.

وبالنظر للمدارس الحكومية المقدسية التي تتبع بلدية القدس ودائرة معارفها إداريا وتربوياً، باستثناء المنهاج الذي هو فلسطيني، فإننا نرى أن الاحتلال سعى منذ البداية لفرض سياسة تجهيل وتخلف على شعبنا الفلسطيني عامة والمقدسي خاصة. فهذه المظلة التعليمية تشرف على 54 مدرسة، ناهيك عن رياض الأطفال، وبما يصل إلى ما نسبته 40% من مجموع طلبة القدس، وهذا النسبة في ازدياد سنوي على حساب المظلات التعليمية الأخرى، التي لا تقوم ببناء مدارس جديدة بسبب منع إسرائيل لها من جهة، وبسبب قصورها الذاتي من جهة أخرى، حيث لا تمتلك خطة ولا برامج ولا تضع الميزانيات اللازمة لهذا القطاع، كما أنها تتعاطى وتتعامل مع المدارس الحكومية على قاعد ة"ولا تقربوا الصلاة"، وهي لا تمتلك أية رؤية أو برامج تجاه تلك المدارس من اجل التأثير الايجابي عليها، وبما يخدم الهوية الوطنية، وعروبة المدينة المقدسة.

وقطاع التعليم الحكومي في القدس الشرقية، يواجه الكثير من المشاكل، والتي يقف على رأسها أن عدد هذه المدارس،لا يلبي الحد الأدنى من احتياجات السكان، حيث النقص الحاد في الأبنية المدرسية، نتيجة رفض إسرائيل منح التراخيص اللازمة لإقامة مدارس، وبالمقابل تفتقر البلدات العربية في القدس إلى الأراضي الكافية التي تمكن من إقامة أبنية مدرسية، وما يجري مصادرة من أراض للخدمة العامة يذهب لخدمة المشاريع الاستيطانية في قلب البلدات العربية، كما هو الحال في بلدة جبل المكبر. وهذا يترتب عليه استئجار أبنية سكنية واستخدامها كمدارس، والكثير منها تفتقر لشروط الصحة والسلامة العامة، ولا تتوفر فيها بيئة تعليمية مناسبة، أو بني تحتية ملائمة، من ملاعب وساحات، ناهيك عن غياب المختبرات العلمية والتربوية والمكتبات وقاعات الاجتماعات وغيرها.

وفي كثير من الأحيان جرى استخدام الملاجئ وقاعات الاجتماعات ومبان قديمة كغرف صفية، بما يترتب على ذلك من مشاكل، حيث الاكتظاظ في الغرف الصفية. وتبلغ نسبة الكثافة الصفية من( 0.5 – 0.9 )، متراً مربعاً للطالب الواحد، في حين هذه النسبة عالمياً هي (1.25 – 1.5 )، متراً مربعاً للطالب الواحد، وبلغة الأرقام "يحشر" في الصف الذي يفترض أن يتسع لثلاثين طالبا، أكثر من أربعين طالبا، وهذا بدورة يقلل من الوقت التعليمي المخصص لكل طالب، ناهيك عن أن دورات المياه والمشارب الخادمة لهذا العدد من الطلاب لا تفي بالغرض المطلوب، وفي بعض المدارس تجد أن أكثر من مئة طالب يستخدمون حماما واحدا.

وهذا بالمجمل يدفع الطلبة للتسرب من المدارس، حيث أن الإحصائيات الإسرائيلية الرسمية أشارت إلى أن أكثر من نصف طلبة المدارس الثانوية الحكومية في القدس الشرقية يتسربون من المدارس، وفي إطار تخلي بلدية ودائرة المعارف العربية عن التزاماتها تجاه إلزامية التعليم في القدس لجأت إلى خصخصة التعليم الثانوي، وسمحت لشركات ومؤسسات خاصة بإدارة هذا القطاع، مدارس "الحياة" و"سخنين" وغيرها، وهذه المدارس تعمل وفق عقلية ربحية وتجارية، وتوظف في هذا الجانب أطقم تدريسية في الغالب من المدرسين المتقاعدين، والذين قل عطاؤهم نتيجة الإهتلاك الداخلي والفترة الطويلة التي قضوها في التعليم، ناهيك عن أن هذه المدارس لا تلبي الحد الأدنى من مستلزمات العملية التربوية والتعليمية، وهي تعمل بالأساس وفق نظام المقاولات، ولهذا نرى التدني الواضح في نسب الناجحين في التوجيهية العامة عند هذه المدارس.

وكذلك يجب الإشارة إلى أن الجهاز أو الطاقم المشرف على التعليم في القدس، يفتقر إلى الخبرة والتجربة والمعرفة بالواقع المقدسي التعليمي، ناهيك أن التعيينات هنا تخضع لاعتبارات خارج الإطار التعليمي والتربوي في الكثير من الأحيان.

إن هذه الحالة التي وصل إليها وضع التعليم عامة وفي القطاع الحكومي خاصة في مدينة القدس، تستدعي ضرورة العمل على خلق أجسام جماهيرية تربوية وتعليمية تتولى الدفاع عن حقوق المقدسيين عامة في هذا الجانب، والعمل على إقامة وتفعيل دور لجان الآباء القائمة في المدارس، لكي تشكل أحد الروافع الهامة، والتي تسهم في تحسين نوعية وجودة التعليم في هذه المدارس، وتلعب دوراً ضاغطاً على البلدية ودائرة المعارف، من أجل توفير مستلزمات ومتطلبات العملية التربوية والتعليمية من مدارس وغرف صفية، وبنى تحتية، ملاعب وتجهيزات وساحات وأجهزة ومختبرات علمية وتربوية ومكتبات وغيرها.

ونحن نرى أن كل ذلك غير ممكن من خلال استمرار لغة التشكي والندب وجلد الذات وتحميل الاحتلال المسؤولية وكفى الله المؤمنين شر القتال، بل لا بد من المواجهة والتصدي لهذه السياسات القائمة على التجهيل وتسطيح الوعي وتعميق التخلف، وهذه مسؤولية السلطة الفلسطينية والحركة الوطنية وتنظيمات ومؤسسات المجتمع المدني، واللجان المحلية في كل المدارس الحكومية، والخسارة في هذا الجانب والمجال من أشد وأخطر الخسارات، فهذه الجبهة هي الدرع الواقي والحصين والذي عليه يتوقف مستقبل أجيال بأكملها، وأن نضيء شمعة خير من أن نلعن الظلام.

التعليقات