أطفال مخيم جنين لم ينسوا جراح مجزرة نيسان؛ الطفل مصطفى فايد: قتلوا والدي دون ذنب

أطفال مخيم جنين لم ينسوا جراح مجزرة نيسان الطفل مصطفى فايد يروي تفاصيل جريمة الاحتلال بحق عائلته: قتلوا والدي دون ذنب

أطفال مخيم جنين لم ينسوا جراح مجزرة نيسان؛ الطفل مصطفى فايد: قتلوا والدي دون ذنب
( ابي لم يكن مقاتلا أو مسلحا… اعتقلته قوات الاحتلال من منزلنا حي يرزق.. عذبوه أمامنا دون رحمة.. وبعد انكارهم لاعتقاله لفترة طويلة …سلمونا إياه جثة هامدة لنعيش وأشقائي ايتام دون سبب او ذنب فأين الضمائر الحية والأمم المتحدة التي ساوت بين أبي الضحية الذي كان أبا بسيطا مسالما يعيل ستة أنفار والجلاد الذي حكم عليه بالموت دون تهمه أو محكمه سوى كونه لاجيء من مخيم جنين).. بهذه الكلمات بدأ الطفل مصطفى حسني علي فايد 13 عاما حديثه عن مأساة أسرته خلال مجزرة مخيم جنين في نيسان عام 2002 والتي انتهت بفقدان والده.

وبمناسبة مرور خمس سنوات على المجزرة يقول الطفل بسخط وغضب بعد خمس سنوات لا زال العالم يقف عاجزا عن وضع حد للظلم الصهيوني، ولم تتخذ أي إجراءات بحق الذين حرمونا والدنا للأبد، كل العالم يتحدث عن القيم والعدالة والسلام وحقوق الإنسان ولكن عندما يتوقفون أمام مأساتنا في المخيم المنكوب تتغير المفاهيم ومنطلقات العدالة ليتساوى ذلك اللاجئ الذي لم يحلم بأكثر من حياة مستقرة ووطن امن وبيت متواضع يربي فيه أطفاله بحب وسلام ككل أطفال العالم وكباقي الآباء، يتساوى مع ذلك الجندي المدجج بكل أشكال السلاح والقتل الذي احتل أرضنا واغتصب حقنا واقتحم بيتنا على مرأى ومسمع العالم، وحرمننا طفولتنا وحنان والدنا ودمر مستقبلنا فأين هي العدالة والقانون الدولي؟ وأين الأمم المتحدة التي ألغت لجنة التحقيق في مجزرة المخيم ليرى ويتلمس بؤس الواقع الذي آلت إليه حياتا على يد الاحتلال، الاحتلال هو السبب ولكن عيونهم تصر على تزييف الحقيقة ولكنها لن تخرس ألسنتنا وتمحو من ذاكرتنا المأساة.

مأساة عائلة

ومأساة الطفل مصطفى وعائلته بدأت منذ اجتياح شهر نيسان كما يقول عندما اقتحم جنود الاحتلال المنطقة التي نقيم فيها في مخيم جنين من ناحية الجبل وشرعوا باحتلال المنازل ونصب الكمائن بها لاصطياد رجال المقاومة.

ويضيف في ظل القصف والحصار أصبح كل شيء مهدداً والخطر يحيط بنا من كل جانب فنقلنا والدي إلى غرفة داخلية في منزلنا ومكثنا فيها أسبوعا كاملا لا نرى وجه الشمس ولا نسمع سوى صوت الطائرات والقصف والصواريخ، مما حول حياتنا إلى جحيم، ويضيف كنا في حالة خوف وأخواتي الصغار لم يتوقفوا عن البكاء رغم محاولات والدي رفع معنوياتنا، فكان يقول "ما تخافوش" ويضحك ولما "ترش الطيارة الصواريخ" تصرخ أمي وتقول ناموا على الأرض و"أبوي يقول ما تردوش عليها ويضحك وهو يتلو القران الكريم".

اشتد القصف

يتوقف مصطفى بعدما اغرورقت عينه بالدموع وهو يحدق بصورة والده التي زينت واجهه المنزل ويقول: بعد أيام من الهجوم الإسرائيلي علمنا أن قوات الاحتلال احتلت أطراف المخيم بعد مقاومة عنيفة، وان العدوان سيزداد شراسة فنقلنا أبي لتقاعيد المنزل خلال ذلك ازداد القصف بصواريخ الطائرات التي أصابت المسجد المجاور منا فخاف أبي وطلب منا عدم القيام بأي حركة لنتفادى الطائرات.

الاقتحام

ويتذكر الصغير مصطفى انه في الساعة السادسة من صباح اليوم التالي تقدم الجنود نحو منطقتهم ويقول سمعنا حركة قوية في الزقاق القريب من المنزل، تلاه صوت سماعات لجنود الاحتلال التي طلبت من الرجال الخروج فورا وتسليم أنفسهم وبلمح البصر سمعنا طرق شديد على بوابة المنزل تبعه إطلاق نار فخفنا بشدة، ولكن والدي فتح الباب ليشاهد أكثر من 30 جنديا بانتظاره، اقتحموا المنزل وهم يصرخون" ليش ما فتحتو الباب" فقالت لهم والدتي إن "سمع أبي خفيف" فغضب الجنود وسألوا: "مين صاحب البيت"؟ وقبل سماع الإجابة انتشروا في البيت وفتشوه وداسوا على الخبز والطعام ولم يبق شي لنأكله.. كل الأغراض التي في الخزانة "كبوها وكسروا المراية وهدموا واجهه المنزل وصاروا يهدوا ويكسروا، الاواني القزاز على المجلى او الشبابيك والتريس وبعدين صاروا يضربوا ابي اخذوه للساحه وسمعنا صوت صراخه وهو يتوجع وبعد ما خلصوا ضربه اخذوه معهم".

روايات شهود

ويقول مصطفى إن الجنود اقتادوا والده وعمه معهم واستخدموهما كدروع بشرية، واجبروا والده على الطرق على الأبواب التي داهموها وفتشوها واعتقلوا منها الشباب.

ويضيف بعد ذلك عاد الجنود ومعهم أبي وعمي واحتجزوهم في غرفة صغيرة في منزلنا يلعب فيها أشقائي وفتشوهم مرة ثانية خلال ذلك شاهد الجنود على الجدران بعض الرسومات التي رسمها إخوتي الصغار خارطة فلسطين وغيرها، فغضبوا وسألوا أبي عن معنى الرسومات ولكنهم رفضوا الإصغاء له وقالوا: "هذه خرائط للشباب أنت تساعد المخربين"! وعادوا إلى ضربه بشكل وحشي على رأسه والتحقيق معه المرة تلو الأخرى عن الرسومات وعندما يقول إنها "خرابيش أطفال" يضربونه مع عمي حتى سال الدم منه وأصبح وضعه سيئا ثم اقتادوه معهم للحارة رغم إصابته بألم شديد في معدته بسبب الضرب.

التعذيب

شهود عيان ابلغوا مصطفى كما يقول أنهم شاهدوا الجنود يعذبون والده خلال نقله للمجنزرة ونقلوه لأحراش السعادة –الموقع العسكري الذي حشد فيه جنود الاحتلال عدتهم وعتادهم خلال مجزرة المخيم، وتم جمع السكان فيه وتعذيبهم قبل نقلهم إلى مراكز التحقيق.

ويقول أكد عدد من الأهالي لنا أنهم شاهدوا والدي في مركز الإدارة المدنية في سالم وهو يتألم ويعاني، وقد رفض الجنود علاجه وسمعه المعتقلين وهو يتألم و"شخر شخرتين" وسكت فاعتقد الجميع انه مات فبدأوا بالصراخ على الجنود: "الزلمي مات".. عندها تحركوا وقدموا له إسعافات أولية ونقلوه للمستشفى وبعدها انقطعت أخباره، ثم ابلغونا انه في مستشفى العفولة. وعندما اتصلنا بالمستشفى قالوا انه غير موجود فراجعنا الهلال والصليب فقالوا لنا إن الجيش نقله من المستشفى لسجن عوفر وأمضينا ثلاثة شهور ونحن نبحث عن مصيره .

روايات مختلفة

جمعيه أصدقاء المعتقل والسجين والهلال الأحمر الفلسطيني وعدة مؤسسات بذلت جهوداً مضاعفة لمعرفة مصير الفايد كما يروي مصطفى. وقد أكدت التقارير التي صدرت عن الجمعية والهلال أنها حصلت على إجابات رسمية من الجيش تؤكد اعتقال والدي ولكن لدى توجه مؤسسات طبية ومحامي الجمعية لزيارته تنصلت قوات الاحتلال منه وادعت عدم معرفتها بمصيره، وأنكرت وجود اسمه في قوائم المعتقلين.

الروايات المختلفة أثارت قلق عائلة الفايد والمؤسسات المختلفة التي واصلت والعمل واتصالاتها لكشف الحقيقة حتى اعترفت قوات الاحتلال بوجوده لديها بعد ثلاثة شهور. ويضيف مصطفى عشنا واقعا مريرا في الحرب المجهولة التي مارسها الاحتلال بحقنا دون رحمة أو شفقة وأصبحنا عاجزين عن إخفاء دموعنا وأحزاننا، وأنا وأشقائي الصغار نبكي ليل نهار نريد أبانا حتى ابلغنا الارتباط الفلسطيني أن والدي استشهد وانه في معهد أبو كبير الإسرائيلي .

لم نتمكن من وداعه

الإعلان الإسرائيلي لم يضع حدا لواقع الحزن والأسى الذي عايشته عائلة الفايد، بل تزايد وتعاظم لدى تسلمها جثمانه لأنها لم تتمكن من وداعه ومشاهدة جثمانه بسبب ما تعرض له من تشويه.

ورفض الأهالي السماح لزوجته وأطفاله بإلقاء النظرة الأخيرة عليه خوفا عليهم من هول المنظر، لذلك فان مصطفى وبعد خمس سنوات على رحيل والده يقول لن أتخلى عن طلبي بمحاكمه المسؤول عن يتمنا وحزننا ومأساتنا، وأناشد المؤسسات الدولية تبني قضية أبي والعمل على متابعتها ورفع قضية ضد الجيش المحتل الذي يتحمل المسؤولية الكاملة.

ويضيف إذا كان هناك رحمة وعدالة وقانون فإنني أطالب بكشف حقيقة كيف قتل والدي في سجونهم، خرج على قدميه وعاد على حمالة وحرمنا منه ونحن بأمس الحاجة لحنانه وحبه وكلمة أبي التي أتنغص عندما اسمعها ولا اقدر على ترديدها أو النطق بها .


التعليقات