الفلسطينيون يتحدَّون الاحتلال في طلب العلم أول ماجستير لمعتقل في سجون الاحتلال..

-

الفلسطينيون يتحدَّون الاحتلال في طلب العلم أول ماجستير لمعتقل في سجون الاحتلال..
السجون مدارس وجامعات" شعار طالما تغنى به المعتقلون الفلسطينيون في سجون الاحتلال لتحدي إجراءاته وسياساته الهادفة لإركاع الأسير الفلسطيني وتحطيمه وتفريغه من محتواه الوطني والإنساني والسياسي، ولكن الارادة والتصميم حوّلا ذلك الحلم لحقيقة على يد المعتقل وائل عبد الله حسين طحاينة من بلدة السيلة الحارثية الواقعة غربي مدينة جنين، والذي حصل برغم كل ظروف الاعتقال القاسية على أول ماجستير لمعتقل في سجن اسرائيلي.

انتصار كبير

وحكاية وائل هي استمرار للصراع المستمر بين الجلاد الاسرائيلي والمجاهد الفلسطيني الذي يرفض الاستسلام ويصر على النجاح ولو كبلته القيود، كما يقول، فـ"منذ سنوات بعيدة وأنا أصارع المحتل لأحقق النجاح وأواصل دراستي، فقد تعرضت للاعتقال خلال الدراسة في المدرسة ثم الجامعة، وللحظة واحدة لم أضعف أو أستسلم، لأن نجاحي هو انتصار كبير لشعبي ومقدمة لتحفيز كل معتقل ليتمسك بحلمه ويجاهد في سبيل تحقيقه حتى لو كبّلته القيود، فهي تعيق حركته وتقيّد حريته، لكنها لا يمكن أن تكبّل روحه وفكره وعزيمته".

التحدي والإرادة

ووائل كغيره من شباب فلسطين ولد ونشأ وتعلّم تحت نير الاحتلال ليعيش مآسي شعبه، ولكنه ـ كما يقول ـ أدرك أن التعليم سلاح مهم في معركة التحدي والصمود ومقارعة المحتل، لذلك "حرصت على التفوق والمثابرة حتى حصلت على شهادة الثانوية العامة ـ الفرع العلمي عام 1994 متأخراً عدة سنوات بسبب مطاردة الاحتلال لي واعتقالي".

رحلة العذاب

في عام 1989 كانت المواجهة الاولى بين وائل والاحتلال الذي بدأ بملاحقته بدعوى نشاطه في حركة الجهاد الاسلامي، يقول: "عشت خلال عام ونصف العام ظروفاً قاسية، حيث الاحتلال يلاحقني ويسعى لحرماني من دراستي، وبرغم ذلك كنت أحافظ على دراستي وبدأت أستعد لامتحان الثانوية العامة.. ولكن الوحدات الاسرائيلية نصبت لي كميناً عشية الامتحانات واعتقلتني من داخل المدرسة وحرموني من امتحان التوجيهي، وهو الحلم الذي انتظرته مع عائلتي طويلاً، فأمضيت عدة شهور رهن التحقيق ثم حكموني بالسجن الفعلي ثلاث سنوات ونصف السنة بتهمة الانتماء لحركة الجهاد الاسلامي.. ومنعوني خلالها من مواصلة دراستي والتقدم للثانوية في السجن الذي غادرته عام 1993".

الاعتقال الثاني

أولى خطواتي ـ يقول وائل ـ كانت العودة للدراسة "برغم أني تأخرت عن صفي ثلاث سنوات، فتقدمت للتوجيهي وأنهيت دراستي عام 1994 وحصلت على معدل متفوق وبعثة طب للخارج، لكن الاحتلال كان بالمرصاد مرة ثانية، فمنعوني من السفر, فالتحقت بجامعة النجاح ودرست اللغة العربية لعدم وجود طب.. وبعد التحاقي بالجامعة بأربعة شهور اعتقلت قبل تمكني من تقديم امتحانات الفصل الاول من البكالوريوس، وذلك إثر عملية بيت ليد في 22-1-95, وأمضيت ستة شهور في الاعتقال الاداري. والأخطر أنه جرى تجديد الاداري عشر مرات، فتنقلت بين السجون ومنعوني من الدراسة عن بعد. وضابط المخابرات كان يقول لي دوماً: لن تحلم بتحقيق شهادتك وحلمك في مواصلة الدراسة حتى الحصول على دكتوراه والتدريس في الجامعات".

لن يموت الحلم

سنوات الاعتقال لم تنل من عزيمة وائل ولم تقتل حلم العمر برغم انه دفع ثلاث سنوات من حياته, خاصة أنه عاش بين ضغط الرغبة في مواصلة الدراسة والاختلاف في العمر مع زملائه في مقاعد الدراسة.. ومع ذلك حسم أموره وعاد إلى جامعة النجاح وأنهى البكالوريوس خلال ثلاث سنوات، تميز فيها بالحصول على معدلات عالية جعلته يحظى دوماً بمرتبة الشرف. وقبل نهاية البكالوريوس في الفصل الاخير منها تقدم بطلب من أجل السماح له بالالتحاق ببرنامج الماجستير، وحصل على المرتبة الأولى على جميع المتقدمين للالتحاق بالماجستير في تخصصه ـ قسم اللغة العربية.



الاعتقال الجديد

يتوقف وائل عن الحديث هنيهة ثم يتابع: "درست الماجستير وأنهيت كل الساعات المعتمدة في برنامج الماجستير خلال عام ونصف العام، كنت فيها الاول على دفعتي حتى أنهيت الساعات المعتمدة وقدمت أطروحة الماجستير التي كانت بعنوان: "دلالة النص الشعري في تفسير النص القرآني"، وهي عبارة عن دراسة تبحث في العلاقة عن الآثار المترتبة في استخدام الشعر في تفسير القرآن الكريم. لكني توقفت ككل الطلبة جراء الاجتياحات والاغلاقات التي عزلتنا عن الجامعة، ابتداءً من نيسان/ أبريل 2002.. وخلال ذلك حصلت على وظيفة مدرس في التربية والتعليم، وانتقلت للسكن في السيلة ومدارسها".

ويضيف وائل: "في مطلع كانون الثاني/ يناير 2004، كانت الصدمة الكبرى عندما دهمت قوات الاحتلال منزلي قبل يومين فقط من توجهي للجامعة لمناقشة أطروحة الماجستير, كان ذلك أصعب اعتقال ومرحلة في حياتي التي كانت أمام التحول المهم، وأدركت أن اعتقالي هو جزء من استمرار العقبات التي يسببها الاحتلال لمنعي من إكمال دراستي العليا كما هددوني دوماً، ولذلك شعرت بحزن وانزعاج وتوتر وقلق نفسي لأني كنت في كامل الجاهزية للانتقال لأهم مرحلة في حياتي. وهكذا فإن رحلة الاعتقال تواصلت من سجن سالم والجلمة الى النقب حيث ما زلت أقبع، ولكن ارادة التحدي كانت أقوى. فبرغم ما تعرضت له من تحقيق وقهر عاودت السيطرة على نفسي وبدأت أستعد لمتابعة دراستي العليا.

تحدي العقبات

كثير من التساؤلات أثارها واقع الاعتقال ـ يقول وائل ـ "لأعيش وضعاً صعباً بين فكي كماشة: هل سأكمل؟ هل سأفشل أم سأنجح؟ وقررت التحدي واتصلت على مدار أربعة شهور بالجامعة وأنا مسكون بروح الإصرار والارادة القوية على الانتصار على هذه العقبة الجديدة التي تستهدف قتل طموحي ومنعي من تحقيق ما أصبو اليه، وحصلت على موافقة من جامعة النجاح والتشجيع الكامل من رئيسها الدكتور رامي الحمد الله وعميد كلية الدراسات العليا في الجامعة الدكتور خليل عودة، وطلبت منهما الموافقة على اجراء مناقشة لرسالتي عبر الهاتف وتفهما ذلك.. وبالفعل حضّرت نفسي بعدما أحضرت نسخة من الرسالة عبر الصليب الأحمر.

اليوم المشهود

فرحة كبيرة عاشها وائل ورفاقه المعتقلون أمام موافقة الجامعة كما يصفها: "بدأت أستعد وسط تشجيع ودعم الاسرى حتى جاء اليوم المشهود الذي أعتبره أهم أيام حياتي، فلن أنسى تاريخ 11-9-2004، الموعد الذي حددته الجامعة لمناقشة رسالتي عبر الهاتف التي استمرت مدة ساعة".

دعم كامل من الأسرى

التفّ الأسرى حول رفيق دربهم المتفوق وائل وكل فرد يشعر فيهم بأنه أمام معركة كبيرة يجب أن تتكلل بالنصر، وذلك كان أهم مقوّمات نجاحه كما قال.. فقد خصص الأسرى له خيمة صغيرة خاصة وجهّزوها لتوفير الظروف المناسبة لإجراء الاتصال وتعزيز ورفع معنوياته ونجاحه، والتفّ حوله عدد من المعتقلين ليمدوه بالحماسة والقوة ورباطة الجأش.. "وقررت أن أتحدى السجن، وتذكرت أن الطالب عندما يتقدم للمناقشة يكون أمام لجنة تريد محاكمة بحثه وإصدار قرارها حول هذا البحث، ومع ذلك لم يكن لدي مشكلة في مناقشة البحث، وكان همي وقتها الخوف من عملية تشويش الاتصالات التي تقوم بها إدارة السجن، ولكني تغلبت على ذلك بالاستعانة بالله وتوفير أجهزة هواتف مناسبة".

ويقول وائل: "قررت أن أنسى السجن وظروفه والاستعداد لخوض المناقشة، وتخيلت أني خارج السجن وأجلس في قاعة الجامعة ولا يوجد خيار أمامي سوى أن أنتصر وأنجح.. كنت أنظر في عيون المعتقلين خلال المناقشة فأستمد القوة والاصرار وأشعر بأن أي تراجع أو ضعف يعني كارثة ومصيبة".

النجاح

انتهت المناقشة وجلس وائل ينتظر النتيجة على أعصابه، حتى أبلغوه بالنتيجة المتوقعة وهي النجاح.. عندها تملكته الغصة ولم يجد الكلمات التي تعبر عن شعوره المنتصر على كل المعوقات والعقبات، برغم أن الخبر تلقاه وهو بعيد عن عائلته.. لكنه يستجمع قواه ليؤكد أن "نجاحي كان رسالة للعالم بأن الانسان الفلسطيني قادر على أن يجاهد وينتصر ويحقق طموحاً سيقود لطموح أكبر طالما حلمت به، وهو الحصول على الدكتوراه حتى لو بقيت في السجن".

مشاعر لا توصف

كان نجاح وائل بمثابة يوم للفرح وعيد بالنسبة الى الحركة الاسيرة التي أقامت احتفالات تكريمية له جعلت الكثيرين ـ كما يقول وائل ـ يفكرون بخوض التجربة..

ويقول وائل: "للحظة واحدة لن أنسى أن هذا النجاح منحني إياه الله العلي القدير لأتغلب على المحتل الذي حاول أكثر من مرة الوقوف في وجه مسيرتي التعليمية، كما انه إنجاز يسجل للحركة الاسيرة داخل السجون الاسرائيلية، اضافة إلى كونه رسالة يوجهها لكل فلسطيني بأن الارادة والعزيمة أقوى من كل العقبات.. لذلك أهديت نجاحي لزوجتي وأطفالي وعائلتي وكل مسلم محب لدينه وأمته وغيور على لغته العربية الأصيلة".

التعليقات