القانون الدولي الإنساني وتطبيقاته على الأراضي المحتلة /د.نزار ايوب*

القانون الدولي الإنساني وتطبيقاته على الأراضي المحتلة /د.نزار ايوب*

ليس ثمة من شك حول الوضوح الذي يكتنف القانون الدولي المعاصر بخصوص الوضع القانوني للأراضي العربية المحتلة ، فهي تخضع للاحتلال الحربي الإسرائيلي مما يتطلب من إسرائيل بصفتها قوة احتلال الإقراره بمبدأ سريان أحكام وقواعد القانون الدولي الإنساني بشقيه العرفي والتعاقدي على هذه الأراضي الأمر الذي ما زالت سلطات الاحتلال ماضية في الإصرار على رفضه مستخدمة مختلف الحجج والمبررات " القانونية " .

وتندرج المبررات والأسانيد التي تطرحها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهذا الخصوص ، وتحديدا فيما يتعلق برفضها تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي العربية المحتلة ضمن سياق الترجمة العملية لأطماعها وتوجهاتها السياسية الهادفة لمواصلة سيطرتها على الأراضي المحتلة ومصادرة أراضيها، وسرقة موادرها وخيراتها ، وتهويدها تميهدا لضمها وإبقاء سيطرتها الفعلية عليها .

وفي إطار التعليق على الموقف الإسرائيلي وتناولهم إياه بالتحليل ، تجمع غالبية فقهاء القانون الدولي بما فيهم الأجانب على أن ما يميز الوضع القانوني للأراضي العربية المحتلة هو خضوعها للاحتلال الحربي، معتبرين إسرائيل قوة احتلال مما يملي عليها واجب الالتزام بتطبيق القوانين التي تسري في النزاعات المسلحة ووقت الاحتلال الحربي على الأراضي العربية المحتلة بما فيها قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني العرفية والتعاقدية على حد سواء . بالإضافة إلى ذلك ، يبرز جميع هؤلاء الفقهاء عدم صحة الموقف الإسرائيلي بهذا الخصوص نظرا لما يمثله من تعارض مع أسس ومبادئ القانون الدولي المعاصر، مما يستدعي القول أنه نظرا لعدم شرعية الموقف والتوجهات التي تحرص سلطات الاحتلال على المضي فيها قدما وتعارضها مع أسس القانون الدولي المعاصر يحتم على المجتمع الدولي والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف حمل إسرائيل على الإعتراف بسريان وتطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني على الأراضي المحتلة ، وفي مقدمتها اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب .

أخيرا نقول، أن سيطرة إسرائيل المتواصلة على الأراضي العربية من حالة احتلال حربي Prolonged Belligerent Occupation فإنه يتعين عليها باعتبارها دولة احتلال، الوفاء بالتزماتها كما نصت عليها اتفاقيات جنيف وتحديدا الاتفاقية الرابعة بخصوص حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب لعام 1949، وتطبيق أحكام وقواعد القانون الدولي الإنساني على الأراضي المحتلة بما يضمن الحماية للسكان المدنيين، كما أن المجتمع الدولي مطالب بالتدخل الدولي الإنساني وتوفير الحماية للفلسطينيين ووضع حد لانتهاكات إسرائيل للقانون الإنساني وإنهاء احتلالها المتواصل للأراضي العربية.
تميزت الفترة التي سبقت نشوب الحرب العالمية الثانية نشاطا ملحوظا من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر تمحور في العمل على إقرار اتفاقية دولية تتعلق بحماية المدنيين ، ضحايا النزاعات المسلحة . إلا أن بدء الحرب وضع حدا لتلك الجهود مما حال دون مواصلة اللجنة الدولية العمل على هذه المبادرة . وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي جلبت على البشرية كوارث وويلات كانت في منتهى الخطورة ، عاودت اللجنة الدولية مواصلة جهودها واتصالاتها في هذا الإتجاه لتنتهي بوضع وتقنين الأحكام والقواعد التي من شأنها التخفيف من المعاناة والويلات التي قد تلحق بالأشخاص ، نتيجة للنزاعات المسلحة ، وإقرار المجتمع الدولي لإتفاقيات جنيف الأربع في 12 أب / أغسطس 1949 والتي تشكل اليوم أساس القانون الدولي الإنساني.

وكانت اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب من ضمن الاتفاقيات التي تم اعتمادها ووقعتها إسرائيل عام 1951 .وطبقا لما جاء في الاتفاقية ، فإن قواعدها وأحكامها تنطبق على المنازعات المسلحة وفي حالات الاحتلال الحربي . وهذا ما نصت عليه الإتفاقية بإعلانها ، أنه "علاوة على الأحكام التي تسري في وقت السلم ، تنطبق هذه الإتفاقية في حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يعترف أحدهما بحالة الحرب".1

وبطبيعة الحال ، تسري أحكام وقواعد اتفاقية جنيف الرابعة في أوقات الإحتلال الحربي ، أي على الأراضي التي تقع تحت الإحتلال . وطبقا لما ورد في نص المادة الثانية ( فقرة 2 ) من الاتفاقية فإنها "تنطبق أيضا في جميع حالات الإحتلال الحربي الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة".

ويبدأ سريان الاتفاقية منذ اللحظة التي تبدأ فيها العمليات الحربية بشكل فعلي بصرف النظر عما إذا كانت هذه العمليات معلنة أو غير معلنة وحتى إذا لم يعترف أحد الأطراف بحالة الحرب. ويشمل تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الأول المضاف لإتفاقيات جنيف ، المنازعات المسلحة الدولية المتعلقة بكفاح الشعوب ضد السيطرة والإحتلال الأجنبيين، وبمكافحتها للأنظمة العنصرية ولجرائم التمييز العنصري في سياق ممارسة الشعوب لحقها في تقرير المصير وحكم نفسها بنفسها .

وحددت المادة الرابعة ( الفقرة 1 ) ، الأشخاص الذين تحميهم الإتفاقية ، إذ نصت على أن "الأشخاص الذين تحميهم الإتفاقية هم أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل كان ، في حالة قيام نزاع مسلح أو احتلال ، تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها " .

ويستثني هذا النص مواطني الدول غير الأطراف في النزاع المسلح ( المواطنين الأجانب المتواجدين في الإقليم المحتل ) ، وبطبيعة الحال مواطني دولة الإحتلال. سواء الذين تم نقلهم ويتواجدون في الإقليم المحتل بصورة دائمة أو مؤقتة كمستوطنين وغير مستوطنين ، أو قوات مسلحة ، حيث تحجم الإتفاقية عن التدخل في علاقة دولة الإحتلال بمواطنيها.

وبخصوص بدء تطبيق أحكام وقواعد اتفاقية جنيف الرابعة ، فقد حددته المادة السادسة من الإتفاقية بنصها التالي : " تطبق هذه الاتفاقية بمجرد بدء أي نزاع أو احتلال وردت الإشارة إليه في المادة 2 ". ويستدل من ذلك على ضرورة بدء تطبيق أحكام الاتفاقية حالما يتم اجتياح أراضي الغير من قبل القوات الأجنبية وتواصلها مع سكان هذه الأراضي من المدنيين . ويتوقف العمل بتطبيق أحكام الاتفاقية عند انتهاء العمليات الحربية بوجه عام ، وعند انتهاء الإحتلال في حالة الأراضي المحتلة، باستثناء الأشخاص والفئات الذين يتم الإفراج النهائي عنهم أو إعادتهم إلى أوطانهم أو إيواؤهم بعد ذلك في وقت لاحق . وتستمر هذه الفئات من الأشخاص من الإستفادة من أحكام الاتفاقية والبروتوكول الأول ، حتى يتم الإفراج عنهم أو إعادتهم إلى وطنهم أو تقرير إقامتهم.

يستنتج مما سبق ذكره وجوب سريان أحكام وقواعد اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وانحسار دورها في حماية السكان الفلسطينيين دون غيرهم طالما بقي الإحتلال قائما ، ويجب تفسير الإتفاقية في إطار بقائها في موضع التطبيق طالما تواصلت حالة الإحتلال . ويمكن لأحكام الإتفاقية أن تتوقف عن السريان في حالة ضم الإقليم المحتل أو في حالة اندماجه ضمن إقليم دولة الإحتلال أو إقليم دولة أخرى ، شريطة أن يكون ذلك بموجب تسوية سياسية غير قسرية تم قبولها والإعتراف بها من قبل المجتمع الدولي ، وبخلاف ذلك فإنه يفترض مواصلة تطبيق أحكام الإتفاقية.

وطبقا لمبادئ القانون الدولي المعاصر ، تكتسب اتفاقية جنيف الرابعة التي هي موضوع نقاشنا ، قيمة قانونية ملزمة بمواجهة كافة الدول الأطراف فيها،2 مما يحتم على هذه الدول احترام قواعد وأحكام الاتفاقية وتطبيق أحكامها في كافة الحالات التي تستوجب ذلك ، أي إبان النزاعات المسلحة وفي حالة الإحتلال الحربي ، وهذا ينطبق بطبيعة الحال على إسرائيل واعتبارها ملزمة بتطبيق أحكام اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي المحتلة ، بصفتها من الموقعين على الاتفاقية.
ترافق احتلال القوات الإسرائيلية للأراضي العربية عام 1967 بإعلان القائد العسكري لهذه القوات ( حاييم هرتسوغ ، الذي أصبح رئيسا لإسرائيل خلال ثمانينات القرن الماضي ) سيطرته التامة عليها ، وباشر بإصدار البلاغات والأوامر العسكرية المعدة مسبقا لتنظيم الأوضاع الناشئة عن قيام إسرائيل باحتلال أراض تابعة لجيرانها العرب. وطبقا للبلاغ العسكري رقم 2 ، أعلن حاييم هرتسوغ بصفته القائد العسكري للمنطقة عن توليه كافة الصلاحيات في هذه المناطق ليضع بذلك كافة السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية في يديه.

وكما هو واضح من الأوامر العسكرية التي أصدرتها قوات الاحتلال في الأيام الأولى من احتلالها للأراضي العربية والتي كانت قد أعدت سلفا ، فقد تلخص التوجه الرسمي الإسرائيلي في اعتبار الأراضي التابعة لدول الجوار التي قد يتم احتلالها أرض محتلة بحيث ينطبق عليها القانون الدولي بما في ذلك قواعد وأحكام اتفاقية جنيف الرابعة . وللتأكيد على ذلك ، تم تضمين الثلاثة بلاغات الأولى التي أصدرتها قوات الاحتلال نصوصا تشير إلى اعتزام إسرائيل تطبيق قواعد وأحكام معاهدات جنيف حيث أشارت المادة 35 من البلاغ العسكري رقم 3 بشأن إنشاء المحاكم العسكرية وتشكيلها أنه يتوجب على المحكمة العسكرية والقائمين عليها " ... تطبيق أحكام وقواعد اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب لسنة 1949 بخصوص كل ما يتعلق بالإجراءات القضائية ، وأنه في حالة نشوء تناقض بين الأمر العسكري والاتفاقية الرابعة ، تكون الأفضلية لأحكام الاتفاقية.

وبعد انتهاء الأعمال الحربية وتمكنها من بسط سيطرتها الكاملة على الأراضي المحتلة ، تكشفت الأطماع الحقيقية للسياسة الرسمية الإسرائيلية فيما يتعلق بعزمها إبقاء السيطرة على هذه الأراضي على اعتبار أنه تم " تحريرها " بصفتها " جزء " من أرض إسرائيل الكبرى ، مما دفع بسلطات الاحتلال لتجاهل القانون الدولي وسريانه على الأراضي المحتلة بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة ، فقامت بعد ذلك التاريخ بفترة وجيزة وتحديدا في تشرين الثاني / أكتوبر 1967 بحذف المادة 35 من البلاغ العسكري رقم 3 ليتم بهذه الطريقة إلغاء الاعتراف بأفضلية أحكام اتفاقية جنيف الرابعة على التشريع العسكري في الأراضي المحتلة.

التزمت إسرائيل بتطبيق معاهدة لأهاي الرابعة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907 وأحكامها الملحقة بصفتها جزءا من القانون الدولي العرفي الذي يعتبر جزءا من القانون المحلي لإسرائيلي علما بأنها تخلو من أية إشارة واضحة للسكان المدنيين ووجوب حمايتهم ، حيث تواصل رفضها لمبدأ الإعتراف بسريان وتطبيق أحكام الاتفاقية الرابعة على الأراضي المحتلة ، مستخدمة مختلف المبررات والحجج التي يعوزها الأساس والمنطق القانونيان . ورغم الإجماع الدولي القاضي بأن تواجد القوات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية يمثل احتلالا حربيا طبقا لما تنص عليه مبادئ وأحكام القانون الدولي المعاصر ، تعارض إسرائيل وكذلك العديد من الفقهاء الإسرائيليين هذا التكييف بحجة أن سيطرة القوات الإسرائيلية على الأراضي العربية المحتلة واستمرار تواجدها فيها هو ذات طبيعة قانونية خاصة ومميزة ، كونه أتى في معرض "حق" إسرائيل في الدفاع الشرعي عن النفس ، وذلك في وجه التهديدات العربية لها ليمهدوا بذلك لإضفاء " المشروعية " على هجوم القوات الإسرائيلية المسلح على الأراضي العربية واحتلالها.

وفي سياق محاولاتهم المتواصلة لطرح المبررات " القانونية " وإضفاء " المشروعية " على المواقف الرسمية لمختلف الحكومات الإسرائيلية الرافضة لمبدأ تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي المحتلة ، يورد الفقهاء الإسرائيليون مختلف الحجج والأسانيد معتبرين الأراضي الفلسطينية " أراض مدارة " وليست محتلة حينا ، وأن إسرائيل ليست قوة احتلال مدعين أن الجهة التي تم إخراجها بالقوة من هذه الأراضي ( أي الأردن في الضفة الغربية ، ومصر في قطاع غزة ) لم تكن صاحبة السيادة الشرعية عليها بدليل عدم اعتراف المجتمع الدولي بتواجدها فيها ، وبالتالي فالسيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية لا يعتبر احتلالا حربيا ، مما لا يستدعي وجوب سريان وتطبيق أحكام اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية.

ويعتبر البروفيسور يهودا بلوم وهو محاضر في الجامعة العبرية ومن ثم سفيرا لإسرائيل في الأمم المتحدة من أبرز الفقهاء الذين وفروا للحكومة الإسرائيلية حججا وذرائعا لتدعم موقفها الرافض تطبيق القانون الدولي الإنساني بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي المحتلة . ففي معرض المقالة التي نشرها عام 1968 بخصوص الوضع القانوني لإسرائيل في الضفة الغربية ، طرح البروفيسور بلوم العديد من الحجج التي من شأنها جعل اتفاقية جنيف الرابعة غير قابلة للتطبيق في الضفة الغربية.

وتلخصت حجة السيد بلوم الأولى في أن اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب لعام 1949 تطبق فقط في الحالات التي تحل فيها قوة الاحتلال محل الحاكم الشرعي للبلاد مضيفا ، أنه نظرا لأنتفاء الشرعية عن الحكم الأردني للضفة الغربية لغاية العام 1967 ، وفي ظل انعدام حقها في السيادة الشرعية عليها ، فإن إسرائيل غير ملزمة بتطبيق أحكام الاتفاقية الرابعة على اعتبار أنها لم حلت مكان الحاكم غير الشرعي للضفة ألا وهي الأردن.

وتبقى هذه الحجة التي ما زالت تعتبر بمثابة الركيزة " القانونية "للموقف الرسمي الإسرائيلي بخصوص تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي المحتلة ضعيفة وعديمة المصداقية ، خاصة وأن المادة الثانية من الاتفاقية تنص بصورة واضحة على وجوب تطبيفها في جميع الحالات التالية:
"علاوة على الأحكام التي تسري في وقت السلم ، تنطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين او آخر من الأطراف السامية المتعاقدة ، حتى لو لم يعترف أحدها بحالة الحرب.

وتنطبق الاتفاقية أيضا في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة ، حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة ".

وتلخصت الحجة الثانية للبروفيسور بلوم ، بأن لإسرائيل الحق الكامل في الضفة الغربية نظرا لأنها خاضت حرب 1967 من منطلق " الدفاع الشرعي " ، مما يفضي بالسيد بلوم إلى الإدعاء بأن القانون الدولي يجيز الاستيلاء على أراضي الغير واحتلالها نتيجة الغزو الدفاعي الأمر الذي يحظره القانون الدولي المعاصر بصورة مطلقة ، وبالتالي فإن هذه الحجة تبقى ضعيفة كسابقتها نظرا لما تنطوي عليه من مغالطة ، فهي تتناقض مع أسس القانون الدولي المعاصر الذي يحظر استخدام القوة أو التهديد باستخدامها للاستيلاء على أراضي الغير.
يندرج دور القضاء الإسرائيلي في إطار دعم وتعزيز الموقف الرسمي لسلطات الاحتلال بصدد رفضها تطبيق قواعد وأحكام اتفاقية جنبف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة ، حيث يقوم قضاة المحكمة العليا في إسرائيل بتوفير الغطاء " القانوني " لهذا التوجه معتبرين أنه يمكن للاتفاقيات الدولية التي تبرمها إسرائيل اكتساب القيمة القانونية الملزمة وأن يصار إلى تطبيقها فقط في حال أصبحت جزء أ من القانون المحلي الإسرائيلي وذلك بواسطة إصدار الكنيست "البرلمان" في إسرائيل قانونا خاصا يقضي بتطبيق الإتفاقية الرابعة على الأراضي المحتلة ، وعليه فإن اتفاقية جنيف الرابعة ورغم توقيع إسرائيل عليها ليست ملزمة لها طالما لم يقم الكنيست الإسرائيلي بإصدار تشريع يؤدي لدمجها في القانون المحلي الإسرائيلي.

كما أكدت المحكمة العليا مرارا بأن إسرائيل غير ملزمة بتطبيق الإتفاقية الرابعة على الأراضي المحتلة بدعوى أنها لا تدخل ضمن القانون الدولي العرفي ، لكن قضاة المحكمة كانوا ينوهون دائما في قراراتهم بهذا الشأن على نية وموقف الجهات الرسمية في إسرائيل الالتزام بتطبيق نصوص الإتفاقية ذات الطابع الإنساني، مما يفضي إلى استنتاج مؤداه أن قضاة المحكمة العليا وفي معرض توفيرهم الغطاء " القانوني " لرفض إسرائيل الاعتراف بانطباق قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني على الأراضي المحتلة ، يفصلون بين جوانب إنسانية وأخرى غير إنسانية تضمنتها الإتفاقية الرابعة ، متجاهلين الطابع الإنساني البحت للإتفاقية الرابعة ، بصفتها تشكل إحدى الركائز الأساسية للقانون الدولي الإنساني . جوبه الموقف الرسمي الإسرائيلي المنافي لأسس ومبادئ القانون الدولي المعاصر بانتقادات واسعة من قبل مختلف الدول الأطراف في الإتفاقية الرابعة، حيث أكدت هذه الدول دائما على وجوب وضرورة تطبيق القانون الدولي الإنساني بما في ذلك أحكام اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي المحتلة ، وانتقدت كافة إجراءات سلطات الاحتلال تجاه الأراضي المحتلة وسكانها وأدانت كافة التغييرات التي تم إحداثها معتبرة إياها باطلة وغير شرعية وطالبت إسرائيل بإلغائها . وأعادت التأكيد في 5 كانون الأول / ديسمبر 2001 على ضرورة سريان الإتفاقية الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك شرقي القدس ، مؤكدة على وجوب احترام الإتفاقية الكامل في هذه الأراضي . كما عبر عن نفس الموقف كل من منظمة الأمم المتحدة ، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والكثير من الفقهاء بسبب الرفض الإسرائيلي الإلتزام بما نصت عليه المادة الأولى من الإتفاقية الرابعة، حول وجوب تعهد الدول الأطراف باحترام الإتفاقية في جميع الأحوال وتحت كافة الظروف.

وبموجب تفسيرها للمادة الثانية من الاتفاقية ، فإن موقف اللجنة الدولية للصليب الأحمر ينحصر في ضرورة ووجوب انطباق الاتفاقية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل خلال حرب 1967 على اعتبار أن كافة الدول التي شاركت في الحرب ( إسرائيل ، سورية ، الأردن ، مصر ) أطرافا متعاقدة في الاتفاقية الرابعة . بالإضافة لذلك ، عبرت اللجنة الدولية عن موقفها القاضي بوجوب تطبيق الاتفاقية على الأراضي المحتلة ودحضت الموقف الإسرائيلي المستمد من الحجة السيد بلوم بالقول ، أن تطبيق الاتفاقية ليس مرهونا بسيادة أطراف النزاع . فالاتفاقية تنطبق على كافة النزاعات المسلحة التي تفرز حالات احتلال كلي أو جزئي بغض النظر عن وضع الإقليم الذي تم احتلاله .

إضافة لذلك ، يعاض غالبية فقهاء القانون الدولي موقف إسرائيل الذي يتجاهل نصوص الإتفاقية الرابعة وتحديدا ما نصت عليه المادة الرابعة بشأن تحديدها للأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية وهم " أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل كان - في حال قيام نزاع مسلح أو احتلال - تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها " ، مما يدلل على بطلان الادعاءات التي يسوقها الإسرائيليون ، حول اقتران موضوع السيادة بتطبيق أحكام الإتفاقية الرابعة .

_______
* د. نزار ايوب / محامي و باحث في القانون الدولي ( الجولان المحتل ) 1 - راجع اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12 آب / أغسطس 1949 ، المادة الثانية الفقرة الأولى .

2 - راجع نصوص المادتين 26 و 34 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 ، حيث تنص على أن المعاهدات النافذة ملزمة للأطراف المشاركة فيها وعليهم تنفيذها بحسن نية .

3 - القواعد الأساسية لاتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الأساسيين ، اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، جنيف – 1984 ، ص10 . احترام القانون الدولي الإنساني وكفالة احترامه ، الاتحاد البرلماني الدولي واللجنة الدولية للصليب الأحمر ، جنيف – 1999 ن ص13.

4 - Commentary , IV Geneva Convention , Ibid , P. 21 .

5 - راجع نص المادة السادسة من اتفاقية جنيف الرابعة .

6 - راجع المادة الرابعة الفقرة (6 ) من اتفاقية جنيف الرابعة .

7- Commentary , IV Geneva Convention , Ibid , P. 63

8 - Kretzmer,D. The Occupation of Justice-The Supreme Court of Israel and the Occupied Territories, N.Y. 2002,32. راجع أيضا ، رجا شحاذة ، قانون المحتل – إسرائيل والضفة الغربية – إصدار مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، بيروت 1990 ، ص5 .

9 - في 7 حزيران 1967 ، نشرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ثلاثة بلاغات عسكرية تتعلق بالضفة الغربية ، تضمن الأول أعلانا حول دخول قوات الاحتلال الضفة الغربية ، والثاني أعلن تولي حاييم هرتسوغ كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، أما البلاغ الثالث فتضمن نصوصا تقضي بإنشاء وتشكيل المحاكم العسكرية . رجا شحاذة ، المرجع السابق .

10 - Blum . y," The Missing Revisioner : Reflection on the Status of Judia and Samaria, " Israel Law Review 3 ( 1968 ), P. 279.

11 - راجع قرارات المحكمة العليا رقم 87 / 785 و 88 / 253 .

12 The Assasination Policy of the State of Israel- November 2000 – January 2002 .The Public Committee Against Torture in Israel ( PCATI) and LAW – The Palestinian Society for the Protection of Human Rights and the Enviroment, June 2002, pp.83 – 84.

13 - The ICRC Statement to the High Conracting Parties to IV Geneva Convention 1949 from December 2001

14 - Kretzmer,D. Ibid, P. 34

15- Kenneth Anderson , Israel`s views of the application of International Humanitarian Law to the West Bank and Gaza Strip , Crimes of War , Ed. By Roy Gutman and David Rieff , P. 38 .

التعليقات