تصريحات القدومي ما بين التشكيك والتأكيد؛ هل كان المحضر في مكتب الراحل عرفات؟

من شاهد المحضر الذي عرضه القدومي في مكتب الراحل عرفات قبل استشهاده ولماذا يصمتون؟ "ما هي العلاقة بين المحضر الذي عرضه القدومي ورسالة دحلان وفحوى لقائه مع موفاز ؟"

تصريحات القدومي ما بين التشكيك والتأكيد؛ هل كان المحضر في مكتب الراحل عرفات؟
وقعت تصريحات أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، فاروق القدومي على الفلسطينيين وعلى حركة فتح على وجه الخصوص كالصاعقة، وكان الحدث شبيها بذلك النوع من الأحداث التي تشبه الإشاعة، احتاج استيعابها وقتا ما، ليتدفق بعدها سيل من الأسئلة والتحليلات والتشكيك والتصديق والنفي والتأكيد. وفي ليلة وضحاها تحول كل فلسطيني إلى تحر ومحلل يجيل تلك التصريحات بذهنة ويستذكر ويعيد ويربط الأحداث والأقوال وأجزاء المعلومات ويتوصل إلى نتائج واستنتاجات يحاجج بها أو يحتفظ بها لنفسه.

لماذا الصدمة؟ يتساءل أحد قيادات حركة فتح(سنسميه المصدر الأول). ويردف: لقد كان العنوان مكتوبا على الجدار. ولكن لماذا صمت القدومي كل هذا الوقت؟ طالما أن المحضر معه منذ عام 2004 لماذا لم يكشفه حينما انتخب محمود عباس رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد اغتيال أبو عمار مباشرة، وبعد ذلك حين انتخب مرشح فتح للرئاسة؟ ويردف: "لكن ما هو مؤكد أن أبو اللطف هو قائد ومؤسس ولديه تاريخ نضالي طويل ولن يجازف عبثا بمعلومات دون التأكد من صحتها، ولا اشك للحظة أن «أبو عمار» تعرض لمؤامرة.

وسألته: تتحدث عن توقيت الكشف وماذا عن الفحوى؟ فيقول: " المؤامرة مكشوفة منذ وقت طويل. بالتأكيد كانت هناك مؤامرة ضد عرفات وضد المقاومة. لقد شاهدنا اللقاء بين دحلان وموفاز، في 2 يوليو/ تموز 2003، وتأكيد دحلان بأنه هو وعباس في صف واحد ضد عرفات، وترديده عدة مرات لموفاز مقولة "ربما يمكننا فعل شيء"، كان ذلك واضحا بشكل لا يقبل اللبس. وكانت خاتمة اللقاء بتوجه موفاز لدحلان قائلا: "إبدأ بالعمل الآن"، ماذا يعني ذلك؟ الأمور في غاية الوضوح. وما جرى من حديث بين الاثنين لا يختلف عن فحوى الرسالة التي وجهها دحلان لموفاز بعد عشرة أيام من لقائهما أي في 22 تموز يوليو/ 2003، والتي قال فيها "إن عرفات أصبح يَعُد أيامه الأخيرة ودعونا نذيبه على طريقتنا وليس على طريقتكم"، ووصف فيها المقاومة بأنها عصابات "مافيا" . (مرفق الرسالة والشريط التسجيلي الذي بثته قناة الجزيرة). ويردف: لا شك لدي بأنه كانت هناك مؤامرة، وأكاد أجزم بأن المؤامرة حيكت بين موفاز ودحلان ولا أستبعد بعد أن شاهدت شريط اللقاء بين دحلان وموفاز أن يكون عباس شريكا، وربما آخرون.

ويقول مصدر آخر (نسميه في التقرير المصدر الثاني)وهو من مؤيدي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ويدافع عنه: "لا أستبعد أن تكون الوثيقة من فبركات الراحل عرفات". وهنا أقاطعه سائلا: أنت بذلك تقر أن الوثيقة كانت بحوزة الراحل عرفات؟ فيجيب، سمعت من عدد من قيادات فتح أنهم رأوا الوثيقة في مكتب عرفات قبل استشهاده. فأسأله هل هناك أي منهم يستطيع أن يؤكد لنا أنه رأى الوثيقة في مكتب عرفات؟ فيجيب: مطلقا لن تجد أحدا يخبرك بذلك، حتى دون ذكر اسمه.

ويقول المصدر الأول عن الأجواء في حركة فتح: تصريحات أبو اللطف شكلت صدمة حقيقية لكوادر حركة فتح، وتملكهم الذهول وانقسموا ما بين مصدق ومكذب ومشكك، وجميعهم يلومون القدومي بشكل أو بآخر. ويضيف: ردود الفعل متباينة ومتضاربة حول صدقية المعلومات وحول وجود مثل هذا المحضر. فهناك من يعتبر أن هذه الوثيقة مجرد فبركات إعلامية وثمة من يعتقد أنها حقيقة بل ويؤكد أنها كانت مودعة في مكتب الشهيد عرفات. وأسأله هل يمكنك أن تجيب بشكل مباشر- هل سمعت من أحد القيادات أنه رأوا الوثيقة في مكتب عرفات قبل استشهاده؟، فيقول نعم. ولكنه يكرر ما قاله المصدر الثاني: "لن تجد من يدلي بهذه المعلومات للصحافة".

ورفض مسؤولون فلسطينيون من الصف الأول نفي أو تأكيد رؤية الوثيقة في مكتب الراحل عرفات، وكان الجواب المشترك أنهم لا يريدون الحديث عن الموضوع. وقال أحدهم ربما أتحدث عن ذلك بعد مؤتمر فتح. حاولت أن أنتزع منه معلومات بعد أن قطعت له وعدا بأن لا أنشرها فقال: "لا أسلم رقبتي لصحفيين".

ويضيف المصدر الأول: أذكر أن العلاقات في تلك الفترة(الاجتماع الذي تحدث عنه القدومي) بين الراحل عرفات من جهة وأبو مازن ودحلان من جهة أخرى كانت مشحونة جدا. وكان أبو عمار محاصرا. وأسأله: هل تقف وراء تصريحات القدومي بشكل مطلق؟ فيجيب: التأخير في الإعلان عن هذا المحضر يلعب ضد القدومي. ولكن ما أنا متأكد منه أن القائد التاريخي، والمؤسس، لن يزج بنفسه في عبثيات، ولا شك بأن مؤامرة حيكت ضد عرفات.

ضابط متقاعد في الأمن الفلسطيني، فضل عدم ذكر اسمه، قال إن الوضع محزن، الاتهام محزن والسكوت عنه محزن، وما يحصل هو تضييع الفحوى لحساب المهاترات. تجتاح الشعب الفلسطيني أزمة فكر وثقافة تتلخص في «المبالغة والاستسهال»، والآراء مرهونة بالمواقف السياسية. وستسمع مؤيدو القدومي يعرضون رأيا، ومؤيدو عباس يعرضون رأيا مخالفا. الأزمة تتلخص في عدم القدرة على رسم حدود العلاقة وحدود الأزمة، وذلك يقودنا إلى التيه. ينبغي تغليب مصلحة الوطن على كل شيء. وينبغي التعامل مع اتهامات القدومي في المسار القانوني والقضائي وليس الإعلامي أو السياسي.
ويضيف الضابط المتقاعد: لا أحد يملك الحقيقة وليس هناك مسلمات وينبغي التعامل مع الأزمة بصبر وعقلانية بعيدا عن الاتهامات والمواقف الشخصية والمهاترات. لا شك بأن الزمن كفيل بكشف قضية اغتيال المرحوم القائد ياسر عرفات. ولكن لا يمكن عرض معلومات دون إثباتات وبراهين . وأعتقد أنه من المفضل عدم الخوض في القضية إعلاميا لأن ذلك سيزيد الطين بلة. ويتساءل هل يعقل أن تقوم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الإجرامية بتسريب محضر هذه الجلسة، غير معقول. ربما ستكشف عن سر اغتيال عرفات بعد سنوات طويلة. ويختتم بالقول: "إسرائيل لم تكن تلعب خلال العقود الماضية، كانت تعمل على تفتيت الشعب الفلسطيني وتشويه نضاله".

كيف ستؤثر تلك المستجدات على المؤتمر السادس لحركة فتح المزمع في الرابع من الشهر المقبل؟

المصدر الأول: فتح أمام مفترق تاريخي قد يغير ثوبها. العضوية في المؤتمر حسمت، وهناك الكثيرين الذين يرون أنهم ظلموا. لا يمكن توقع اتجاه المؤتمر أو نتائجه ولكن بالتأكيد ستلقي تصريحات القومي بظلالها على المؤتمر. الفترة الآن فترة حراك من وراء الكواليس، واصطفافات وصفقات. ولكن مما لا شك فيه أن الفترة التي ستعقب المؤتمر ستكون مرحلة الانقسامات والتشرذم. لأن النتائج لن ترضي الجميع، وأي تيار سيخسر لن يقبل بالنتيجة. الفترة المقبلة ستكون حرجة. من الصعب تقدير تأثير الزوبعة التي أثارها أبو اللطف سننتظر ونرى النتائج.

المصدر الثاني(مؤيد لعباس): بالتأكيد سيكون لتصريحات القدومي تأثير على المؤتمر السادس. وكما يقول المثل الشعبي "الرصاص الذي لا يصيب يدوش". لا شك لدي بأن محضر الجلسة التي عرضها القدومي مفبركة. فلنفرض جدلا أن هذا الاجتماع قد حصل فعلا، كيف سيحصل عرفات على فحوى الجلسة؟ وبأي لغة كتب المحضر؟ وهل جلسات من هذا النوع تدون أصلا؟ ولو دونت من سربها لعرفات شارون أم عباس أم دحلان؟ أعتقد بأن هذه الوثيقة كانت تخدم الخلافات الداخلية حينها.

ويقول الضابط المتقاعد: لا أعتقد أن ذلك سيؤثر. وأعتقد أن نتائج المؤتمر محسومة. وأسأله: هل تعني لصالح تيار عباس؟ فيجيب: قطعا، وإلا لما كان تقرر عقد المؤتمر أصلا. فمؤتمرات مثل تلك لا تعقد في الوطن العربي إلا إذا كانت محسومة مسبقا، والأمور بالتالي محكومة للمصالح وللمال.

ويضيف المصدر الأول: فترة عباس كانت حقبة تصفية المقاومة وحلها وتجفيف منابع تمويلها، وتسريح المقاتلين القدامي(قادة الثورة والفدائيين وضباط قوات الـ17 والمطاردين) من الأجهزة الأمنية، وخلق ما يسمى برجل الأمن المهني الذي يطبق القانون بمعزل عن الأوضاع السياسية. ويصمت قليلا ويردف كأنه اكتشف شيئا: ألا ترى أن ثمة علاقة بين المحضر المذكور وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005 وعرض الانسحاب إعلاميا على أنه من جانب واحد! لماذا لا نربط بين المحضر والانسحاب والنتائج بعد ذلك وصولا إلى الحسم العسكري في قطاع غزة.


وأسأل: أنت بذلك تبرر الحسم العسكري في قطاع غزة؟
فيجيب: أتفهمه إلى حد ما ولكن لا أؤيده، ولا أؤيد الطريقة التي جرى بها. لدى حماس الكثير من السلبيات التي لا يتسع المجال هنا لذكرها ولكنني بالتأكيد لا أؤيد ما حصل وما تبعه من أجواء، لقد فرضوا أجواء من الرعب على حركة فتح وقمعوها، وفتح ليست كلها محمد دحلان.

وأسأله: هل تلمح إلى أن ادعاءات حماس كانت صحيحة بشأن الضربة الاستباقية.
فيجيب: بالتأكيد هناك تنسيق أمني جار حتى يومنا هذا، ويستهدف أساسا النهج المقاوم وروح المقاومة.

وأسأل المصدر الثاني نفس الأسئلة فيجيب: كان لا بد من هيكلة الأجهزة الأمنية وبنائها على أساس مهني. لقد أبرمت السلطة الفلسطينية اتفاقات وينبغي احترامها وتطبيقها. والأوامر العليا يجب أن تنفذ ولا بد من وجود سلطة واحدة وأجهزة أمنية موحدة. الرئيس عباس لن يغامر بمستقبل الشعب الفلسطيني ويعتقد أن طريقه ستقود الشعب الفلسطيني إلى بناء دولته.

فأسأله: ولكن الجانب الآخر لا يطبق الاتفاقات، بينما تطبق السلطة الاتفاقات وتواصل التنسيق الأمني بمعزل عن المواقف السياسية والممارسات الإسرائيلية ؟
فيجيب: نحن الطرف الضعيف، ويجب أن نقنع العالم أننا نطبق الاتفاقات لكي نحرج إسرائيل. وحققنا نجاحات على هذا الصعيد، وما المواقف الأوروبية الأخيرة وعزم الرئيس أوباما على حل الدولتين سوى تأكيد على صحة سياسة الرئيس أبو مازن.

تصفية دور القدومي

وأسأل المصدر الثاني: هل صحيح ما تردد حول نية أبو مازن تصفية دور القدومي؟
فيجيب: "حركة فتح لديها مؤسساتها. والمؤتمر العام سينتخب مؤسساته في المؤتمر. لا أدري إن كان المؤتمر سيعيد انتخاب القدومي للجنة المركزية أم لا. لا أعتقد أن تصفية القدومي بالأمر اليسير بالنسبة لعباس، خاصة وأن أعضاء المؤتمر ذوي اتجاهات فكرية متعددة. ولكن لا أدري إن كان أبو مازن سيلجأ إلى الهيئات القضائية للحركة أو لمنظمة التحرير.

وأسأل المصدر الأول إن كان عباس لديه قدرة على تصفية دور القدومي ؟ فيجيب، لا أعتقد أن ذلك ممكن. نحن لا نتحدث عن شخص هامشي، نحن نتحدث عن أمين سر اللجنة المركزية، وأحد مؤسسي الحركة. لا أعتقد أن ذلك ممكن، ولكن سننتظر ونرى. ولكن أقول لك بالتأكيد أن فتح أمام مفصل تاريخي وستكون المرحلة المقبلة مرحلة الانشقاقات.

هل ستكسب حماس من الأزمة الفتحاوية؟

المصدر الأول: لا أعتقد ذلك؛ حماس في أزمة حقيقية شبيهة بأزمة فتح في أواخر ثمانينات وأوائل تسعينات القرن الماضي. قد تتضرر فتح وتتشظى نتيجة لتلك الأزمات ولكن لن يكون ذلك لحساب حركة حماس.

المصدر الثاني: حماس تكسب على المستوى الإعلامي، ووجدت شيئا قد يساعدها في تبرير انقلابها في غزة. الفائدة إعلامية فقط.


جميل المجدلاوي ذكر في قائمة التصفية

وتوجهنا إلى عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، جميل المجدلاوي، الذي ورد اسمه في الوثائق التي عرضها القدومي بأنه مرشح للتصفية. فرفض الحديث عن الموضوع، كما رفض التطرق إلى تأثير تصريحات القدومي على المؤتمر السادس لحركة فتح. ولكنه أكد على ضرورة انعقاد مؤتمر فتح السادس لأن المصلحة الوطنية تتطلب استعادة حركة فتح لدورها النضالي ومكانتها كعامود فقري لحركة التحرر الفلسطينية. وأشاد المجدلاوي بدور حركة فتح التاريخي، وأعرب عن أمله أن تكون نتائج المؤتمر في صالح مشروع التحرر الفلسطيني، وأن تعيد الحركة وحدتها وتعزز صفوفها وتستعيد دورها. وقال إن حركة فتح لن تمنح ثقتها لأي فريق يفرط بحقوق شعبنا.
وحينما سألته عن مخاطر تولي تيار التفريط بزمام الأمور في الحركة، هون من تلك المخاطر وقال: إن شعبنا مر بتجارب كثيرة، وسيكتشف هؤلاء بعد أربع سنوات أنهم على خطأ، شعبنا مر بأزمات كثيرة وكان دائما قادرا على تصويب مساره.

وعن دور الجبهة الشعبية قال المجدلاوي إن دورها على مر التاريخ كان دورا توحيديا، وانتقد الثنائية السلبية والمحاصصة لدى حركة فتح وحماس، وانتقد الاعتقالات من الجانبين..

وقال المجدلاوي إن اللقاءات الثنائية بين فتح وحماس هي إعادة إنتاج المحاصّصة الثنائية السيئة التي حصدنا ثمارها المرة بعد اتفاق مكة. وأشار إلى أن فتح وحماس تستبدلان حكومة الوفاق الوطني بلجنة تكريس الانقسام، وتستبدل التمثيل النسبي الذي أجمعت عليه كل القوى باستثناء حماس بمحاصّة جديدة تقوم على أساس اتفاق الانتخابات بين مرجعية التمثيل النسبي والدوائر، واستبدلوا إعادة بناء القوى الأمنية على أساس وطني ومهني بقوة مشتركة "وهذا كله التفاف على الإرادة الوطنية".




رابط التقرير حول لقاء موفاز دحلان؛ في نهاية الشريط يدير دحلان ظهره للكاميرا ويهمس لموفاز؛ فيرد عليه موفاز بالقول "إبدأ بالعمل"

.

التعليقات