عائلات النواب المختطفين من جنين؛ صمود رغم المعاناة وتحدي في مواجهة المحنة

-

عائلات النواب المختطفين من جنين؛ صمود رغم المعاناة وتحدي في مواجهة المحنة

تأتي ذكرى مرور عام على فوز حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي بينما لا زالت قوات الاحتلال تعتقل أكثر من 32 من أعضاء كتلة الإصلاح والتغيير، من نواب ورؤساء بلديات ممن مر أكثر من سبعة شهور على اختطافهم في وقت ترفض قوات الاحتلال الإفراج عنهم رغم عجزها عن إدانتهم بأي تهم في وقت تدهورت فيه الأوضاع الصحية لعدد من النواب وسط إهمال إدارة السجون.
رجال إصلاح.. وأهل علم وصلاح:

يعتبر الأستاذ النائب خالد سعيد الحاصل على أعلى الأصوات في الانتخابات التشريعية بمحافظة جنين، من ابرز شعراء وكتاب المحافظة وفلسطين، صدر له ثلاث دواوين شعر وكتاب عن مجزرة مخيم جنين، وهو خطيب مفوه ، ومحاضر سابق في قسم اللغة العربية في الجامعة الإسلامية، عمل محاضراً قبل انتخابه بالمجلس التشريعي في الجامعة العربية الأمريكية وجامعة القدس المفتوحة في مدينة جنين، كما انه عضو في لجنة اموال الزكاة في المدينة.

أما الشيخ خالد سليمان، فيعتبر ما أكثر خطباء محافظة جنين حضوراً وخاصة في صفوف الطبقة المثقفة، وارتقى منابر الخطابة قبل أن يتم عقده الثاني، وهو حاصل على وماجستير في العلوم السياسية من جامعة النجاح الوطنية، و تقول السيدة أم سليمان خالد أن زوجها قارئ نهم من الدرجة الأولى وخاصة لكتب "الفلسفة السياسية" والكتب التي تتكلم عن "العقل العربي" و"سياسة الفكر".
أما الدكتور حاتم جرار فهو النقيب السابق للأطباء في الضفة الغربية في عام 1995، وكاد أن يكون من مبعدي "مرج الزهور" لولا ان وضعه الصحي حال بينه وبين الابعاد، بعد ان أفرج عنه الضابط المسئول من حافلة الابعاد، وهو حاصل على الماجستير في الطب من جامعة الأزهر عام 1981، وصاحب يد بيضاء وخاصة مع الكثير من المرضى الفقراء الذين لا يتلقى منهم اجر على علاجهم.

أما النائب ابراهيم دحبور أصغر نواب المحافظة سناً والمولود في 8/2/1968 فكان عضواً في اللجنة التحضيرية لمجلس الطلبة في الجامعة الاردنية عام 1990، ومنها تخرج بتخصص المحاسبة الادارية فرع الشريعة الاسلامية، وهو على الرغم من صغر سنه إلا انه عضو في لجان الاصلاح في المنطقة، ومؤسس "لجمعية عرابة الخيرية"، وفاز بعضوية بلدية عرابة قبل أن يستقيل لخوض الانتخابات التشريعية بقائمة "التغيير والإصلاح".

سوء في حالتهم الصحية:

لقد تسبب السجن للكثير من النواب بالأمراض التي ليس لهم عهد بها، فإصابة النائب إبراهيم دحبور في الكلى وجهازه البولي كما تقول زوجته : لم تكن موجود نهائيا خارج السجن ولم يعاني الدحبور من أية مشاكل في هذا الجانب.
وقد رفضت سلطات الاحتلال عرضه على المستشفى رغم تفاقم حالته الصحية وشعوره بألم شديد نتيجة مشاكل صحية في الجهاز البولي والكلى، الأمر الذي وصل به الى حالة من الألم الشديد الذي يصاحب عملية ذهابه لبيت الخلاء، وما يصاحبها من افرازات للدم.

أما الدكتور حاتم جرار الذي قارب على الستين، فيعاني من ارتفاع بالضغط والسكري، وبعد إلحاح كبير على إدارة السجن لعرضه على الطبيب تم نقله إلى سجن "الرملة" في صبيحة عيد الاضحى، واستمرت الرحلة لأكثر من 13 ساعة، تقول زوجته ام رضا أن عملية نقله إلى المستشفى ضاعفت من آلام المرض، فقد كان مقيد اليدين والرجلين بالأصفاد، وتضيف السيدة أم رضا: أن الاحتلال منع الدكتور ، لأكثر من اربعة اشهر من الحصول على نظارته الخاصة لكونه يعاني من ضعف في بصرة نتيجة مضاعفات مرض السكري، وبعد عدة مرات من تدخل الصليب الأحمر سمح لنا بإدخالها له، في حين تؤكد ام سليمان خالد أن زوجها يعاني من آلام حادة في القولون العصبي، والتهاب في الجيوب الانفية، وآلام في الظهر " دسك"، وتضيف ام سليمان بأنها تخشى من أن أجواء السجن الرطبة والطعام السيئ الذي يقدم للاسرى، تزيد من سوء حالة زوجها الصحية.

ممنوعون من ادخال الملابس لهم:

"في كل زيارة نحمل معنا جميع ما طلب ازواجنا من ملابس ونعود بها كما هي" على هذه الكلمة اجمعت جميع زوجات النواب المعتقلين لدى قوات الاحتلال ، سبعة أشهر أو يزيد هو عمر اعتقالهم لم يسمح لأحد من زوجاتهم إدخال أي شيء لهم، فأجواء البرد التي تلف المكان علاوة على ظلم الزنزانة، لا يتقي النواب بردها إلا بملابسهم الصيفية والقليل مما زاد عن حاجة إخوانهم الأسرى الذين يقاسمونهم الزنزانة، وتقول أم خليل دحبور أن المزاجية هي السيف المسلط على رقابنا، ففي كل زيارة يصدر الجنود شروط للملابس المسموح إدخالها للأسرى، وعندما نحضرها في الزيارة التالية وفق شروطهم، يدَّعون أنها مخالفة للشروط بعد إصدار شروط جديدة مغايرة تماماّ للسابقة، وتؤكد السيدة أم همام سعيد: أنها لم تستطع خلال كل الزيارات إلا إدخال مصحف.

الطفلة ندى خالد سعيد تُجمِل المأساة:

سألنا أم همام زوجة النائب خالد سعيد عن الصور المؤثرة في أجواء البيت بغياب رب الاسرة، فكانت الطفلة ندى مَن أَجمل لنا تفاصيل الصورة، فندى التي لا يزيد عمرها عن الاربعة سنوات، وتصحبها والدتها كل مرة لزيارة والدها، تجري الكلمات من فمها بعفوية، ولكن في الكثير من الاحيان تُبكي الكبار عن غير قصد وبكل براءة، فعندما منعت السلطات الصهيونية النواب الأسرى من الزيارة في سجن نفحة، لم تفهم ندى ما تعنيه والدتها بأن "بابا مش موجود على شباك الزيارة"، فكانت تلح عليها ندى بأن: أطرقي هذا الباب "بجوز بابا بهذه الغرفة"، " طيب بجوز هون..جربي بس"، ولا تزال أجواء اعتقال والدها حاضرة في ذهنها الصغير وما صاحبه من اقتحام، فتقول السيدة أم همام: أن ندى عندما تسمع صوت اطلاق نار تسأل للاطمئنان : "ماما هذا مش عند بابا.. ولا عند سيارتنا" التي تعرضت لاطلاق نار من بعض العابثين في وقت سابق، ولا تخفي ندى" زعلها من بابا" الذي انصاع لأوامر الجنود وذهب معهم عند اعتقاله بِحَسَبِ ندى ولم يأخذها معه؟!! ومع هذا تقول أم همام أن ندى عندما تأكل أي شيء من الأشياء التي كان يحبها والدها تُخفي له منها نصيب، و"تحوشها" له في جرار دولابه قرب سريره، واذا ما نسيت تتدارك بسرعة: " هذا ما خبينا لبابا منه"، حتى كوب الماء فان ندى تملؤه باستمرار وتضعة قرب سرير بابا، فلعله يأتي في ساعة من ساعات الليل عطشان، تكون فيها ندى نائمة.

لا السجن يرهبني ولا السجَّان:

وتؤكد زوجات النواب أن ظلمة السجن وظلم الاحتلال لن يثني أزواجهن عن إكمال المسير بل سيكون دافع للاستمرار، فتقول أم سليمان: إن الرسالة التي يحملها زوجي في هذه الحياة هي طاعة الله تعالى عن طريق خدمة الناس وتنويرهم، والاعتقال هذا مكتوب من الله رب العالمين، ولن يثني الاعتقال زوجي عن إكمال طريقه ، مضيفةً: ولو كل واحد منا سيتنازل عند تعرضه للابتزاز لما بقينا على أرضنا لحظة في حين تقول أم همام أن الطريقة التي وصل بها زوجي للمجلس التشريعي والدور الذي يقوم به، هو ما تدعي الولايات المتحدة نشره في العالم، وتضيف: وطالما أن الدور الذي يقوم به النواب شرعي فلا يحق لأي شخص في العالم مساءلتهم، بل على العكس فهم من يتوجب عليهم مساءلة الاحتلال عن جرائمه وبطشه بالشعب الفلسطيني.
أما ا أم خليل دحبور فتؤكد أنها ستبقى داعمة لزوجها في رسالته مهما كانت العواقب، وتضيف متسائلة: لو لم ندعمهم نحن فمن الذي سيدعمهم؟، إن إبراهيم لم يقم بشيء مخل لا قدر الله، بل إن الدور الذي يقوم به إبراهيم بحمل رسالة الفقراء والضعفاء وصوت الناس يشرفني ويشرف كل حر.

في حين تبدي أم رضا جرار رغبتها في بقاء زوجها 8 سنوات وليس أربعة في بلدية جنين، حتى يعلم الاحتلال أن شعبنا اكبر من الشراء ، واكبر من التنازل عن حقوقه، ولن يثنيه شيء عن إيصال رسالته والقيام بواجبه.



التعليقات