الحكومة والمستوطنون في القدس؛ تحالف وخصخصة وتبادل أدوار..

جمعية "إلعاد" أصبحت الهيئة التي اختارتها الدولة لتكون مسؤولة عن ماضي المدينة، ومستقبلها، وجمعية "عطيريت كوهانيم" ترسم الخارطة الديمغرافية الجيوسياسية لما ستكون عليه البلدة القديمة في السنوات القليلة القادمة

الحكومة والمستوطنون في القدس؛ تحالف وخصخصة وتبادل أدوار..
إنّ ما كشفت عنه صحيفة "هآرتس" العبرية أمس، من أنّ ما قدمته دولة الاحتلال للجمعيات الاستيطانية اليمينية في شرقي القدس من مساعدات في مجال السيطرة على عقارات فلسطينية خصوصاً في البلدة القديمة وفي سلوان والشيخ جراح، يثبت ما كنا نحذر منه من التحالف المشؤوم بين الحكومة الإسرائيلية وبين الجمعيات الاستيطانية، وما يتمّ بينهما من تبادل للأدوار لتحقيق الإستراتيجية الصهيونية الهادفة إلى تهويد المدينة وتطهيرها عرقياً.
 
ويتضح من التحقيق المطوّل الذي أوردته الصحيفة أنّ "حارس أملاك الغائبين" يصادر عقارات وأملاك فلسطينية بناء على ما أسمته الصحيفة "قانون تعتري تطبيقه خلافات"، إشارة إلى تطبيق قانون أملاك الغائبين بصورة غير قانونية، ويغلب عليها الرشوة والتزوير والتمويه. حيث تنقل ما يسمى بـ"دائرة أراضي إسرائيل" هذه العقارات والأملاك الى جمعيتي "إلعاد" و"عطيريت كوهانيم" الاستيطانيتين المتطرفتين بدون إجراء أية عطاءات رسمية وبأسعار متدنية للغاية.
 
 وتعمل جمعيتا "إلعاد" و"عطيريت كوهانيم" وبصورة سرية تامة من خلال شركات فرعية، أكثرها مسجل في الخارج، بما في ذلك أماكن التهرب من دفع الضرائب مثل جزيرة العذراء، وتتستران على هويات المتبرعين لها، وتحصلان على مساعدة الدولة العبرية من أجل شراء العقارات، خصوصاً في إطار قانون أملاك الغائبين.
 
فمسجل الجمعيات والشركات الإسرائيلي يعمل على إعطاء الجمعيات الاستيطانية امتيازات أشبه بالحصانات تمكنها من استقبال عشرات ملايين الشواكل بدون الكشف عن هوية المتبرعين. بمعنى أنّ هذه الجمعيات الاستيطانية لن تخضع إلى مساءلة "من أين لك هذا؟"، وحماية لكثير من المؤسسات المتبرعة في أمريكا وبريطانيا التي قد تتهم بدعم الإستيطان في الأراضي المحتلة في الوقت الذي حصلت فيه على إعفاء من دفع الضرائب في بلادها.
 
وفيما تسيطر جمعية "إلعاد" الاستيطانية حتى اليوم على حوالي 15 بؤرة إستيطانية في سلوان وحدها، ويقطن فيها حوالي 500 مستوطن من غلاة المتطرفين، وتسخر الحكومة لخدمتهم مئات الجنود وأمثالهم من أفراد الأجهزة الأمنية والقوات الخاصة، لتقويتهم على سكان البلدة وأصحابها. فقد تمكنت جمعية "عطيريت كوهانيم" الناشطة في البلدة القديمة بصورة عامة، وفي الحي الإسلامي على وجه الخصوص  من نقل 60 عائلة استيطانية الى البلدة القديمة وعدة مئات من طلبة المدارس الدينية محميين بذات الجاهزية الأمنية الإسرائيلية.
 
 وقد نقلت دولة الإحتلال ووزاراتها المختلفة للجمعيتين ومن خلال هذه الأساليب عشرات من العقارات بدون أي عطاءات. وهكذا مكنتهما من العمل وحيدتين من وراء ستار محكم الإغلاق لخدمة أهدافهما. وتخصص الحكومة من خلال وزارة الإسكان الصهيونية وعلى حساب دافع الضرائب الإسرائيلي، لوجستيات الحراسة والتصوير الكاميراتي بمبلغ 54 مليون شيكل سنوياً لنشاطات هذه الجمعيات وبؤرها الإستيطانية، التي أقامتها مكان العقارات والأملاك العربية شرقي المدينة المحتلة. ووضعت الحكومة تحت تصرفهما مئات الحراس اليهود وآلات التصوير والجدران الفاصلة بين المستوطنين والسكان الفلسطينيين في سلوان والبلدة القديمة".
 
وفيما تجبي سلطات الإحتلال من البيت العربي الواحد، إسلامي أو مسيحي، ضرائب المسقفات (أرنونا) بقيمة خمسة آلاف شيكل سنوياً ، إضافة إلى مبلغ 25 ألف شيكل يدفعها هذا البيت لمؤجره، فإنّ السلطات بالمقابل، والتي وهبت للمستوطنين عقارات كان يملكها العرب، تعفي المستوطنين من هذه الأرنونا، فيما تجبي منهم 1200 شيكل فقط سنوياً كأجرة للسكن!
 
ويتضح في هذا السياق خصخصة تنفيذ التهويد للمدينة المقدسة، فإنّ جمعية "إلعاد" بوصفها الشريك الأبرز في إقامة حزام استيطاني يهودي حول البلدة العتيقة في القدس المحتلة، فإنها ورغم كونها جمعية خاصة، فإنها لا تشارك في رسم مستقبل مدينة القدس فحسب، وإنما أصبحت الهيئة التي اختارتها الدولة لتكون مسؤولة عن ماضي المدينة، ومستقبلها. ومثلها تقوم جمعية "عطيريت كوهانيم" برسم الخارطة الديمغرافية الجيوسياسية لما ستكون عليه البلدة القديمة في السنوات القليلة القادمة.
 
وفيما ينفق زعماء العرب الفتات على مدينتهم المقدسة، وفيما ينشغل الساسة الفلسطينيون بهوامش العمل الجاد، بعيداً عن المدينة التي سموها عاصمة لدولتهم العتيدة، فإنّ التقارير المالية لجمعية "إلعاد" تشير إلى أنها من أغنى الجمعيات الإسرائيلية في الدولة العبرية. وبحسب تقارير كشفت قبل ثلاثة أعوام، فقد وصلت مدخولاتها السنوية إلى 104 ملايين شيكل، منها 94 مليون شيكل حصلت عليها من تبرعات سرية!، وذلك بعد أنْ ضمنت حصانتها من مسجل الجمعيات الإسرائيلي، في حين أنها تجبي 10 ملايين شيكل من السياحة إلى ما يسمى "مدينة داوود"، وهي موقع استيطاني تم تشييده على أراض عربية إسلامية على مدخل حي "وادي حلوة"، الحيّ الذي يحتضن سور المسجد الأقصى جنوباً.

التعليقات