مؤسسة القدس الدولية: تقدير موقف حول هدم طريق المغاربة

وفي المخطط النهائيّ الذي أقرّ للمكان فإنّ دولة الاحتلال لن تبني فقط جسرًا للمشاة وإنّما ستربط الحفريّات أسفلّ طريق المغاربة مع شبكة الحفريّات أسفل المسجد الأقصى ومحيطه، وستؤهّل الآثار المكتشفة لتصبح جزءًا من المدينة اليهوديّة التاريخيّة التي باتت قائمةً أسفل المسجد ومحيطه، كما ستسخدم المباني المكتشفة فوق الأرض كغرفٍ لصلاة اليهود

مؤسسة القدس الدولية: تقدير موقف حول هدم طريق المغاربة
يوم الأحد 11/12/2011 أغلقت جمعيّة "الحفاظ على تراث الحائط الغربيّ" شبه الحكوميّة - المسؤولة بحكم الأمر الواقع عن إدارة ساحة البراق- والجسر الخشبيّ المؤقّت المؤدّي للمسجد الأقصى عبر باب المغاربة، مستندةً إلى تقريرٍ من مهندس بلديّة الاحتلال في القدس صدر في 23/5/2011 يعتبر فيه الجسر آيلاً للسقوط ويُشكّل خطرًا على السلامة العامّة كونه مصنوعًا من موادّ قابلةٍ للاشتعال. وقد أنذرت بلديّة الاحتلال حينها جمعيّة "الحفاظ على تراث الحائط الغربيّ" بالتحرّك ضدّها قضائيًّا إن لم تُنفّذ قرار هدم الجسر خلال ستّة أشهر. وقد استجابت الجمعيّة آنذاك لتحذيرات البلديّة وقرّرت البدء بالعمل في الأسبوع الأوّل من شهر حزيران/ يونيو، إلاّ أنّ مكتب رئيس وزراء الاحتلال وبناءً على نصيحةٍ أمنيّة قرّر تجميد القرار لحين توافر المناخ السياسيّ الملائم.
 
ومع استحقاق المهلة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عادت الجمعيّة للتحرّك على الأرض للاستجابة لتحذير بلديّة الاحتلال ولكنّ رئيس حكومة الاحتلال أمر من جديد بوقف هدم الجسر الخشبيّ وأجزاء من تلّة المغاربة بعد ضغوطٍ أردنيّة مصريّة رسميّة جاءت مدفوعةً بزخمٍ شعبيّ رافضٍ لهذه الخطوة. فأمرت البلديّة على أثر ذلك بإغلاق الجسر أمام السيّاح والمتديّنين اليهود وهذا ما كان.
 
وتعود قضيّة طريق المغاربة والجسر الخشبيّ المؤقّت إلى عام 2004 حين انهار جزءٌ من الطريق خلال عاصفةٍ ثلجيّة بفعل الحفريّات تحته والمنع المتواصل لترميمه، ومنعت سلطات الاحتلال إعادة بنائه. بعدها بأسابيع طالبت شرطة الاحتلال ببناء جسرٍ خشبيّ في مكانه كي يتمكّن جنودها من الدخول إلى المسجد الأقصى في حال حدوث طارئٍ أمنيّ، وهذا ما كان.
 
استمرّ الوضع على ما هو عليه حتى يوم 15/12/2006 حين أعلن مكتب مهندس بلديّة الاحتلال في القدس أنّ مدخل باب المغاربة المؤدي إلى الأقصى يوشك على الانهيار وأنّ الجسر الخشبيّ الذي نُصب قبل سنتيْن لن يصمد في الأشهر القادمة، داعياً إلى هدم طريق المغاربة بالكامل لإقامة جسرٍ معلّقٍ مكانه. وفي صباح يوم الثلاثاء6/2/2007 بدأت جرّافات الاحتلال بإزالة طريق باب المغاربة.
 
أثار بدء عمليّات الهدم ردود فعلٍ شعبيّة غاضبة في فلسطين وعددٍ كبير من الدول العربيّة والإسلاميّة، فبدأ مسلسل التأجيل المتعاقب للهدم منذ عهد حكومة إيهود أولمرت آنذاك وحتى الوقت الحاليّ، إذ كان مكتب رئيس حكومة الاحتلال وبناءً على أمرٍ مباشرٍ منه يؤجّل البدء بهدم الطريق بناءً على نصائح أمنيّة حتى يتهيّأ المناخ السياسيّ الملائم. لكن المخططات والإجراءات الإداريّة اللازمة لبناء الجسر البديل وتأهيل الموقع بقيت ماضيةً على قدمٍ وساق. وفي المخطط النهائيّ الذي أقرّ للمكان فإنّ دولة الاحتلال لن تبني فقط جسرًا للمشاة وإنّما ستربط الحفريّات أسفلّ طريق المغاربة مع شبكة الحفريّات أسفل المسجد الأقصى ومحيطه، وستؤهّل الآثار المكتشفة لتصبح جزءًا من المدينة اليهوديّة التاريخيّة التي باتت قائمةً أسفل المسجد ومحيطه، كما ستسخدم المباني المكتشفة فوق الأرض كغرفٍ لصلاة اليهود.
 
وطوال هذه الفترة دأبت دائرة الأوقاف الإسلاميّة في القدس والجهات المعنيّة في الحكومة الأردنيّة على التأكيد على حصريّة حقّها بترميم تلّة المغاربة أو العمل فيها، كما قدّم الأردن للأونيسكو في عام 2008 مخطّطًا لترميم طريق المغاربة بما يتوافق مع الطابع التراثيّ والحضاريّ للمكان، وظلّ الموقف الرسميّ الأردنيّ رافضًا لأيّ وصايٍة أو سلطةٍ للاحتلال على الطريق أو أيّ شأنٍ آخر من شؤون المسجد الأقصى.
 
إنّ التطوّر الأخير يُشير بشكلٍ واضحٍ إلى عزم الاحتلال على هدم الطريق وإقامة الجسر الجديد، بغضّ النظر عن مواقف الأطراف المعنيّة كالأردن والسلطة الفلسطينيّة والجهات والهيئات الدوليّة. وذلك لأنّ المسألة بالنسبة له تتجاوز مجرّد التفاصيل التقنيّة لشكل الجسر والحفاظ على الآثار الموجودة في المكان، إلى مسألة "حقّه في السيادة" الحصريّة على القدس كاملةً وعلى ما يراه مركز الإيمان اليهوديّ في العالم أي المسجد الأقصى أو ما يُسمّيه هو بجبل "المعبد" وفي الواقع فإنّ أبعاد الهدم بالفعل تتجاوز الخلاف الأثريّ والتاريخيّ والمعماريّ إلى ما هو أبعد بكثير فالسماح للاحتلال بتنفيذ مشروعه أو حتى تنفيذ أيّ مشروعٍ آخر في المكان بالشراكة معه يعني:
 
1. الاعتراف بالسيطرة الإسرائيليّة وحقّ دولة الاحتلال في الوصاية على المسجد الأقصى وشوؤنه، وحقّ اليهود في التواجد فيه، والاعتراف بشرعيّة سيطرة الاحتلال على باب المغاربة الذي يجب أن يكون في الأصل تحت سيطرة الأوقاف الإسلاميّة حصرًا كما سائر أبواب المسجد الأقصى.
 
2. السماح بدخول اليهود بشكلٍ رسميّ إلى المسجد الأقصى عبر مدخلٍ مخصّصٍ لهم، فالمواجهة اليوم على الباب ستصبح غدًا إنّ نفّذ الاحتلال مشروعه في داخل ساحات المسجد الأقصى حول المساحة المخصّصة لليهود والمساحة المخصّصة للمسلمين، والتراجع الآن في هذه القضيّة يعني أنّنا سنشهد المزيد من التراجع لصالح الوجود اليهوديّ داخل المسجد الأقصى في المستقبل
 
3. الاعتراف بالرواية التاريخيّة للاحتلال، حول تاريخ الباب والآثار المحيطة به، والتي هي في الأساس ما تبقّى من حارة المغاربة التي أقطعها صلاح الدين للجند من المغرب العربيّ الذين شاركوا في تحرير القدس من الاحتلال الصليبيّ، إضافةً لباب النبي الموجود اليوم أسفل التلّة والذي يُعتقد أنّ الرسول محمّد صلى الله عليه وسلّم دخل منه إلى المسجد الأقصى في حادثة الإسراء والمعراج.
 
بناءً على ما تقدّم ولقطع الطريق على الاحتلال، وحتى لا يبقى طريق المغاربة خاضعًا للتوازنات السياسيّة في المنطقة وفي دولة الاحتلال، وحتى لا تبقى القضيّة ورقةً بيده يُلوّح بها متى شاء، ومدخلاً له للتدخل في شؤون المسجد الأقصى وفرض سيادته على المسجد عبرها فإنّ مؤسّسة القدس الدوليّة تدعو الأطراف المعنيّة إلى ما يلي:
 
 
1. الحكومة الأردنيّة: كان للحكومة الأردنيّة منذ بداية الأزمة وحتى اليوم دورٌ مهمٌّ وأساسيّ في تأجيل تنفيذ الاحتلال لمشروعه ومنعه من بناء الجسر الدائم مكان طريق المغاربة. ونحن إذ نقف إلى جانب الأردنّ في مواجهته مع دولة الاحتلال، ندعو كلّ الأمّة العربيّة والإسلاميّة للالتفاف حول الموقف الأردنيّ ودعمه لمنع الاحتلال من أن يكون شريكًا في أيّ مشروعٍ لترميم وتأهيل باب المغاربة.
 
ونستذكر هنا موقف دائرة الأوقاف الإسلاميّة في القدس تحت الإدارة الأردنيّة إثر إحراق المسجد الأقصى عام 1969مـ، إذ منعت حينها دخول غير المسلمين من أبواب المسجد الأقصى جميعًا حتى يُسلّم الاحتلال مفاتيح باب المغاربة التي اغتصبها عام 1967 بالقوّة دون أيّ حقّ قانونيّ له في ذلك. والوضع الطبيعيّ والقانونيّ هو أن تعود للأوقاف الإسلاميّة التابعة للحكومة الأردنيّة المسؤوليّة عن جميع أبواب المسجد الأقصى دون استثناءٍ لباب المغاربة، خاصّة أنّ دولة الاحتلال تُخلّ كلّ يوم باتفاقيّة الوضع القائم التي تحكم المسجد الأقصى وسائر المقدّسات في المدينة.
 
2. السلطة الفلسطينيّة وفصائل المقاومة: ما زالت الأطراف الفلسطينيّة ومنذ الانتخابات التشريعيّة مطلع عام 2006، وما تبعها من انقسامٍ وحصار، تتعامل مع القدس كملفٍّ ثانويّ، وقد خسرت القدس نتيجةً لذلك الكثير وما زالت تخسر، وإن كان من العسير التوافق على القضايا الخلافيّة، فليس من الصعب الاتفاق على الوقوف صفًّا واحدًا لمنع الاحتلال من السير في اعتداءاته على المسجد الأقصى. والأطراف الفلسطينيّة جميعًا مدعوّةٌ للتحرّك وفق رؤيةٍ موحّدة لإيصال رسالةٍ للاحتلال بأنّ لديه ما يخسره إن تابع اعتداءاته على القدس ومقدّساتها دون الالتفات لأحدٍ، أو الاعتراف بحقّ أحدٍ فيها.
 
3. مصر: لقد كان للموقف الرسميّ والشعبيّ المصريّ الأخير وخصوصًا موقف الأزهر الشريف من قضيّة باب المغاربة ومن القدس عمومًا، دورٌ بارزٌ في وقف اندفاع الاحتلال في مشروع الهدم، وقد أظهر هذا الموقف أنّ الاحتلال يولي اهتمامًا كبيرًا لتطوّرات المشهد المصريّ ويخشى من تجييش الرأي العام ضدّه أكثر مما هو عليه الآن، لذلك فإنّ الأطراف الفاعلة في مصر مدعوّةٌ لتصعيد التحرّك الشعبيّ وتفعيل التحرّك الرسميّ للضغط على دولة الاحتلال، ودعم الموقف الأردنيّ للمطالبة بالتزام الاحتلال بحصريّة مسؤوليّة الأوقاف الإسلاميّة عن المسجد الأقصى وجميع أبوابه دون استثناء.
 
4. دول المغرب العربيّ: إنّ الرابط التاريخيّ الخاصّ الذي يجمع أهلنا في المغرب العربيّ بالقدس والمسجد الأقصى عبر حيّهم وبابهم في أسوار المسجد، إضافةً لما يربطهم بالقدس كعربٍ ومسلمين، يتطلّب منهم العمل -وهم يعيشون ربيع بلدانهم- للضغط على الاحتلال شعبيًّا ورسميًّا ومن خلال المؤسّسات الدوليّة ليوقف اعتداءاته على المسجد ويكفّ يده بشكلٍ تامٍّ عن باب المغاربة والطريق المؤدّي إليه.
 
5. وسائل الإعلام: إنّ وسائل الإعلام مدعوّة للتيقظ والعمل على تأمين تغطيّةٍ مصوّرة مباشرةٍ ودائمةٍ من طريق باب المغاربة، حتى لا يُباغتنا الاحتلال بإنشاء جسرٍ جديدٍ خلال ليلٍ أو نهار دون أن يرى أحدٌ ذلك أو يسمع، فيصبح أمرًا واقعًا علينا التعامل معه كما حدث مع الجسر الخشبيّ المقام حاليًّا في المكان.  

التعليقات