البنك الدولي ووهم الدولة

كل ذلك مضلل في ظل الجوع والفقر والبطالة، وارتفاع الأسعار، والاحتكارات والتبعية والشراكة الإسرائيلية، والتراجع عن مقاطعة بضائع المستوطنات، والعمل فيها، وتحسين وابتداع قوانين وإنشاء قضاء فاعل لضبط التبادل التجاري مع إسرائيل في خدمة السلام الاقتصادي، وحفظ أمن دولة الاحتلال

البنك الدولي ووهم الدولة

قبل عام صدق بعض الفلسطينيين إشادة البنك الدولي بخطة رئيس حكومة السلطة الدكتور سلام فياض وفي حينه جزم بأن الدولة الفلسطينية في ظل الجهوزية المتبعة من قبل السلطة باتت حقيقة واقعة، جاء ذلك بعد التقرير الذي أعده البنك الدولي تحت عنوان مرتكزات الدولة الفلسطينية: النمو المستدام والمؤسسات، وأن قابلية الدولة الفلسطينية المستقبلية للحياة والبقاء يقررها عاملان، هما قوة مؤسسات الدولة، ومقدراتها على
استدامة نموها الاقتصادي.

وحسب التقرير تسارعت وتيرة تنفيذ السلطة الفلسطينية أجندتها الإصلاحية، تسارعاً كبيراً، في النصف الأول من عام 2010، وقد بقي الإنفاق ضمن الغايات التي استهدفتها الموازنة، ونتج عن تحسن معدلات التحصيل حدوثُ ارتفاعٍ في الإيرادات الضريبية المحلية المتوقّعة.

وفجأة من دون سابق إنذار، وبعد عام واحد من آخر تقرير للبنك الدولي والذي جزم فيه بأن السلطة الفلسطينية جاهزة ومستعدة للتحول إلى دولة كاملة تراجعت تقديرات البنك الدولي الواردة في تقريره الجديد الذي أصدره الأسبوع الماضي، تحت عنوان "نحو استدامة اقتصادية لدولة فلسطينية مستقبلية": تعزيز النمو بقيادة القطاع الخاص، واعتبر السلطة واقتصادها غير جاهزة للتحول إلى دولة وذلك لعدم استقرار الاقتصاد الفلسطيني، واعتماد السلطة أكثر مما يجب على المساعدات الأجنبية .

أقنعت السلطة نفسها أن من يحكم في الضفة الغربية سلطة مستقلة ذات سيادة تتحكم في مواردها في ظل الاحتلال، وأن الحواجز العسكرية الإسرائيلية لا علاقة لها بالنمو الاقتصادي وازدهاره، كما أوهمت السلطة نفسها ببناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال، وقدرتها على بناء اقتصاد وطني بجباية الضرائب.

السلطة الفلسطينية نفذت سياسة البنك الدولي بحذافيرها، وتتحدث عن الاستثمار بوجود 600 حاجز عسكري وجدار الفصل العنصري، وأن هناك تنمية تحت الاحتلال، وأن الإصلاحات ومكافحة الفساد أثمرت عن نتائج مهمة.

وأن الطرق التي دشنتها السلطة الفلسطينية بتمويل وكالة التنمية الأمريكية، وتدعي أنها تعزز من التواصل الفلسطيني في الضفة الغربية، وأنها تربط بين المدن والقرى التي تقطع أواصرها المستوطنات والحواجز العسكرية، مع أنها لا تربط الأرض ببعضها، وأنها تعزز وهم السيادة الفلسطينية فيما تبقى من بقايا الأرض الفلسطينية في الضفة، في الحقيقة هي أقيمت لخدمة تنمية المستوطنات وربطها بإسرائيل وفرض وقائع على الأرض.

الدول المانحة تراقب أداء السلطة وطرق صرف المال العام والمشاريع، وصدق بعض منا أن حكومة فياض استثمرت مشاريع قرب الجدار ووراء الجدار، وفي المنطقة المسماة "ج".

السلطة تبيع الوهم للناس، وتتحدث عن أسباب النجاح التي تتمثل في تحسن الرقابة والجباية والإدارة السليمة، تبيع الوهم للناس عندما تجبى الضرائب للاعتماد عليها في بناء الاقتصاد وزيادة دخل السلطة، تبيع الوهم للناس عندما تدعي أنها ستعتمد على نفسها والاستغناء عن دعم الممولين، وهل الاقتصاد الوطني يبنى بزيادة دخل السلطة من الضرائب أو الاستغناء عن الدعم الخارجي؟

تفتخر بنشر الإحصاءات عن الزيادة غير الحقيقية في التنمية، وأن الناس سعداء بحياتهم، وتفتخر بالأمن والأمان ونحن لا نعلم شيئا عن ميزانية الأجهزة الأمنية، وكم ترهق تلك الأجهزة الموازنة وكاهل المواطن، وتفتخر بأن الشعب الفلسطيني متعلم ونسب الأمية أقل من مثيلاتها في دول الجوار.

تفتخر بأنها على موعد مع الدولة المستقلة بعد الانتهاء من بناء مؤسساتها الوطنية، كما تفتخر بالقضاء المستقل وهي لا تطبق قراراته، وتفتخر بأجواء الحريات العامة وحرية التعبير واحترام حقوق الإنسان، وعدم وجود معتقلين سياسيين، وأن هؤلاء المعتقلين هم أعداد قليلة.

تدعي أن عدد موظفي السلطة وصل إلى 150 ألفاً، وأنه منذ العام 2007، لم يتم توظيف أي مواطن "غزاوي"، وأن الوضع الاقتصادي في نمو مستمر، مع أن أعداد البطالة لدينا في ازدياد.

هذا وهم البنك الدولي وبدعه وشروطه السياسية، وارتباط ما يجري بمدى التزام السلطة بالمفاوضات والعلاقة مع دولة الاحتلال، والسلام الاقتصادي.

كل ذلك مضلل في ظل الجوع والفقر والبطالة، وارتفاع الأسعار، والاحتكارات والتبعية والشراكة الإسرائيلية، والتراجع عن مقاطعة بضائع المستوطنات، والعمل فيها، وتحسين وابتداع قوانين وإنشاء قضاء فاعل لضبط التبادل التجاري مع إسرائيل في خدمة السلام الاقتصادي، وحفظ أمن دولة الاحتلال.

التعليقات