ندوة مسارات وجامعة الخليل: استعادة الوحدة الوطنية على أساس برنامج سياسي موحد

دعت مجموعة من الشخصيات السياسية والأكاديمية والمجتمعية إلى تبنّي إستراتيجية فلسطينية جديدة تعمل على استعادة الوحدة الوطنية على أساس شراكة حقيقية وبرنامج وطني موحد، مع التمسك بالمقاومة بكل أشكالها كحق تقره المواثيق الدولية

ندوة مسارات وجامعة الخليل: استعادة الوحدة الوطنية على أساس برنامج سياسي موحد

دعت مجموعة من الشخصيات السياسية والأكاديمية والمجتمعية إلى تبنّي إستراتيجية فلسطينية جديدة تعمل على استعادة الوحدة الوطنية على أساس شراكة حقيقية وبرنامج وطني موحد، مع التمسك بالمقاومة بكل أشكالها كحق تقره المواثيق الدولية، خصوصًا بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهداف عدوانها الأخير على قطاع غزة الذي استمر طوال خمسين يومًا، مع مراعاة طبيعة التجمعات الفلسطينية وخصائصها ومتطلباتها في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والداخل والشتات، مؤكدة على ضرورة توجه القيادة الفلسطينية إلى المؤسسات الدولية، خصوصًا محكمة الجنايات الدولية، من أجل معاقبة قادة إسرائيل على ما ارتكبوه من جرائم.

ودعت إلى مواجهة التحديات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية من خلال استثمار الحالة الفلسطينية الراهنة من التماسك والوحدة الوطنية، والعمل على الخروج من دوامة المفاوضات الثنائية برعاية أميركية، وإعادة النظر في شكل السلطة ووظائفها والتزاماتها، ووقف التنسيق الأمني والالتزامات الأمنية والتخلص من القيود الاقتصادية المترتبة على "اتفاق أوسلو" و"اتفاقية باريس" الاقتصادية، وتعزيز مقاطعة إسرائيل على كل المستويات وفرض العقوبات عليها. كما حذرت من العودة إلى الانقسام من جديد بعد الموجة الأخيرة من الاتهامات المتبادلة والتراشق الإعلامي.

جاء ذلك خلال ندوة موسعة نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، بالتعاون مع كلية الحقوق في جامعة الخليل في حرم الجامعة، تحت عنوان "التّحديات والمخاطر والفرص بعد العدوان الإسرائيلي"، وبحضور أكثر من مائتي مشارك من الشخصيات السياسية والأكاديمية والمجتمعية والطلبة.

وهدفت الندوة إلى تحفيز المشاركين على طرح تصورات وآليات لمجابهة المخاطر والتحديات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، والمتمثلة بالتهديدات الإسرائيلية، وكذلك سبل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، والتوجه نحو المؤسسات الدولية لمنع تكرار تجربة العدوان على قطاع غزة أو تدمير ما سيتم إعادة بنائه، إضافة إلى الاعتداءات المستمرة في الضفة الغربية في ظل تصعيد عمليات الاستيطان والتهويد.

افتُتِحت الندوة بكلمة ترحيبية من الأستاذ الدكتور أحمد العطاونة، رئيس الجامعة، إذ أوضح أن العدوان الإسرائيلي على غزة هو حديث الساعة في وسائل الإعلام والنقاشات والمؤتمرات، وأظهر العدوان مزيدًا من التعاطف مع القضية الفلسطينية، مؤكدًا على أهمية تحقيق وحدة وطنية قادرة على تحقيق الأهداف الوطنية.

وقدم الأستاذ سلطان ياسين، من مبادرة إدارة الأزمات الفنلندية، عرضا حول طبيعة عمل المبادرة، وبرامج التعاون مع مركز مسارات، التي تهدف إلى دعم وتطوير مسار المصالحة الوطنية، وتذليل العقبات من أجل إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة وأسس الشراكة السياسية.

وأكد الأستاذ هاني المصري، مدير عام مركز "مسارات"، أن كل القوى الفلسطينية شاركت بشكل أو بآخر في مقاومة الاحتلال وصد العدوان الأخير على القطاع وإفشال أهدافه، مع أن هناك بعض الفصائل تميزت خلال صد العدوان، وهناك انتصار يظهر من خلال الصمود الأسطوري والمقاومة الباسلة وصد العدوان وعدم تحقيق أهدافه المعلنة والمضمرة، إضافة إلى تنامي الحالة الشعبية في الضفة الغربية، واتساع حملات المقاطعة محليا ودوليا، إلا أنه عبّر عن خشيته من تحقق مساعي الاحتلال بالعودة إلى الانقسام، في ظل حالة من تبادل الاتهامات والتراشق الإعلامي، مما ينذر بالعودة إلى الخلاف من جديد، وبالتالي "تحويل الصمود إلى هزيمة".

وحذر من مظاهر سلبية تزامنت مع العدوان، بينها الافتقاد لقيادة موحدة، والإعدامات بلا محاكمة، والإقامات الجبرية، والتصرف من بعض الأطراف كوسطاء، خاصة في بداية العدوان، وتحميل المسؤولية عن العدوان أو إطالته لأطراف فلسطينية، مع أن العدوان جاء بمبادرة إسرائيلية تحت تصور أن الفرصة مواتية لتوجيه ضربة قاصمة للمقاومة تسمح بالتقدم على تطبيق الحل الإسرائيلي الذي يرمي إلى تصفية القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها. داعيا إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول العدوان ومجرياته واستخلاص الدروس والعبر بتعزيز الإيجابيات ونقاط القوة والتخلص من الثغرات والأخطاء والنواقص، وإلى بناء نظام سياسي على أسس الشراكة، وإعادة توحيد المؤسسات الفلسطينية، بحيث تكون هناك حكومة وفاق وطني ممثلة لمختلف ألوان الطيف، وإنهاء حالة وجود حكومة ظل وغيرها، إضافة إلى ضمان انتظام عقد اجتماعات الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير.

من جهته، دعا الدكتور معتز قفيشة، أستاذ القانون الدولي وعميد كلية الحقوق في جامعة الخليل، إلى الإسراع في الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، ووضع خطة واضحة من أجل الحفاظ على المكتسبات التي تحققت أثناء الحرب، والإسراع في خطوات الوحدة وإنجاح الحوار بين حركتي فتح وحماس. وقال: "من الضروري لنا كفلسطينيين الانضمام الفوري للمحكمة الجنائية الدولية مهما كان الثمن، حتى لو كان الثمن غاليا". موضحًا أن الأمر لا يتطلب سوى رسالة من ثلاثة أسطر للجهات ذات العلاقة، وبعدها تبدأ إجراءات ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، إذ بيّن أن "المسألة سهلة فنيا"، لكنه لم يستبعد ضغوطا دولية على القيادة الفلسطينية للحيلولة دون المضي في خطوة اعتبرها بداية التحرر، حيث سيصبح قادة الاحتلال ملاحقين في 122 دولة.

وانتقد ما سماه التأخر في تنفيذ هذه الخطوة رغم الحصول على موافقة الفصائل للمضي فيها. كما انتقد غياب التنسيق بين المسؤولين الفلسطينيين في التوجه للمحكمة الجنائية، مشيرا إلى وجود أطراف تتقدم بطلبات انضمام وأخرى تسحبها.

ونوه إلى "أن الانضمام إلى المحكمة الجنائية حق للفلسطينيين وليس مخالفة ولا يمكن، أخلاقيا، لدول تدعي سيادة القانون وحقوق الإنسان أن تعاقبنا لأننا اخترنا مسارا قضائيا لاسترجاع حقوقنا. التوجه للمحكمة الجنائية، وللقانون الدولي عموما، يحتاج إلى مجموعة من المتخصصين الفلسطينيين والمساندين الآخرين لكي نتابع الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية، ولكي ندافع عن الضحايا ونرد على الطرف الآخر بمهنية واحتراف. هذا يتطلب رصد الميزانيات الكافية وتجهيز وتدريب الكوادر الفلسطينية، التي يمكن إيجادها إن وجدت الإرادة السياسية. وهذا يتطلب حتما إستراتيجية وطنية".

وبيّن أن "الانضمام له مكاسب لفلسطين ستكون أكبر من الخسائر، فيكفي أننا سنحمي شعبنا من المزيد من الجرائم، وسنواجه الاستيطان مواجهة جدية، وسنساهم في إنصاف الضحايا وعائلاتهم. كما أن الحجة المتمثلة بالتخوف من ملاحقة المحكمة لمقاومين هي في غير مكانها كون معظم الجرائم المرتكبة في الحرب الأخيرة قد قام بها جيش الاحتلال الإسرائيلي".

وقال الأستاذ خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في مركز مسارات، إن إسرائيل تسعى إلى تعميق فصل قطاع غزة وتعميم تجربة الضفة على القطاع، من حيث المحاولات المستمرة لإعادة حصر صلاحيات ووظائف السلطة بما لا يتجازر دور الوكيل الأمني والاقتصادي والإداري للاحتلال مع الإبقاء على حالة الانفصال بين الضفة والقطاع، بما يبقي السلطة ضعيفة، وفي مواجهة مع شعبها والمقاومة بدلا من توحيد الجهود وتعزيز الوحدة الوطنية في النضال من أجل إنهاء الاحتلال، ومن الخطأ تجاهل ذلك عند قراءة أهداف إسرائيل من وراء المطالبة بعودة السلطة إلى القطاع.

وتطرق إلى جدل الانتصار والهزيمة في مواجهة العدوان الأخير الذي بدأ في الضفة الغربية واتسع ليشمل قطاع غزة بشكل همجي، مشددا على أن الانتصار الفلسطيني بحده الأدنى يكمن في عدم انتصار الاحتلال بأي شكل من الأشكال، والنجاح في عدم تمكينه من تحقيق أهدافه من العدوان. واعتبر أن ما بعد الحرب ليس كما قبلها، وقد بدأ الاحتلال بتشكيل لجان للتحقيق ويجري استخلاص العبر في دوائر رسمية وغير رسمية، وسوف ينتج عن ذلك مراجعات لما يسمى "نظرية الأمن القومي" في إسرائيل، وبعضها سيكون أشد خطورة على الشعب الفلسطيني وحقوقه.

وأضاف: يجدر بالفلسطينيين استخلاص الدروس عبر تشكيل لجان مختصة بدراسة مقدمات وظروف الحرب ونتائجها، وكيفية تحويل التحديات إلى فرص تخدم النضال الفلسطيني، لاسيما أن نتيجة الحرب تستوجب بالدرجة الأولى تغيير السياسات الفلسطينية الداخلية، ووضع إستراتيجية جديدة تستند عناصرها إلى إعادة بناء الوحدة الوطنية والنظام السياسي على مبدأ الشراكة.

ولفت شاهين إلى أن فلسطين كانت الحالة الأولى التي شهدت تقدم الإسلاميين إلى مستوى الحكم عبر الانتخابات، ولو حدث حوار وطني جاد حينها لتجنب الفلسطينيون الدخول في مربع الانقسام، وقدموا نموذجا يمكن البناء عليه في ظل التطورات والصراعات الدموية التي تشهدها عدة بلدان عربية اليوم. واعتبر أن التوصل إلى أسس للشراكة بين التيارات الوطنية والقومية والديمقراطية والإسلامية يمكن أن يقدم نموذجا للتعايش بين الحركات الإسلامية والتيارات والفصائل الأخرى.

وشدد على أن أي إستراتيجية وحدوية يجب أن تتجاوز المجال الجغرافي للضفة والقطاع، وتراعي التباينات وخصوصيات وأولويات التجمعات الفلسطينية في الداخل والشتات، ووسائل المقاومة التي تناسب كل تجمع.

التعليقات