في ذكرى استشهاد القسام: معركة أحراش الخطاف

في صباح يوم الأربعاء 20/11/1935، استشهد الشيخ عز الدين القسام ورفاقه في معركة غير متكافئة مع الشرطة والجيش البريطاني في أحراش جبال الخطاف بالقرب من نزلة الشيخ زيد الواقعة على مسافة حوالي ثلاث كيلومترات شمال

في ذكرى استشهاد القسام: معركة أحراش الخطاف

مقبرة القسام في بلد الشيخ

في صباح يوم الأربعاء 20/11/1935، استشهد الشيخ عز الدين القسام ورفاقه في معركة غير متكافئة مع الشرطة والجيش البريطاني في أحراش جبال الخطاف بالقرب من نزلة الشيخ زيد الواقعة على مسافة حوالي ثلاث كيلومترات شمال يعبد.

قبل الدخول في تفاصيل هذه المعركة لا بد من كتابة نبذة قصيرة عن حياة هذا الشيخ الجليل، المناضل والشهيد.

ولد الشيخ عز الدين عبد القادر مصطفى يوسف محمد القسام عام 1883 في قرية جبيل الدهمية في جبال العلويين بسوريا. حصل على ثقافته الدينية في جامعة الأزهر بالقاهرة . هناك كان تلميذًا للمصلح الإسلامي محمد عبده الذي ترك أثرًا كبيرًا في نفسه.

بعد حصوله على درجة العالمية عاد الشيخ عز الدين إلى سوريا، وشارك في ثورة 1919-1920 ضد الفرنسيين. فلما فشلت هذه الثورة حكمت عليه محكمة عسكرية فرنسية غيابيًا بالموت، فهرب إلى الجنوب إلى فلسطين. سكن في حيفا واعتاش من محاضرات دينية كان يلقيها في المدينة والقرى المجاورة. وعندما أنشئ المجلس الإسلامي الأعلى عيّن الشيخ عز الدين القسام إمامًا لمسجد الاستقلال في حيفا.

 محاضرات الشيخ عز الدين كانت نارية مشحونة بالروح الإسلامية الدينية. فقد دعا إلى الاستقامة والتواضع، والصلاح والقيام بجميع الفرائض الدينية، واعتاد القول صراحة إن الخطر يداهم المسلمين في فلسطين من طرف اليهود والإنكليز، ولذلك وجبت مقاومتهم وطردهم من البلاد بالقوة، كما وجه نقدًا للزعماء العرب في فلسطين لمهادنتهم السلطة. وتجمع حول الشيخ عز الدين القسام تلامذة ومريدون كثيرون.

في عام 1928 أنشأ الشيخ فرعًا لجمعية الشبان المسلمين في حيفا، وفروعًا أخرى في القرى المجاورة. هذه الفروع كانت مصدرًا لقيام (جمعية الكف الأسود) التي اتخذت لها أسماء مختلفة. قسم كبير من أعضاء هذه الجمعية كانوا من أصل فلاحي، فقراء، باعة متجولين، وبعضهم من أصحاب السوابق الذين تابوا على يد الشيخ وصلحت نواياهم. من بين هؤلاء كان يوسف سعيد أبو درة من قرية سيلة الحارثية الذي عمل في بيع البارد في "زخرون يعقوب"، ثم في شركة النفط العراقية في حيفا، وأحمد الصالح حمد من سيلة الظهر وكان يُسمى محمد الصالح ويكنى أبا خالد ويعمل بائعًا متجولاً في حيفا.

وقد أغفل البحث العلمي دور هذين الرجلين في الثورة ضد الإنكليز، وشوهت صورة الأول منهما بصورة فجة وغير موضوعية. خلال السنوات 1931-1934 نفذت جمعية الكف الأسود عددًا من العمليات ضد الإنكليز واليهود.

في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 1935 خرج الشيخ عز الدين القسام ورجاله من حيفا إلى جبال فقوعة. في طريقهم قتلوا ضابط شرطة يهودي اسمه روزنفلد. هذه العملية كانت العملية الأولى التي قام به فصيل الشيخ عز الدين القسام. بدأت تصل الشرطة إخباريات عن تحركات المجموعة التي بلغ عدد أفرادها 22 ثائرًا مسلحًا. بعد ذلك انقسمت المجموعة إلى قسمين: قسم واصل سيره مع الشيخ عز الدين نحو قرية برقين الواقعة إلى الغرب من جنين، والقسم الثاني بقيادة الشيخ فرحان السعدي اتجه نحو الشمال.

تواصلت الإخباريات عن وجود الشيخ عز الدين في قضاء جنين. فحشدت السلطات قوات كبيرة من الشرطة والجيش جلبتها من جنين ونابلس وحيفا. وأخذت هذه القوات بمساعدة طائرة بتتبع خطوتات الشيخ ورفاقه. في يوم الأحد 17/11/1935 وصلت الشرطة إلى مغارة بالقرب من قرية كفر قاد فاشتبكت مع محمد أبو القاسم خلف فأردته قتيلاً، فكان أول من استشهد من جماعة القسام، وأصله من حلحول قضاء الخليل، وكان قد أرسله الشيخ للاستطلاع.

بعد هذه الحادثة صمم الشيخ ورفاقه على خوض معركة مع الشرطة، فغادروا نحو خربة الطرم الواقعة شمال شرق قرية يعبد، ومنها انتقلوا إلى خربة الشيخ زيد الواقعة على مسافة 3 كم إلى الشمال من يعبد في أحراش الخطاف.

كانت الشرطة والجيش يتعقبان الشيخ ورفاقه حتى فرضا طوقًا محكمًا حول المجموعة. كان ذلك في مساء يوم الثلاثاء، وفي صباح يوم الأربعاء 20/11/1935 نشبت معركة حامية بين الطرفين استمرت أربع ساعات، وانتهت في الساعة التاسعة صباحًا حسب التوقيت العربي، والعاشرة صباحًا حسب توقيت حكومة الانتداب.

شاركت في المعركة طائرة تقل مدير البوليس ومهمتها التوجيه. في البداية استشهد الشاب أحمد الشيخ سعيد حسان بعد خروجه من البيت الذي آوى إليه الثوار من قبل وكانت بيده بندقية، غير أنه لم يكن ثائرًا، وإنما استشهد بطريق الخطأ. انسحب الثوار إلى وادي النمرة إلى الشمال من قرية برطعة. خلال الاشتباك قتل شرطي إنكليزي اسمه مود، وجرح شرطي آخر، بينما استشهد: الشيخ عز الدين القسام ، والشيخ يوسف عبد الله الزيباوي وهو من قرية الزيب قضاء عكا، وسعيد عطيفة أحمد ، وهو مصري الأصل يعيش في حيفا، وقد اختلفت الروايات حول اسمه المضبوط. كما جرح في المعركة الشيخ نمر حسن السعدي من غابة شفاعمرو بجروح بالغة، واستسلم كل من: حسن الباير من برقين، عربي البدوي من قبلان، أحمد الحاج من حيفا، ومحمود اليوسف وهو من حيفا. وقد دارت إشاعات حول استشهاد أسعد مفلح الحسين المعروف بأسعد الكلش، ولكن تبين أن ذلك غير صحيح وقد سلّم نفسه للشرطة في وقت لاحق. كما اعتقل يوسف سعيد أبو درة، وأحمد الصالح المكنى أبا خالد على ذمة التحقيق.

شيع جثمان الشهيد محمد أبو القاسم خلف في جنين، بينما شيع جثمان الشاب أحمد الشيخ سعيد في يعبد، أما جثمان الشيخ عز الدين القسام ورفيقيه فشيعت في حيفا في موكب مهيب وكبير ووروا الثرى في مقبرة بلد الشيخ الواقعة إلى الشرق من حيفا.

التعليقات