"غزيّات في الدّاخل" يكسر الحصار ويستعرض أحوال نساء غزة

بمشهدٍ لم يتكرّر كثيرًا من ذي قبل، نساء غزيّات تجوّلن في الداخل الفلسطينيّ، مشين وتحدّثن في حيفا والنّاصرة والجولان، تعرّف معظمهنّ على هذه الأرض لأوّل مرة في زيارة احتضنتها عدّة جمعيّات نسويّة، منها جمعيّة "نساء ضدّ العنف"، السّوار وكيان

"غزيّات في الدّاخل" يكسر الحصار ويستعرض أحوال نساء غزة

بمشهدٍ لم يتكرّر كثيرًا من ذي قبل، نساء غزيّات تجوّلن في الداخل الفلسطينيّ، مشين وتحدّثن في حيفا والنّاصرة والجولان، تعرّف معظمهنّ على هذه الأرض لأوّل مرة في زيارة احتضنتها عدّة جمعيّات نسويّة، منها جمعيّة 'نساء ضدّ العنف'، السّوار وتنظيم كيان النّسويّ. وجاءت النّساء الغزّيات بمبادرةٍ من جمعيّة 'مسلك' (غيشا) التي اهتمّت باستصدار التّصاريح لدخولهنّ غربيّ الخطّ الأخضر.

وأقامت الجمعيّات الثّلاث ندوة، مساء أمس الخميس، للتعرّف عن كثب على وضع النّساء الغزيّات بحضور العشرات من النّاشطات النّسويات والسّياسيّات من قطاع غزّة ومن الدّاخل الفلسطينيّ، باستضافة جمعيّة 'الجليل' في شفاعمرو.

قدّمت كلمة التّرحيب، النّاشطة النّسويّة والعاملة في جمعيّة 'مسلك'، آية الزّيناتي، متحدّثة عن أنّ الفكرة أتت من نشاطاتها النّسويّة في جمعيّة 'نساء ضدّ العنف'، وعملها في جمعيّة 'مسلك' التي تعنى بحريّة التّنقّل لسكّان قطاع غزّة، وقالت 'هذه فرصة لتحدّي السّياسات الإسرائيليّة التي أدّت إلى انحسار التّواصل المجتمعيّ بين قطاع غزّة والضّفّة وفلسطينيّي الدّاخل، ونتحدّث عن التّواصل الثّقافيّ، الفنيّ، النّسويّ، الاجتماعيّ، السّياسيّ والاقتصادي'.

وأردفت زيناتي 'سبق وأن تعاونت مع جمعيّات نساء ضدّ العنف، كيان والسّوار وخطّطنا لبرنامج عمل وقدّمنا للجانب الإسرائيليّ طلب تصريحات عن طريق جمعيّة مسلك باسم 20 شخصًا، وتمّ الموافقة فقط على خروج 12 امرأة ورجل، ومن حقّنا أن نتواصل ونلتقي ونتحدّى الحواجز'.

وقدّم مدير عام جمعيّة 'الجليل'، بكر عواودة، كلمته، التي استهلّها بالتّعبير عن' سعادته باحتضان هذه النّدوة'، مشيرًا إلى أهميّة مثل هذه اللقاءات التي يمكن أن تكون كذلك بالاتّجاه المعاكس، أي زيارة فلسطينيّي الدّاخل إلى غزّة.

ومن جهتها تحدثت مديرة 'مركز الأبحاث لاستشارات القانون' في غزّة، السيّدة زينب الغنيمي، عن سعادتها بهذه الزّيارة قائلة 'هناك شعور إنسانيّ تواصليّ، لأنّنا استطعنا أن نخترق الحواجز، وخاصة بتاريخ 15 أيّار المهمّ، وبكوننا استطعنا الدّخول بهذا اليوم إلى مدننا التي هجّرنا منها، فشعرنا أنّنا استطعنا كسر النّكبة، فأنا هجّرت من يافا واستطعت في 15 أيّار زيارة الأرض التي كان عليها بيت أهلي'.

وواصلت غنيمي شرحها عن الوضع الإنسانيّ الصّعب، قائلة إنّ 'أهمّ القضايا التي يعاني منها قطاع غزّة هو الحصار الإسرائيليّ المفروض، ونحن في حصار مطبق علينا. معبر بيت حانون لا يُسمح بالمرور منه إلّا أشخاص محدّدين وقليلي العدد، فيما العمر والجنس يلعبان دورًا في الخروج من الحاجز، فحظّ النّساء في الخروج أوفر من حظّ الرّجال، ووجود 12 شخصًا من أصل 20، يدلّ على الحصار المفروض.

واستوفت الغنيمي شرحها عن الحصار 'هو ليس أمنيًّا فقط، بل إنّه عسكريّ، وكذلك اقتصاديّ، ويؤثّر على كافّة مناحي الحياة، وفي الوقت ذاته، هناك حصار من قبل معبر رفح، وهو المتنفّس الوحيد والبوّابة الرّئيسيّة للقطاع، ولا يمكن من خلاله إدخال بضائع رسميّة ولذلك كانت الأنفاق تمرّر البضائع من تحت الأرض، لأنّ القوانين تمنع إدخال البضائع فوق الأرض'.

خلال سنة ونصف لم يُفتح معبر رفح إلّا 25 يومًا متفرّقًا فقط، مرّ خلالها مرضى وحالات إنسانيّة ملحّة.  ويشترط من أجل العبور من معبر رفح توفير سبب لدخول المواطن الفلسطينيّ من غزّة إلى مصر، فتقول الغنيمي في هذا السّياق 'إنّ إغلاق المعبر يؤثّر بشكل سلبيّ على حياة النّاس، إضافة للانقسام السّياسيّ الذي يعزّز الحصار الإسرائيليّ على غزّة، بينما هناك علاقة تبادليّة بمفهوم أنّ إسرائيل معنيّة باستمرار الانقسام الذي تغذّيه وفي الوقت ذاته، يشجّع الانقسام الفلسطينيّ السّلطات الإسرائيليّة على التّواصل في سياستها ضدّنا، وبهذا نحن كشعب ندفع ضريبة مضاعفة'.

وعلى الصّعيد النّسويّ، فقد قدّمت النّساء معلومات هامّة تتعلّق بوضع النّساء في غزّة، فهناك حالات قانونيّة صعبة تعاني منها النّساء بسبب القوانين القديمة، فمثلًا 'عند الحديث عن حالات العنف، فالمصدر هو القانون البريطانيّ عام 1936، وعندما نتحدّث عن مشكلات عائليّة وحقوق النّساء المنقوصة في الزّواج والطّلاق والحضانة والنّفقة فإنّ التشّريع سيعتمد القانونين المصريّ والعثمانيّ الذي يعود إلى أكثر من 100 عام'.

ورغم ما تعانيه غزّة من حصار، فإنّ نسبة الأميّة لدى النساء لا تتعدّى 8% فقط في القطاع، وهي متواجدة في شريحتي النّساء المسنّات أو ممّن ينتمين لذوي الاحتياجات الخاصّة، كما أنّ نسبة التّعليم الجامعيّ مرتفعة عند النساء، علمًا أنّ نسبة البطالة مرتفعة وهناك آلاف الخرّيجين العاطلين عن العمل.

وجدير بالذّكر إلى أن نسبة 14% فقط من الخرّيجات، انخرطن في سوق العمل، وهناك 38 ألف خرّيجة جالسة في البيت دون فرصة عمل، وفي هذا تشير الغنيمي إلى أنّ مستوى التّعليم والتّحقّق لدى مواطني غزّة 'لا يستقيم مع مستوى القوانين الظّالمة، فأحد القوانين الجديدة يفصل في التّعليم بين الجنسين وهذا ظلم، أو تطبيق قانون مرافقة المحرم للمرأة، ونحن كجمعيات نسويّة نسعى لإفشال مثل هذه القوانين'.

وفي هذا السّياق قدّمت مديرة 'مركز شؤون المرأة' في غزّة، أمل صيام، عرضًا لوضع النّساء في غزّة، التي تطرّقت إليها 'تحت الحصار والاحتلال والعدوان المتكرّر 3 مرات خلال أقلّ من 6 سنوات، بينما الكثافة السّكانيّة في غزّة تحصر 2 مليون شخص بمحيط 365 كيلومترًا مربّعًا فقط، ما سبّب في تدهور الأوضاع الصّحيّة والأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة للنساء'.


واستطردت صيام 'معدّلات البطالة والفقر مرتفعة، وقبل العدوان الإسرائيليّ الأخير، وصلت نسبة الفقر من 60% إلى 65%، وخاصّة النّساء، اللواتي وصلن إلى مراكز المساعدة ليناشدن بالحصول أيّ مساعدة بسيطة، ومنهنّ من لا تستطيع شراء ملابس للمدرسة فيرتدي الأبناء نفس الحذاء والمريول'، مضيفةً أنّ 'غالبيّة النّساء باعت ممتلكاتها كالذّهب أو ميراثها، كي تستطيع تعليم أبنائها أو ترميم المنزل أو علاج أحد أقاربها'.

وفي صدد استعراض صيام لنسبة التّعليم المرتفعة، أعربت عن أنّ 'الاستثمار في التّعليم لم ينعكس إيجابيًّا على الوظائف، ناهيك عن أنّ عمليّة إعادة إعمار غزّة لم تتعدّ نسبة 20% بعد مرور سنتين من العدوان، وبهذا فإنّ أغلب الأسر تعيش في كرفانات خشبيّة لا تقي من برد وأمطار الشّتاء ومن التماسّات الكهربائيّة، والاكتظاظ الذي تعاني منه الأسر في هذه الكرافانات، ممّا لا يجعل خصوصيّة للنساء ولا مساحات خاصّة وشخصيّة للعيش بكرامة'.

أمّا عن انعكاس تردّي الأوضاع المعيشيّة وانعكاسها على الأحوال الشّخصيّة في المجتمع النّسائيّ الغزيّ، فأشارت صيام إلى أنّ نسبة 'الطّلاق ارتفعت طرديًّا بسبب جميع العوامل السّابق ذكرها، وأكثر من 42% من النّساء اللواتي يملكن عقودًا للزواج يتطلّقن قبل الزّواج الفعليّ. أمّا العدوان الأخير، فقد خلّف 800 امرأة أرملة تفتقد معيلًا للأسرة، وأكثر من 140 امرأة أصبحت من ذوي الاحتياجات الخاصّة نتيجة العدوان. كما ونجد أنّ فرصة زواج الذّكور من ذوي الإعاقة، هي أكبر من فرصة الإناث'.

وأشارت صيام إلى أنّه هناك ارتفاع في معدّلات الجريمة بالقطاع، حيث أنّ غزّة تشهد ارتفاعًا في حالات الانتحار حرقًا وشنقًا وسقوطًا وتسمّمًا، بسبب اليأس، إلى أن استوت الحياة بالموت في غزّة'.

وعن صحّة المرأة في غزّة استعرضت مديرة 'مركز صحّة المرأة' في غزّة، مريم شقّور، معطيات مقلقة إذ أنّ 'مؤشّرات العمليّات القيصريّة ارتفعَ بنسبة 20%، ومعدّل الوفيّات لدة النّساء بعد الولادة، تضاعف بعد عدوان 2014، إضافة لعدم توفّر الأدوية اللازمة للحالات المرضيّة، و44% من النّساء تفتقر بشكل شبه كامل للغذاء الصّحيّ، عدا عن أنّ نوعيّة الأسلحة ذات الإشعاعات المضرّة والمحظورة دوليًّا، التي استعملتها إسرائيل في العدوان، زادت من تفشّي أمراض السّرطان بشكل أكبر. فقد أصبحت النّساء تصاب بسرطان الثّدي من جيل 20 عامًا وما فوق، والأورام الحميدة تبدأ من جيل 15 عامًا، أمّا عن أسباب الوفاة فإنّ الجلطة القلبيّة هي المسبّب الأوّل في غزّة بين جيل 20-40 عامًا'.

اقرأ أيضا: حملة عالمية لنصرة القوارب النسائية المتجهة لغزة
وفي حديث لعرب 48 مع مديرة جمعية 'نساء ضدّ العنف'، نائلة عوّاد-راشد، فقد أعربت عن الاعتزاز والفخر بهذا التّواصل ما بين الشّعب الفلسطينيّ الواحد 'نحن كجمعيّات نسويّة سعينا للتواصل معهنّ بهدف معرفة واقع النّساء في غزّة في ظلّ ما يجري من عدوان وحصار من قبل الاحتلال الإسرائيليّ والانقسام الفلسطينيّ، ممّا ينعكس سلبًا على وضع النّساء والأطفال بشكل خاصّ. إنّ هدف اليوم  ينبع من أهميّته بتبادل الخبرات خلال الأسبوع عبر زيارة النّاشطات الغزّيات العديد من الجمعيّات في الدّاخل الفلسطينيّ'.

التعليقات