سين جيم: الاحتلال يحاصر الخليل... لماذا؟

لا زالت قوّات الاحتلال الإسرائيلي تضرب حصارًا جائرًا على محافظ الخليل، جنوبيّ الضفّة الغربيّة المحتلة، مانعةً نحو 800 ألف فلسطيني من التجوّل في سائر مدن الضفّة، ولا يقتصر الحصار المفروض على الإغلاق فقط.

سين جيم: الاحتلال يحاصر الخليل... لماذا؟

جنود الاحتلال يضربون حصارًا على الخليل (أ.ف.ب)

لا زالت قوّات الاحتلال الإسرائيلي تضرب حصارًا جائرًا على محافظ الخليل، جنوبيّ الضفّة الغربيّة المحتلة، مانعةً نحو 800 ألف فلسطيني من التجوّل في سائر مدن الضفّة، ولا يقتصر الحصار المفروض على الإغلاق فقط، إنما يتجاوز ذلك نحو مداهمة بيوت الفلسطينيين، حيث بلغ عدد البيوت التي تمّت مداهمتها أكثر من 2400 بيت، بالإضافة إلى قطع أوصال مدينة الخليل عن سائر قرى المحافظة، حيث قطع الاحتلال أكثر من 250 طريقًا تربط بين البلدات والقرى العربية والمدينة، ما يعني أن الاحتلال يفرض حصارًا على المدينة داخل الحصار الذي يفرضه على المحافظة.

س: متى بدأ الحصار الحالي؟

منذ اندلاع الهبّة الشعبية، خريف العام الماضي، وجيش الاحتلال الإسرائيلي يفرض حصارًا على المدينة لفترات محدّدة، ثم يقوم برفعه بعد ذلك، بيد أن الحصار الحالي، الأوسع من نوعه منذ عامين، فرضه الاحتلال بعد تنفيذ عمليّة إطلاق نار، أسفرت عن مقتل مستوطن وإصابة أفراد أسرته؛ ففي اليوم ذاته، الجمعة، الأول من تموز/يوليو الجاري، استشهد فلسطينيان في الخليل وقلنديا، إذ استشهد تيسير محمّد مصطفى حبش (63 عامًا) من نابلس، بمواجهات على حاجز قلنديا، واستشهدت سارة حدوش طرايرة (27 عامًا) من قرية بني النّعيم، جنوبيّ الخليل، بزعم إقدامها على محاولة طعن؛ بعد يوم واحد من مقتل مستوطنة إسرائيليّة في مستوطنة 'كريات أرباع'، جنوبيّ الخليل.

شبّان فلسطينيون في بلدة دورا بالخليل، الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

وادّعى الاحتلال أن 'الأسابيع الأخيرة ما قبل هذه العمليات شهدت انحسارًا (في العمليات)، نحن نرغب بمواصلة هذا التّوجّه، وعليه، فإنّنا نتّخذ سلسلة عمليّات كبيرة واستثنائيّة نسبيًّا، من أجل إيقاف هذا التّسلسل'، وفقًا لما قال مصدر عسكري لصحيفة 'هآرتس'، مضيفًا أن من شأن الحصار الذي فرض على بلدات الخليل أن يمنح معلومات استخباراتيّة عن منفّذي عمليّة الخليل.

ولا يقتصر حصار الاحتلال على قطع الطرقات فحسب، إنمّا يهدف إلى معاقبة سكّان الخليل أينما وجدوا، وعليه، فقد قام الاحتلال بسب كافّة تراخيص العمل والدخول إلى إسرائيل من سكّان جنوبيّ الخليل، بالإضافة إلى مطالبة وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، اليميني المتطرّف، نفتالي بينيت، بإطلاق حملة عسكريّة واسعة واعتقال الكمّ الأكبر من 'المشتبه بهم'، وقطع الإنترنت عن المنطقة وإعادة اعتقال محرري صفقة وفاء الأحرار.

س: كيف يعاقب الاحتلال أهالي الخليل؟

شهدت محافظ الخليل أكبر عدد من الشهداء منذ الهبّة الفلسطينيّة الجارية، حيث شهد العام 2015 لوحده ارتقاء أكثر من 54 شهيدًا برصاص الاحتلال، يعتبر الاحتلال جُلّهم 'إرهابيين'، كما يعتبر المدينة نفسها 'عاصمة الإرهاب الفلسطيني'. كما اقتلع المستوطنون وحرقوا قرابة 7335 شجرة بالإضافة إلى تدمير 225 محصولًا زراعيًا.

ليس ذلك فحسب، فقد هدم الاحتلال الإسرائيلي قرابة 52 بيتًا فلسطينيًا، وردم 11 بئر ماء، وأصدر 235 أمر منع بناء؛ وأثناء اقتحاماته، خلع الاحتلال 178 باب منزّل ومحل تجاري؛ بالإضافة إلى مصادرته 190 بيتًا مدنيًا وتحويلها إلى ثكنات عسكريّة لجنود الاحتلال.

س: لماذا الخليل؟

حين يرجع القارئ إلى المصادر الدينيّة في التوراة والمثناة، ويطّلع عليها، لن يستغرب إن علم أن معظم المستوطنين في الخليل هم من اليهود المتدينين جدًا، ممّن يؤمنون بـ 'أرض إسرائيل الكبرى' وبالتوسع الاستيطانيّ الشرس في سعيٍ منهم للتوغّل في الأراضي الفلسطينية منعًا، على أرض الواقع، لقيام أي دولة فلسطينيّة مترابطة جغرافيًا.

فتاة فلسطينيّة تودّع شقيقها شهيدًا (أ.ف.ب)
فتاة فلسطينيّة تودّع شقيقها شهيدًا (أ.ف.ب)

فتكمن أهمية مدينة الخليل في أنها إحدى المدن الفلسطينية القديمة التي ارتبطت بالنبي إبراهيم عليه السلام، حيث عاش الخليل فيها، ومنها استمدّت اسمه، بعد هجرته من مدينة أور السومريّة، أمّا التسمية العبريّة، حبرون، فهي نسبة للملك عفرون الكنعانيّ، الذي باع المغارة للنبي إبراهيم (عليه السلام) مقابل 4 شواقل وفقًا للرواية التوراتيّة. أمّا هذه المغارة، فيزعم حاخامات الاحتلال أنها المغارة التي بني عليها المسجد الإبراهيمي بموقعه الحالي.

وفي الحرم الإبراهيمي يعتقد أن إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة (أم اليهود) وابنهما إسحق النبي وحفيدهما يعقوب النبي دفنوا جميعًا هناك.

س: كيف يدار الحرم الإبراهيمي في المدينة؟

ظلّ الحرم الإبراهيمي خاضعًا لإدارة المسلمين منذ الفتح العربيّ للمدينة في القرن السابع، حيث اقتصرت الصلاة اليهوديّة على اقتحامات استفزازيّة متقطّعة منذ احتلال المدينة في نكسة العام 1967، لكنّ العام 1994 كان عامًا مفصليًا في تاريخ الحرم، حيث قام الإرهابي باروخ غولدشتاين، بإطلاق النار داخل الحرم على المصلين أثناء أدائهم صلاة الفجر، في الخامس والعشرين من شباط/فبراير من العام ذاته، ما أدّى إلى ارتقاء 29 مصليًا وجرح 150 آخرين، قبل أن ينقضّ عليه مصلّون آخرون ليقتلونه.

وكان لجنود الاحتلال دورًا كبيرًا في المذبحة، حيث أوصد جيش الاحتلال أبواب الحرم، مانعًا المصليّن من الخروج إلى باحات الحرم، كما منع أهالي المنطقة القريبة من الولوج إلى الحرم من أجل إنقاذ الجرحى وتقديم الرعاية الطبيّة لهم، وفقًا للرواية الفلسطينيّة، ولم يقتصر دور جنود الاحتلال على ذلك، إنّما قاموا بإعدام 21 فلسطينيًا في باحات الحرم وأثناء تشييع جثامين الشهداء.

قبل التفتيش، أطفال عند بوّابات الحرم الإبراهيمي (أ.ف.ب)
قبل التفتيش، أطفال عند بوّابات الحرم الإبراهيمي (أ.ف.ب)

ومن أجل تهدئة الأوضاع، قامت سلطات الاحتلال بتشكيل لجنة  تقصّي حقائق في المذبحة، أطلق عليها اسم 'شمغار'، لكنّها خرجت، بعد عدّة أشهر، بقرارات هزيلة كرّست الوجود اليهوديّ في الحرم ومنحته امتيازات على حساب الوجود العربي والإسلامي، حيث قُسّم الحرم  الإبراهيمي إلى قسمين: يسيطر اليهود على القسم الأكبر منهما، بالإضافة إلى إغلاق الحرم أمام المصلّين المسلمين 10 أيّام في السنة لا يسمح لهم فيها برفع الأذان أو الدخول للصلاة، وفي الأيّام العاديّة، يغلق الحرم بعد أداء صلاة العشاء حتى رفع أذان الفجر، وبعد أداء صلاة الفجر حتّى العاشرة صباحًا، كما يخضع المصلون المسلمون في المسجد الإبراهيمي للتفتيش الدقيق في ثلاثة مراحل قبل وصولهم إلى مكان الصلاة، ففي المرحلة الأولى يجبر المصلون على اجتياز بوابة حديدية بشكل فردي، ثم يخضعون للتفتيش الإلكتروني في نقطة بها أربع بوابات، ثم يخضعون لتفتيش إلكتروني ثانٍ من خلال بوابتين أخريين.

شجّع التقسيم المكاني والزماني للحرم الإبراهيمي على مطالبة المستوطنين بتقسيم المسجد الأقصى المبارك إلى قسمين: المسجد الأقصى ومسجد قبّة الصخرة للمسلمين فيما باحات الحرم للمصليّن اليهود، وزمانيًا، بأن يقتصر وجود المسلمين فيه على أوقات الصلوات فحسب، فهل سينجح الاحتلال في ذلك، أم أن إرادة الفلسطينيين كافية بردعه؟

 

 


وثائقي عن مذبحة الحرم الإبراهيمي، من إنتاج التلفزيون العربي:

 

التعليقات