وثيقة حماس بين عملية "شد الوجه" والوقوف في طابور الخيبة

طرح حماس لبرنامج "براغماتي" في وقت تنتخب فيه قيادة "متشددة" تتمثل أساسا بقائد قطاع غزة يحيى سنوار المقرب من الجناح العسكري للحركة ورئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية المعروف إنه أكثر تشددا من سلفه خالد مشعل المعروف.

وثيقة حماس بين عملية

تباينت ردود الفعل الإسرائيلية على الخطوتين التي أقدمت عليهما حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مؤخرا تمثلت الأولى بإعلان "الوثيقة السياسية" التي اعتبرت بمثابة برنامج مرحلي "يحلل" إقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود 67 "دون الاعتراف بإسرائيل" والثانية بنتائج انتخابات هيئاتها التي أسفرت عن انتخاب رئيس مكتب سياسي من داخل قطاع غزة، هو إسماعيل هنية، إضافة إلى انتخاب يحيى سنوار قائدا لقطاع غزة، ما يعني نقل مركز الثقل القيادي إلى داخل الوطن.

ورغم المفارقة التي انتبه إليها بعض المراقبين، والتي تمثلت بطرح حماس لبرنامج "براغماتي" في وقت تنتخب فيه قيادة "متشددة" تتمثل أساسا بقائد قطاع غزة يحيى سنوار المقرب من الجناح العسكري للحركة ورئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية المعروف إنه أكثر تشددا من سلفه خالد مشعل المعروف. 

وفي حين حظي انتخاب الأسير المحرر يحيى سنوار، قائدا لقطاع غزة خلفا لإسماعيل هنية، على التفاتة وتغطية واسعة في وسائل الإعلام الإسرائيلية التي أطنبت في عرض بطولاته وقربه من قيادة عز الدين القسام، للإشارة إلى توجه حماس نحو مزيد من التشدد والمواجهة، همشت إسرائيل ووسائل إعلامها الوثيقة السياسية لحماس، وغضت الطرف عنها باعتبارها تمثل تحولا هاما في مسار الحركة السياسي.

رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وصف الوثيقة بأنها مسرحية كاذبة، مشيرا إلى أن حماس ما زالت تنفق كل مصادرها، ليس فقط بتوجيه بوصلة الحرب نحو إسرائيل بل أيضا بتثقيف أبناء غزة لإبادة إسرائيل، بينما قال وزير الأمن الداخلي، جلعاد إردان، إن الوثيقة التي عرضتها حماس مجرد خدعة، وعلاقات عامة فقط. 

أما وسائل في الإعلام العبرية، فضمن الالتفاتات القليلة للوثيقة، اعتبرت المحللة السياسية في "يديعوت أحرونوت" سمدار بيري، الوثيقة بمثابة عملية شد وجه صغيرة لميثاق حماس الأصلي، وإن الأخيرة رغم شطبها الدعوة لإبادة إسرائيل، لكنها في نفس الوقت تقسم على إلا تتنازل عن الكفاح المسلح ضد الاحتلال، "بكل الوسائل والطرق".

ومع ذلك تشير الكاتبة إلى جانبين جديدين في الوثيقة، الأول هو دعوة حماس لأول مرة لإقامة دولة فلسطينية في حدود 67، ما يعني، اختفاء الأحلام عن "فلسطين الكبرى" والتسليم بوجود "دولة أخرى" هي إسرائيل.

وفي "معاريف" قال جاكي خوجي إن وثيقة حماس تعتبر انعكاسا لواقع منظمة مهددة، باقية، تسعى لضمان نفسها ضد كل تطور مستقبلي، مشيرا إلى أن الوثيقة هي خليط متباكٍ من الرسائل والاوتاد المصنوعة جيدا، فهي تساعد حماس على أن تتحسس طريقها نحو واشنطن والعواصم الأوروبية، والتعبير عن الرغبة في شطب الانقسام مع السلطة، وتوثيق علاقها المشكوك فيها مع السعودية ومصر. 

كما أنها بوسعها أن تبرر كل مواجهة مع إسرائيل، ولكن أن تتقرب منها أيضا، إذا كانت حماس لا تدعو إلى إبادتها، وإذا كانت تعترف بدولة فلسطينية في حدود 67، وإذا كانت تسمح لنفسها بالإعراب عن اعتراف مستقبلي بالدولة الصهيونية.

ويرى خوجي أن الوثيقة هي تتويج لسنوات من التصريحات في صالح إقامة دولة في حدود 67، علما أنها لا تعلن، بخلاف السلطة، بأنها ترى في ذلك نهاية النزاع. 

واضعو الوثيقة لا يعترفون بالكيان الصهيوني، ولكنهم لا يعلنون بأنهم لن يتحدثوا معه أبدا، كما يقول الكاتب الإسرائيلي الذي يضيف، إنه ومن بين "اللاءات الثلاثة" لمؤتمر الخرطوم في 1967، لم يتبقَ صدى إلا لواحدة فقط، تلك التي تقول إنه لا اعتراف بدولة إسرائيل. 

ردود الفعل الإسرائيلية والدولية الأولية تشير إلى أن التنازلات التي قدمتها حماس في وثيقتها، إذا كانت موجهة للرأي العام الدولي فإنها كانت مبكرة وجاءت في ظرف دولي سيء يتربع فيه الموقف الصهيوني الاستيطاني اليميني المتطرف على عرش العالم ويمسك  بصولجانه، وإذا كانت موجهة لإسرائيل فحدث ولا حرج، أما إذا كانت موجهة للداخل الفلسطيني فإن محمود عباس (أبو مازن) سيكون أسعد شخص بهذه الوثيقة التي قدمتها له حركة حماس في أحرج الأوقات بالنسبة إليه، وقبل لقائه مع دونالد ترامب، إنها هدية لم يحلم بها برأي البعض ولا يستحقها برأي آخرون.

وبالمجمل فإن ردود الفعل الإسرائيلية والدولية الأولية على وثيقة حماس، تبرر تعقيب أحد الكتاب العرب الذي قال، إن "ما تجرب حماس القيام به مجرب سابقا، إن كان من قيادة فتح أو السلطة أو النظام الرسمي العربي، والنتيجة ستكون وقوف حماس في طابور الخيبة".

 

التعليقات