مسيرة العودة الكبرى منفس الغزيين في ظل الأوضاع الكارثية

بات الأمر على هذه الحال نظرا للأوضاع الاقتصادية الصعبة وعدم تلقي موظفي السلطة رواتبهم عن شهر آذار/ مارس 2018، إضافة للعقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة قبل عام بالضبط وتقليص رواتب الموظفين بنسبة تراوحت بين 30% و50%

مسيرة العودة الكبرى منفس الغزيين في ظل الأوضاع الكارثية

أ.ب

على غير العادة استقليت، صباح الخميس الماضي، سيارة أجرة من دوار أبو مازن في غزة، لم يكن فيها سوى أنا وراكب آخر، كنت متجهة إلى البلد والراكب الآخر متجه الى البحر، خطان متناقضان، لكن الأوضاع الصعبة تجعل السائقين ينقلون الركاب باتجاهات مختلفة بسبب عزوف الناس عن التنقل لتلبية احتياجاتهم، إلا للضرورة القصوى، إذ بات البعض يفضل تلبية حاجاته مشيًا على الأقدام.

وبات الأمر على هذه الحال نظرا للأوضاع الاقتصادية الصعبة وعدم تلقي موظفي السلطة رواتبهم عن شهر آذار/ مارس 2018، إضافة للعقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة قبل عام بالضبط وتقليص رواتب الموظفين بنسبة تراوحت بين 30% و50%؜، والحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ أكثر من 10 سنوات.

على الرغم من عجلتي بسبب تأخري عن الموعد، أخذتني والراكب الآخر والسائق بعض النسمات الباردة كل لعالمه، لكن يبدو أن أكثرنا شرودًا كان السائق، إذ تسبب شروده بحادث سير بسيط، الذي كان مدخلًا لحديث حول همومه وأزمات القطاع العديدة، تخلله بكاء وحسرة.

وقال السائق مبديًا خوفه من أزمة الرواتب ومستقبل أولاده المجهول في ظل الأوضاع السيئة في قطاع غزة "صرت أخاف أروح البيت وأنا معيش الشيكل أعطي ولادي"، حاولنا أنا والراكب الاخر التخفيف عنه ومواساته بالقول إن كل شيء سوف يكون على ما يرام. لكنه أنهى حديثه متنهدًا "والله قلبنا تعب، امتى غزة حتفرح؟".

بات الحزن واليأس يخيمان على شوارع غزة، لا معالم للفرح، يوم الخميس يقدسه الغزيون ويعتبرونه نهاية أسبوع شاق بين عمل ودراسة وانشغالات أخرى، وعادة تعج الشوارع بالمارة وطلبة الجامعات الذين يتزاحمون لإيقاف سيارات الأجرة.

إنه الأسبوع الثالث بعد منع صرف رواتب موظفي ‎السلطة الفلسطينية في غزة، وكونهم يشكلون الشريحة الأكبر من متلقى الرواتب في المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، كان له الأثر الأكبر على الركود الذي عم القطاع، وكذلك حالة السكون والترقب والانتظار الممزوج بالخوف.

ومن المتضررين من الأزمة كان ‎خالد علي (38 عامًا)، الذي يعمل موظفًا في جهاز أمني برتبة رائد براتب يبلغ 4000 شيكل، وتتكون عائلته من ستة أفراد.

وقال علي لـ"عرب 48" إنه "تلقيت راتبي الأول وبقي منه 300 شيكل فقط بعد خصم 30% و استحقاق البنك، منذ عام و أنا أعاني أوضاع مادية واقتصادية صعبة جدا، لدي أبناء يتعلمون في المدارس و اثنان منهم يدرسون في الجامعات، حتى الآن أعاني".

وتابع "زاد المعاناة قرار عدم استلام موظفي السلطة الفلسطينية رواتب شهر آذار/ مارس بذريعة وجود خلل فني، مع أن زملاءنا في الضفة تلقوا رواتبهم، هذا يشير إلى تمييز واضح بين موظفي الضفة وموظفي غزة، ويؤكد أن هذا ليس خللًا فنيًا، بل هي عقوبات تستهدف جميع السكان في قطاع غزة وتؤثر على حياتهم الاقتصادية والاجتماعية".

ومن جهته، لم يكمل منتصر خالد (24 عامًا) دراسته الجامعية بسبب الأوضاع السيئة في القطاع. ورغم كونه أصغر إخوته، إلا أنه بات مسؤولًا عن الأسرة بعد استشهاد شقيقه الأكبر وبتر أطراف يد شقيقه الآخر. وكان منتصر يعمل في المطبعة التي كان والده يملكها واضطر لإغلاقها بسبب سوء الأحوال الاقتصادية.

وقال خالد لـ"عرب 48" إنه ‎"قررت أنا وصديق لي أن نفتتح مشروعا نبيع فيه المشروبات الساخنة و الذرة قرب شاطئ البحر، كان يتوجب علي مساعدة والدي في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها القطاع، أستمتع جدا عند جلوسي ومشاهدة الغروب والمواطنون يلتقطون الصور التذكارية".

يفكر منتصر دائما بما سيأتي وخوفه منه، ولكنه يواسي نفسه بالقول إن "الذين يملكون أحلاما كبيرة يشغلهم التفكير أكثر من غيرهم".

‎شهر مر منذ عدم تلقي الموظفين رواتبهم، وعام مر على العقوبات التي طالت الموظفين وانعكست بالسلب على الحياة الاقتصادية وتراجع القوة الشرائية، وأصبح قطاع غزة يعاني، منذ نيسان/ أبريل 2017، من تدهور اقتصادي كبير أوصله إلى حافة الهاوية، أسواق غزة شبيهة بمدن الأشباح، خالية من المشترين، يشكي التجار حال السوق وعدم مقدرتهم على البيع. ووصفوا الحال بأنه أسوا ما مر على قطاع غزة منذ زمن طويل.

ويصف أبو محمد، البالغ من العمر 45 عامًا، وهو صاحب دكان أحذية، خلال حديثه لـ"عرب 48"، حال السوق "بالميت"، وعدم مقدرة المواطن على الشراء، "الزبون بكون نفسه يشتري بس بقدرش".

وعلى الحدود الشرقية لمدينة غزة، يقف الفلسطينيون أيام الجمعة وقد تعددت أساليب مقاومتهم، فقد تجد شبان يوزعون الماء تطوعا وآخرون يستغلونها لكي يوفروا قوت يومهم، إنها مقاومة الفقر، تزداد أعداد الشبان على الحدود غضبا بسبب الوضع الاقتصادي السيء مؤمنين أن الوضع سوف يتغير وأن الحصار يجب أن يرفع، وتزداد يوميا قناعة الغزيين بمسيرات العودة. وأصبح يوم الجمعة هو المنفس الوحيد لممارسة حياتهم بشتى أشكالها النضالية وحتى السياحية والتفريغ عن حالهم الصعبة التي يعيشونها.

التعليقات