غزّة تُواجه حصار الاحتلال وعقوبات السلطة بسلاح الفرح

العيد في غزة مناسبةٌ للفرح والحزن في آن؛ فأمّا الفرحُ، ففرحٌ بالعيد ولمة العائلة والأصحاب والجيران، وأما الحزن، فينبعُ من الأوضاع الصّعبة التي يعيشُها الناس، في ظلّ الحصار، الذي يفرضهُ الاحتلال الإسرائيليّ، الذي تسبّب باستشهادِ وإصابة الآلاف، إلا أن غزّة،

غزّة تُواجه حصار الاحتلال وعقوبات السلطة بسلاح الفرح

(عرب 48)

رغم المعاناة والألم الشديدين؛ تسعى غزّة وأهلُها لسرقة شيءٍ بسيط من الفرح، الذي يُحاول الاحتلال اغتيالهُ قبل أن يجد له الفلسطينيّون سبيلا، إذ تشهدُ أسواقُ غزّة، وعلى غير المتوقّع؛ إقبالًا واسعًا على مُختلف المحال التّجاريّة، بالرّغم من سوء الأحوال، والأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة، التي تسبّب فيها الاحتلالُ الإسرائيليّ الذي فرضَ على غزّة الحصار، للعام الـ12 على التّوالي، حارمًا أهلها، لا سيّما الأطفالُ منهم؛ أبسط وأهم الحقوق الحياتيّة، مثل حريّة التّنقّل، وحتّى العيش بكرامة وأمان، إذ لم يشهد أطفالُ غزّة في حياتهم، سوى الحرب والدّمار والحرمان، لذا فإنهم يسترقون لحظات السّعادة، التي يلمسونها من خلال تفاصيل صغيرة ومتواضعة، كشراء لباسٍ جديد، أو كالعودة إلى المنزل سالمين!.

يأتي هذا العيد على غزّة، في ظلّ السّجن الكبير الذي فرضه الاحتلال عليها، حيث حاصرَ أهلها، وقتّلهُم، وشرّدهُم، وجوّعهُم، بما يتعارض وكل الأعراف والمواثيق الدوليّة، بالإضافة للعقوبات التي تفرِضُها السلطة الوطنية الفلسطينيّة، مُمثّلةً برئيسها محمود عبّاس، الذي لم يكتفِ بعدم الانصياع لصوت شعبه الذي يُطالبُ رفعَ العقوبات عن غزّة، بل تعدّى ذلك، وبطشَ وقمعَ كلّ مُطالبٍ بفكّ الحصار عنها، ولم تكُن اعتداءات الأمن الفلسطيني على المواطنين الذين تظاهروا في رام الله يوم أمس، إلا مثالًا حيا على ذلك.

البهجة ومعالم الفرح

بالرغم من أجواءِ الحزن المسيطرة على الناس في غزة، إلا أن أجواء مكتومة من الفرحِ بقدوم العيد، تلفتُ نظرَ المتجول في أسواق القطاع، إذ ستُبهِرُهُ أشكال الزينة بأشكالها المختلفة، إذ أنها أضفت جمالا على أجواء استقبال عيد الفطر، كما ازدانت معالمُ غزّة المُختلفة بالزينة، فبدت أكثر جملاً وألقًا، لا سيّما وأنّ تلك المعالم، تحملُ رمزيّة كبيرةً، فبعضُها، يُعدُّ إرثا تاريخيا، وبعضُها الآخر، يعكسُ التآخي الديني، حيث تلتصقُ بعضُ الآثار المسيحيّة والإسلاميّة، ببعضها.

سوقُ "الزاوية" يُعتبرُ أحد أشهر أسواق المدينة، لذا من الطبيعيّ أن نراهُ أكثر جمالا في أجواءٍ احتفالية كهذه؛ فترى فيه بسطات الباعة أمام محالهم التجارية، والحلويات بأنواعها، لا سيّما التي تُصنع احتفاءً بالعيد، كالمعمول الذي يُعتبرُ علامةً تُدلّلُ على العيد.

وفي ما يُجسّد انعكاسًا حيًّا لجمالِ غزة وأصالة أهلِها؛ قامَ البائعون، بتخفيض أسعار بضائعهم، على اختلافِ أنواعِها، بقصد تخفيف العبء الذي يُعاني المواطنون بسببه، وبالرغم من سوء أوضاع التّجارة بشكلٍ عام، إلا أن مُعظم بائعي غزّة آثروا تقديم الحملات وتخفيض أسعارهم، كي يستطيع المواطنون، لا سيّما الفقراءُ منهم، شراءَ ما يبغونه، دونَ أن يُحرَموا بسبب سوء الأوضاع الاقتصاديّة التي ضربت الجميع بيد باطشة.

وصفَ ماهر الشرفا، وهو أحد أصحاب محالّ بيع الملابس، في منطقة البلد بمدينة غزة، فرحةَ الناس بقدوم عيد الفطر قائلا: "لم نكن نتوقع الإقبال الكبير لهذا الحدّ، من قِبل الناس، بسبب الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع، إذ أن الوضع أفضل بكثيرٍ مما توقعنا، فبالرغم من كل الظّروف، يسعى النّاس إدخال الفرحة إلى قلوب أولادهم".

وفي ظل ذلك؛ يتسابق الناس لشراء سمك "الفسيخ"، وهي عادة منتشرة في قطاع غزة، ووجبة الفطور الصباحية

بائعُ الفسيخ محمد شويخ

في يوم العيد، كما جرت العادة دائما، إذ يُستهلُّ اليوم الأول من العيد، بأكلِ الفسيخ بعد صيام شهر رمضان.

وفي مقابلةٍ مع "عرب 48" قال محمد شويخ البالغ من العمر (23 عاما) وهو أحد بائعي الـ"فسيخ": "للفسيخ مواسمه، والناس تشتريه غالبا في العيد، ويوما بعد يوم، يتحسّن بيعُنا، ويزدادُ الإقبالُ على شراء الفسيخ، أكثر من الأول".

أما المواطن أبو إيهاب دلول البالغ من

أبو إيهاب الدلول

العمر(55 عاما)، ولديه 6 أولاد، قال لـ" عرب 48": "رغم الوضع الصعب الذي نعيشه، يجب أن نُدخِل الفرحة على بيوتنا وعلى قلوب أبنائنا"، مُضيفًا: "لن أستطيع شراء الملابس لجميعهم وسأكتفي بأحمد وعلي الصغار، وهم الصغار".

 

في عيون أطفالهم فرحة العيد المؤجلة

إسماعيل الطويل لديه 6 أولاد، يرقد في مستشفى الشفاء في المدينة، وكان قد أُصيبَ

إسماعيل الطويل

برصاص الاحتلال بساقية؛ خلال مشاركته في مسيرات العودة، وهو صاحبُ بسطة ألعاب للأطفال، وبسبب سوء حالته الصحية وسوء الظروف الاقتصادية؛ لم يستطع شراء ملابس لأولاده، وفي ذلك قال: "لا يوجد عيد بالنسبة لي ولعائلتي بسبب الظروف التي أمر بها، وبسبب عدم مقدرتي على شراء ملابس العيد لأطفالي". 

بائعة "أونلاين"

في ظلّ الوضع المتردّي الذي يعانيه القطاع، وعدم توفّر فرصِ عمل؛ وجدت الطالبة الجامعيّة شيماء، سبيلا غير تقليدي كي تروّج الكعك الذي تصنعه، إذ أن الطالبة التي لا يزيدُ عمرها عن (20 عاما)، اعتمدت على التسويق الإلكتروني، إذ أنشأت صفحة خاصة بها في "فيسبوك"، كي تُسوِّق من خلالها الكعك، وفي ذلك تقول شيماء لـ"عرب 48": "بدأتُ أصنع الكعك العام الماضي، قبل عيد الفطر، واتخذته مصدر رزق وعمل موسمي لي، بسبب الظروف الصعبة، وفعلا بدأت ببيع الكعك".

وتقوم شيماء بمساعدة صديقاتها وقريباتها في صنع الكعك في آخر أيام رمضان، وتقول: "لا تكتملُ فرحة العيد، إلا بريحة ونكهة كعك العيد، واللمة، ولمّ شمل العائلة، والتقاء الأصدقاء".

فرحةٌ حزينة

العيد في غزة مناسبةٌ للفرح والحزن في آن؛ فأمّا الفرحُ، ففرحٌ بالعيد ولمة العائلة والأصحاب والجيران، وأما الحزن، فينبعُ من الأوضاع الصّعبة التي يعيشُها الناس، في ظلّ الحصار، الذي يفرضهُ الاحتلال الإسرائيليّ، الذي تسبّب باستشهادِ وإصابة الآلاف، إلا أن غزّة، وبالرغم من كل الويلات والمرائر، تُقاوِمُ الاحتلال، وحِصارَه، وتُقاومُ عقوبات السّلطة المفروضة، وتُقاومُ الحزن والموتَ والدمار والخذلانَ بالفرح، والسعادة.

 

التعليقات