"فتح" و"حماس"... طريق مسدود أمام الوحدة الفلسطينية

حالة من الاحتقان تسيطر على الساحة الفلسطينية التي تشهد مزيدًا من التصعيد بين حركتي "حماس" و"فتح"، تنعكس بإجراءات أمنية وسياسية، وتراشق إعلامي، يحمل اتهامات متبادلة بتعطيل المصالحة والمساهمة في إنجاح خطة "صفقة القرن" الأميركية.

الاعتداء على مقر تلفزيون فلسطين (وفا)

حالة من الاحتقان تسيطر على الساحة الفلسطينية التي تشهد مزيدًا من التصعيد بين حركتي "حماس" و"فتح"، تنعكس بإجراءات أمنية وسياسية، وتراشق إعلامي، يحمل اتهامات متبادلة بتعطيل المصالحة والمساهمة في إنجاح خطة "صفقة القرن" الأميركية.

وتُفجر حالة الاحتقان هذه، المزيد من الألغام، في طريق تحقيق الوحدة الفلسطينية، كما تنذر بإشعال فتيل توترات أمنية قد تدخل أراضي السلطة الفلسطينية، في حالة متصاعدة من الفلتان الأمني، بحسب ما يرى مراقبون.

ويرى المراقبون أن الأزمة الحالية، هي نتاج فشل جهود المصالحة بين الجانبين.

وكان آخر مظاهر هذا الاحتقان، انسحاب موظفي الحكومة الفلسطينية، من معبر رفح الحدودي، جنوبي قطاع غزة، منتصف الليلة الماضية، وهي خطوة قد تؤدي إلى إغلاق المعبر، الذي يعد المنفذ الوحيد لسكان القطاع تجاه العالم الخارجي.

وبررت الحكومة هذا القرار بشن "حماس" حملة اعتقالات شملت عاملين في المعبر.

وألغت حركة "فتح"، مهرجانا، كان من المقرر عقده اليوم الإثنين، احتفالا بذكرى تأسيسها، رغم رفض حركة حماس التي تحكم قطاع غزة منذ عام 2007، كان من الممكن أن يتسبب بحدوث "صدام عنيف"، بحسب مراقبين.

وقبل نحو أسبوع اتهمت حركة "فتح" الأجهزة الأمنية في قطاع غزة (تديرها حركة حماس) باعتقال 500 من عناصرها، وهو ما نفته وزارة الداخلية. 

وقال الناطق باسم "فتح" في القطاع، عاطف أبو سيف، في بيان صحفي أصدره بتاريخ 31 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إن عناصر "فتح" تعرضوا للاعتقال لإصرارهم على إقامة المهرجان إحياءً لذكرى تأسيس الحركة. 

والثلاثاء الماضي، قالت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا) إن العشرات من كوادر حركة "فتح" أصيبوا نتيجة اعتداء عناصر من أمن غزة عليهم بالضرب في ميدان فلسطين، وسط مدينة غزة، خلال مشاركتهم في فعالية "إيقاد الشعلة" التي تأتي ضمن فعاليات إحياء الذكرى السنوية الـ 54 لتأسيس "فتح"، ولم تعلق وزارة الداخلية في غزة على ما أوردته وكالة "وفا".

في المقابل، اتهمت حركة "حماس"، الأربعاء الماضي، الأجهزة الأمنية بالضفة الغربية بشن حملة اعتقالات طالت أكثر من 60 ناشطا بالحركة. ولم يصدر أي تعقيب من الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية على ما ورد في بيان القيادي بحركة "حماس".

وفي إطار حالة التوتر السائدة، كان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، قد أعلن، في 22 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عن إصدار المحكمة الدستورية الفلسطينية قرارا بحل المجلس التشريعي (البرلمان) الفلسطيني الذي تملك "حماس" غالبية المقاعد فيه، وهو ما اعتبرته الأخيرة "غير قانوني وغير دستوري ويستهدف تفرد عباس بالقرار السياسي الفلسطيني".

وفي السياق، هدد عباس بوقف الموازنة التي تدفعها حكومته إلى غزة شهريا، وتبلغ 96 مليون دولار، في حال لم تقبل "حماس" بإجراء انتخابات عامة خلال 6 أشهر. 

ومساء يوم الجمعة الماضي، أعلنت "فتح"، أنها قررت "إغلاق كافة مكاتبها ومقار عملها في القطاع، تحسبًا لأي اعتداءات عليها".

حماس: عباس يتحمل المسؤولية 

ومعلقا على حالة التوتر القائمة، قال المتحدث باسم "حماس"، حازم قاسم، إن الرئيس عباس يتحمل شخصيا حالة التوتر والاحتقان هذه، نتيجة العقوبات التي يفرضها على قطاع غزة، وقطع المزيد من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في القطاع، إضافة لتحريضه الإعلامي ضد غزة.

وبداية الشهر الجاري، قالت وسائل إعلام محلية إن الحكومة في رام الله قطعت رواتب عدد من موظفي السلطة في غزة، وهو ما لم تعلق عليه الحكومة.

ومنذ نيسان/ أبريل 2017، تنفذ السلطة الفلسطينية "إجراءات إدارية ومالية"، ضد قطاع غزة، تشمل تخفيض الرواتب والنفقات، اعتبرها "حماس" بمثابة "عقوبات"، فيما قالت "فتح" إنها خطوات تهدف إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني.

الاعتداء على مقر تلفزيون فلسطين (وفا)

وحول اعتقال عناصر من "فتح" في غزة، أضاف قاسم إن "الأجهزة الأمنية بالقطاع أكدت عدم وجود أي معتقل سياسي لديها".

واعتبر أن "فتح" تحاول أن تغطي على "جريمتها المركزية التي يرتكبها زعيمها عباس يوميا والمتمثلة بالعقوبات المفروضة على غزة وقطع الرواتب".

وحول الاعتداء على مقر تلفزيون فلسطين في مدينة غزة، قال قاسم إن "هناك خلافات داخل حركة فتح وصراعات داخلية بدأت تخرج إلى الساحة الفلسطينية عبر الاعتداء على بعض المكاتب"، دون مزيد من التفاصيل. 

وفيما يتعلق بإمكانية تحقيق المصالحة في ظل حالة التوتر القائمة، رأى المتحدث باسم "حماس" أن طريق الوحدة مسدود بسبب تعامل الرئيس عباس مع الملف بمنطق التفرد ورفضه للشراكة السياسية أو تطبيق اتفاقيات المصالحة.

فتح: حماس تسد طريق المصالحة 

من جانبه، اتهم القيادي في "فتح"، يحيى رباح، حركة "حماس" بمحاولة سد الطريق أمام المصالحة بانتهاكاتها ضد عناصر حركته في غزة. 

وقال رباح، إن "حماس ترفض كل ما قدمته السلطة من عروض لإنهاء الانقسام فنحن نريد بناء نظام سياسي واحد بقانون واحد وحكومة واحدة، ولكنها لا تقبل بذلك".

(أرشيفية - أ ف ب)

وأشار إلى أن "فتح" أغلقت مكاتبها في غزة، حتى تتجنب مزيدا من الاستفزازات التي تتعرض لها من قبل عناصر "حماس".

ونفى رباح فرض الرئيس الفلسطيني أي عقوبات ضد غزة، موضحا أنه تم اتخاذ إجراءات إدارية لمحاولة إجبار "حماس" على إنهاء الانقسام، وشاب هذه الإجراءات بعض الأخطاء وتم تشكيل لجنة لمعالجتها وتصحيحها.

فشل المصالحة سبب رئيسي 

وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، هاني المصري، أن حالة الاحتقان المتصاعدة بين "فتح" و"حماس"، تسبب بها فشل المحاولات المصرية وغير المصرية لإنهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة، وما ترتب على ذلك من حلّ المجلس التشريعي والإجراءات العقابية التي اتخذها الرئيس عباس ضد غزة.

وحذّر المصري، من أن تطور تؤدي حالة الاحتقان إلى تداعيات خطيرة توصل إلى الانفصال التام بين غزة والضفة.

وقال إن "المرحلة التي وصل إليها الانقسام الفلسطيني بمثابة دوامة تدمير ذاتي تسحق أسس المشروع الوطني الفلسطيني، في ظل مشروع استعماري قائم يريد أن يأخذ الأرض والمقدسات والحقوق وكل شيء".

وأضاف إن استمرار "تصاعد حدة الاحتقان بين حماس وفتح قد يفرض احتمالات خطيرة قد تصل لاشتباكات وقتلى وجرحى".

وتابع أنه "يمكن أن تتطور الأمور لنزاع مسلح وتفجيرات متبادلة بالضفة وغزة في المستقبل إذا ما استمرت حالة الاحتقان وتواصل التحريض المتبادل".

ورأى أن حالة الاحتقان يمكن أن تقود إلى انفصال بين الضفة وغزة وتقتل مشروع الدولة الفلسطينية وتقدم بذلك خدمة صافية للاحتلال.

ويسود الانقسام السياسي أراضي السلطة الفلسطينية منذ منتصف حزيران/ يونيو 2007، عقب سيطرة "حماس" على غزة، بعد فوزها بالانتخابات البرلمانية، في حين تدير حركة "فتح" التي يتزعمها الرئيس عباس الضفة الغربية المحتلة.

وتعذّر تطبيق العديد من اتفاقات المصالحة الموقعة بين الحركتين والتي كان آخرها بالقاهرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، بسبب نشوب خلافات حول قضايا، منها: تمكين الحكومة، وملف موظفي غزة الذين عينتهم "حماس" أثناء فترة حكمها للقطاع.

 

التعليقات