أملاك البطريركيّة الأرثوذكسيّة رهينة لاعتراف إسرائيليّ بالمطران ثيوفيلوس

أُقيمت شركة أجنبية لتحصل على حقوق التأجير بالائتمان لصالح شركة "هيمنوتا" | كواليس اللقاءات التي مهّدت لاعتراف إسرائيل بثيوفيلوس الثالث | "ثيوفيلوس اشترى كرسيَّ البطريرك بتعهدات لإسرائيل".

أملاك البطريركيّة الأرثوذكسيّة رهينة لاعتراف إسرائيليّ بالمطران ثيوفيلوس

البطريرك ثيوفيلوس الثالث ("أ ب أ")

أعاد قرار المحكمة المركزية بالقدس المحتلة، والقاضي بإلزام البطريركية الأرثوذكسية دفع مبلغ 13 مليون دولار، إلى شركة "هيمنوتا" التابعة لـ"كيرن كييمت ليسرائيل" (الصندوق الدائم لإسرائيل – "كاكال") في قضية تأجير الأراضي للأخيرة في منطقتَي رحافيا وطالبية في القدس لمدة 99 عاما، إلى الواجهة؛ كواليس اللقاءات التي مهّدت لاعتراف الحكومة الإسرائيلية في عام 2007 وبتأخير لعامين، بالمطران ثيوفيلوس الثالث بطريركا للروم الأرثوذكس في القدس وسائر الأراضي المقدسة.

وأظهرت بروتوكولات ووثائق، أن الأسباب التي دفعت السلطات الإسرائيلية للتأخير بالاعتراف بالبطريرك ثيوفيلوس الثالث، تعهّده بوثيقة رسميّة صادرة عن وزارة الداخلية الأردنية يوم 18 آب/ أغسطس 2005، وتحمل توقيعه، بالالتزام بالعمل لإبطال أيّ عقود وصفقات بشأن عقارات وأملاك الكنيسة المنقولة وغير المنقولة، وإلغاء كافة الوكالات التي صدرت بشأن تأجير أراضي وعقارات الكنيسة، والحصول على موافقة المجمع المقدس والمجلس المختلط قبل إعطاء أي وكالات لأيّ جِهة كانت.

وقفة احتجاجية ضد زيارة ثيوفيلوس لبيت لحم ("أ ب أ")

وتُرجِم تراجُع البطريرك ثيوفيلوس الثالث عن تعهّده للمملكة الأردنية، بقبول البطريركية الأرثوذكسية قرارَ حُكم صدر عن القاضي موشيه بار - عام، أكّد وجود تزوير بالمستندات المتعلقة بالصفقة المشبوهة التي تنصّ على تأجير أراضي الكنيسة لشركة "هيمنوتا" في منطقتي رحافيا وطالبية، وذكر أن "البطريرك ثيودوروس لم يوقِّع بخطّ يده على وثائق الصفقة. وتم تزوير توقيعه".

الصفقة المشبوهة

ووفقا لبروتوكولات المحكمة المركزية بالقدس، فإن الصفقة المشبوهة تعود للعام 2000، حينما توجّه المحامي يعقوب فاينروت إلى وزيرَي الماليّة والبنية التحتيّة الإسرائيلييْن، كوكيل للسمساريْن الحريدييْن يعقوب رابينوفيتش ودافيد مورغنشتيرن، اللذين تلقيا المساعدة من قِبل شخص يُدعى بينو زيسمان.

وثيقة | مُقتَرح المحكمة للتوصُّل لتسوية بين "هيمنوتا" والبطريركية

وادعى السمساران وزيسمان، وفق ما جاء في مداولات المحكمة، أنهم يتواصلون مع مكتب البطريرك ثيودوروس، وأن البطريرك يوافق على توقيع صفقة تقضي بتأجير الأراضي لمدة 99 عاما، مقابل مبلغ 16 مليون دولار.

جانب من كنيسة القيامة بالقدس (توضيحية)

وأمام هذا العرض للسمساريْن، وافقت الحكومة الإسرائيلية على ذلك. لكن بسبب صعوبة إبرام البطريرك صفقة كهذه مع إسرائيليين، تمّ الاتفاق على أن يقيم رابينوفيتش شركة أجنبية باسم "Christian Land in Israel"، وأن تحصل على حقوق التأجير بالائتمان لصالح شركة "هيمنوتا".

واشترط السمساران أن تكون الصفقة سرية وأن يتم تحويل المال نقدا إليهما، ودون إصدار سندات قبض مقابل المال. كما طلب فاينروت والسمساران إضافة 4 ملايين دولار كأتعاب.

تزوير التواقيع

ونقل فاينروت شيكا بمبلغ 16 مليون دولار إلى رابينوفيتش وزيسمان، كي يحوّلاه إلى البطريركية. لكن السمسارين صرفا الشيك، وغادرا البلاد من دون تسليم المبلغ إلى البطريركية، فيما سارعت "هيمنوتا" إلى تسجيل "ملاحظة معارضة" على الأراضي في الطابو، التي أثارت غضب الكنيسة الأرثوذكسية ورفعت دعوى من أجل شطب المذكرة، وأكدت أنها لم تتلقَ مالًا، وأن التواقيع مزوّرة.

وثيقة | الدعوى القضائيّة ومداولات المحكمة بالقضية التي قدمتها شركة "هيمنوتا"

وفي العام 2013، أصدرت المحكمة قرارا جاء فيه أن "صفقة الأراضي وهميّة ولا صلاحيّة لها. ولم تشترِ ’هيمنوتا’ أيّ حق في الأراضي بموجب وثائق الصفقة".

وثيقة صادرة عن وزارة الداخلية الأردنية في 18 آب/ أغسطس 2005، وتحمل توقيع البطريرك ثيوفيلوس

وعلى الرغم من تأكيد المحكمة أنّ توقيع البطريرك ثيودوروس مزوّر، إلا أن ختم البطريركية وختم البطريرك على الوثائق، هي أختام أصليّة، رغم أنه ليس واضحا من ختم بها الوثائق، الأمر الذي يعزِّز الاعتقاد بأن الصفقة أُنجِزَت عبر التزوير والتحايُل.

الابتزاز الإسرائيليّ

وفي العودة إلى امتناع الحكومة الإسرائيلية عن الاعتراف بالبطريرك ثيوفيلوس الثالث، لمدّة عامين؛ يُظهِر بروتوكول سكرتارية الحكومة الإسرائيلية من يوم 11 تموز/ يوليو 2006، مداولات اللجنة الوزارية برئاسة روني بار أون، والذي خلَفَه برئاستها لاحقا الوزير رافي إيتان، بشأن قضية البطريرك اليوناني الأرثوذكسي، الأسباب والدوافع لتأخير الاعتراف الإسرائيلي بالبطريك ثيوفيلوس الثالث.

ثيوفيلوس في بيت لحم ("أ ب أ")

وبحسب البروتوكول، فإن اللجنة الوزارية برئاسة إيتان، قد صادقت يوم 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2006، على قرار السينودس (المجمّع) المقدس للبطريركية اليونانية الأرثوذكسية في القدس من يوم 22 آب/ أغسطس 2005، على انتخاب ثيوفيلوس الثالث بطريركا يونانيا أرثوذكسيا في القدس، بدلًا من إيرينيوس الأول.

وقرّرت اللجنة الوزارية، التوصية للحكومة بالاعتراف بانتخاب ثيوفيلوس الثالث، وتكليف وزير الداخلية الإسرائيلي بأن يمنح كتاب اعتراف للبطريرك المنتخَب باسم الحكومة الإسرائيلية التي قبلت التوصية، واعترفت يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر 2007، بالمطران ثيوفيلوس بطريركا للروم الأرثوذكس في القدس وسائر الأراضي المقدسة.

تعهدات ثيوفيلوس

وأتت توصية اللجنة الوزارية التي تبنتها الحكومة الإسرائيلية، عقب جلسة جمعت رئيس اللجنة الوزارية، إيتان بالمطران ثيوفيلوس الثالث، بحث معه خلالها، الشكوك التي ثارت في اللجنة الوزارية بشأن ما قيل إنها تعهّدات قدّمها المطران ثيوفيلوس إلى الأردن والسلطة الفلسطينية، بالامتناع عن عمليات بيعٍ لعقارات البطريركية والكنيسة في فلسطين وبخاصّة القدس، وعدم تمديد تأجير أراضي الكنيسة لجهات إسرائيلية.

وكما ورد في بروتوكول اللجنة الوزارية على لسان رئيسها إيتان، كان رأي المطران ثيوفيلوس الثالث على النحو التالي: "التعهّدات وُقِّعت قبل انتخاب البطريرك اليوناني الأرثوذكسي في القدس، من قِبل جميع أعضاء السينودس المقدس، ومع ذلك فإنها لا تنسحب على قرارات السينودس المقدس، وهو الجسم الوحيد المخوَّل بإعطاء قرارات وتحديد سياسة البطريركيّة".

منظر عام للقدس المحتلة يُظهر كنيسة القيامة والمسجد الأقصى (أرشيفيّة)

وجاء في بروتوكول اللجنة الوزارية أن "البطريرك يسير على مبدأ المساواة، بلا فرق في العِرق أو الدين أو القومية. كل قرارات البطريرك تستند إلى قرارات السينودوس المقدس، من دون أية علاقة بالتعهدات لطرف ثالث ومن دون أي تمييز".

"ثيوفيلوس اشترى كرسيَّ البطريرك بتعهدات لإسرائيل"

وتعليقًا على قرار المحكمة الإسرائيلية وصمت البطريركية الأرثوذكسية التي قبِلت بالقرار الذي يلزمها دفع 13 مليون دولار إلى شركة "هيمنوتا" التابعة لـ"كيرن كييمت ليسرائيل"، قال عضو المجلس المركزي للطائفة الأرثوذكسية، عدي بجالي، لـ"عرب 48" إن "الوقائع الحقيقة المؤلمة تُظهر أن ثيوفيلوس اشترى كرسيَّ البطريرك بتعهدات لإسرائيل، يلغي فيها التزاماته للأردن وللسلطة الفلسطينية".

بحث صادر عن مركز أبحاث الكنيست بشأن الاعتراف بثيوفيلوس الثالث

وأوضح عضو المجلس المركزي للطائفة الأرثوذكسية، أن امتناع البطريركية الأرثوذكسية عن القيام بأي إجراءات قضائية، وبخاصّة بعد إقرار المحكمة الإسرائيلية بوجود تزوير وتزييف في وثائق الصفقات لتمديد تأجير أراضي الكنيسة لإسرائيل في منطقتَي رحافيا وطالبية في القدس لمدة 99 عاما؛ أن البطريركية تماشت مع الابتزاز الإسرائيليّ مقابل الاعتراف بثيوفيلوس الثالث.

وقفة احتجاجية بالناصرة ضد زيارة ثيوفيلوس في نيسان/ أبريل الماضي ("عرب 48")

واستهجن بجالي موقف البطريركية الأرثوذكسية بالامتناع عن الكشف عن الوثائق والمستندات المزوّرة وكواليس الابتزاز الإسرائيلي، مشيرا إلى أن هناك جهات بالبطريركية ما تزال تنشط من وراء الكواليس لإتمام صفقات لتمديد عقود تأجير أراضي الكنيسة وعقاراتها، بل والسعي لإبرام 3 صفقات لبيع أراض للكنيسة في القدس وداخل الخطّ الأخضر.

واستَشهَد بجالي بنهج البطريركية الأرثوذكسية التي اختارت الدخول بمفاوضات مع الجهات الإسرائيلية، علما بأن البطريرك ثيوفيلوس الثالث الذي كان ينتظر الاعتراف الإسرائيلي، أجرى في العام 2006 مفاوضات مع شركة "هيمنوتا" من أجل إنهاء النزاع، بل وأبدى في حينه موافقته على دفع مبلغ 13 مليون دولار لـ"كيرن كييمت ليسرائيل".

مؤامرة كبيرة

وقال عضو المجلس المركزي للطائفة الأرثوذكسية: "لقد حذّرنا طويلا من تصرّفات ثيوفيلوس، وقلنا صراحة إن انتخابه جرى في إطار مؤامرة كبيرة تشارِك فيها دول عديدة وشخصيات كُبرى هدفها السيطرة على عقارات الكنيسة، المسجَّلة باسم البطريركية، من عقارات باب الخليل في القدس إلى عقارات حيفا ويافا والضفة الغربية وغيرها، لغرض الربح الاقتصاديّ والسياسيّ".

عضو المجلس المركزي للطائفة الأرثوذكسية، عدي بجالي ("عرب 48")

ويرى بجالي أنّ ما ورد في بروتوكول المحكمة الإسرائيلية يعكس إصرار رئاسة البطريركية اليونانية المتمثّلة بالبطريرك ثيوفيلوس الثالث على بيع وتصفية أملاك الكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين بيعا كاملا، لا إيجارا ولا احتكارا لصالح الاحتلال الإسرائيلي ولرموز وأسماء يمينية وجمعيات استيطانية فحسب، مثل "عطيرت كوهنيم"، وذلك لخلق واقع جديد جيوسياسيّ بفلسطين بعامّة، وفي القدس المحتلّة بشكل خاصّ.

واستعرض بجالي الصفقات، مشيرا إلى أن الحديث في صفقة رحافيا يدور حول بيع ما يزيد عن 570 دونما من أصل 4500 دونم تمتلكها بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية، تقع في القدس وتبعد بضع مئات الأمتار عن سور القدس وتحديدا باب الخليل، مرورا بالطالبية، حتّى دير المصلبة، حيث وُقِّعت هذه الاتفاقية في الثاني من آب/ أغسطس 2016، ما بين بطريركية الروم الأرثوذكس وشركة "نيوت كوماميوت هشكعوت شوتفوت مئوحيدت".

أملاك الكنيسة

وأكد بجالي أن البطريركية قد باعت بيعا كاملا، وقد نقلت بموجب هذا البيع ملكية الكنيسة لأكثر من 570 دونما، وهي تحتفظ سرًّا بالثّمن المدفوع، وأسماء أصحاب الشركات التي وقّعت معها. ومن ضمن هذه المستندات، رسالة إلى بلدية الاحتلال في القدس، للتكتُّم على تفاصيل الصفقة.

العلم الفلسطيني فوق كنيسة المهد احتجاجًا على زيارة ثيوفيلوس الثالث ("أ ب أ")

وجاء في رسالة البطريركية إلى بلدية الاحتلال، حينها، أنّ "هناك جهات من البلاد والخارج، بعضهم أعداء ويعملون لمنع إبرام الصفقة، ولذلك ولصالح سكان ’أورشليم’ (القدس المحتلة) ولصالح دولة اسرائيل، هناك أهمية قصوى للحفاظ على السريّة التامّة للصفقة وتفاصيلها".

أمّا في ما يخصّ حي الطالبية، حيث بنى المهندس قسطنطين سلامة أوّل حيٍّ مسيحيّ خارج الأسوار عام 1920، والذي هُجِّر إبان النكبة، فيما ظلّت تلك العمارات المزخرفة شاهدا حيًّا على عروبة القدس، يقول بجالي: "وقعت اتفاقيات إيجار الأرض التابعة للكنيسة، حيث أقامت إسرائيل عليها آلاف الوحدات السكنية، وفنادقَ ومكاتبَ ومعاهدَ، وأبراجا ومؤسسات حكومية ومدارسَ ومسارحَ، بالإضافة إلى أراضٍ عامة شاسعة، يطمع المالكون الجُدد ببناء آلاف الوحدات السكنية الإضافية عليها وتوطين اليهود فيها".

التعليقات