عائلات حيّ الشيخ جراح... معاناة لأجيال ومحاولات مستمرّة للتهجير

تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيليّ منذ سنوات، تهجير أهالي حيّ الشيخ جرّاح في القدس المحتلة، بطرق شتّى، وبضمنها محاولة تقديم "مغريات مالية" لأصحاب منازل الحيّ، الذين يرفضون ذلك، متشبّثين بمنازلهم رغم كل محاولات الاحتلال لثنيهم عن ذلك.

عائلات حيّ الشيخ جراح... معاناة لأجيال ومحاولات مستمرّة للتهجير

أهال بحي الشيخ جراح محتجيّن أمام منازلهم ("أ ب")

تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيليّ منذ سنوات، تهجير أهالي حيّ الشيخ جرّاح في القدس المحتلة، بطرق شتّى، وبضمنها محاولة تقديم "مغريات مالية" لأصحاب منازل الحيّ، الذين يرفضون ذلك، متشبّثين بمنازلهم رغم كل محاولات الاحتلال لثنيهم عن ذلك.

آخر الاعتداءات الإسرائيلية على الحيّ وأهله، نُفِّذت اليوم، إذ اقتحم مستوطنون قادهم عضوا كنيست عن اليمين الفاشي والمتطرف، ونائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس، الحيّ، وهو ما تصدّى له أهالي الحي، فيما عمد المستوطنون في الحي إلى تثبيت كاميرات مراقبة تستهدف منازل العائلات الفلسطينية.

عارف حماد، أحد أصحاب المنازل في الحيّ، يرفض كغيره منذ سبعينيات القرن الماضي، "مغريات مالية" إسرائيلية كثيرة لإخلاء منزله، ما جعله عرضة لضغوط متواصلة.

ونقلت وكالة "الأناضول" للأنباء عن حماد حديثه عن المواجهات المستمرّة مع الاحتلال ومستوطنيه، ساردا تفاصيل رحلة لجوء عائلته من مدينة حيفا في عام 1948، قبل أن تستقر في مدينة القدس التي تخشى تهجيرها منها.

عناصر الاحتلال تطوّق الحي بشكل شبه دائم ("أ ب")

وقال حماد: "الوالد والوالدة من مواليد حيفا، وقد هُجِّروا في العام 1948، إثر الحرب وقدِموا إلى القدس وكان لهم 3 أطفال، وبسبب الحرب كانوا قد وصلوا إلى المدينة بأيد خاوية".

وأضاف حماد: "عملت والدتي في مدرسة ’خولة بنت الأزور’ بالقدس الشرقية، وذلك بعد فترة من العذاب دون عمل ودون سكن أو أي مقومات للحياة".

وأضاف: "مديرة المدرسة أعطت والدتي آنذاك غرفة لنسكن فيها، وفي هذه الغرفة أنجبت بنتا وولدا، ولكن بسبب الأوضاع السيئة توفيا وهما أطفال، وقد ولدت أنا في ذات الغرفة عام 1951".

وتابع حماد: "والدي استمر دون عمل، ولأنه لم يجد عملا فإن مديرة المدرسة وجدت له وظيفة في المدرسة أيضا".

الحصول على منزل

وأشار حماد إلى أنه "في تلك الفترة سمعوا بأن هناك مشروعا تقيمه الحكومة الأردنية (كانت القدس تحت ولايتها قبل عام 1967) لتوطين اللاجئين في حي الشيخ جراح، ولأنه لا يوجد مأوى للعائلة بدؤوا بالسعي للحصول على وحدة سكنية في الحي".

وقال: "تقدمنا بطلب وكان لنا نصيب بالقرعة، أن نأخذ البيت هذا، وقد استلمناه في 1956 باتفاق مع الحكومة الأردنية آنذاك، وقد نص الاتفاق على أنه بعد 3 سنوات و3 أشهر تقوم الحكومة الأردنية بتسجيل المنازل بأسماء ساكنيها".

وأضاف: "في حينه تضمن الاتفاق شروطا شملت أن نقيم حدائق وأسوارا في محيط المنازل، وأن نوصل الكهرباء والمياه، وقد استوفينا كل الشروط بحلول عام 1959، ولكن حصلت حرب 1967 قبل أن تستكمل الحكومة الأردنية تسجيل البيوت بأسمائنا علما بأنها كانت شرعت بإجراءات تطويب المنازل".

وكان الاحتلال قد احتل الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة في 1967. وانتقلت 28 عائلة لاجئة للعيش في حي الشيخ جراح عام 1956 ولكن مأساتها بدأت فعليا في عام 1972.

ادعاء من جمعيتين استيطانيتين

وقال حماد: "في عام 1972، تفاجأنا بإنذار من جمعيتين استيطانيتين ادعتا ملكيتهما للأرض المقامة عليها المنازل وطُلب منا اخلاء المنازل بداعي أننا دخلنا الأرض عنوة وهو كلام غير صحيح ".

ولفت إلى أن بعض العائلات في الحي "اضطرت إلى الاستعانة بمحام إسرائيلي للدفاع عنها أمام المحاكم الإسرائيلية".

وعن سبب ذلك أوضح حماد أنه "في تلك الفترة كان المحامون العرب مستنكفين عن المرافعات أمام المحاكم الإسرائيلية". وأضاف: "لذلك تم اقتراح تكليف محام إسرائيلي اسمه إسحاق توسيه كوهين، دافع عن العائلات الأربع التي تم تقديم دعوى ضدها بحجة أنها دخلت المنازل عنوة وهي حماد وأيوبي وغوشة وحسيني".

مسيرة استفزازية للمستوطنين في الحيّ ("الأناضول")

وأضاف حماد أن كوهين "استطاع أن يثبت للمحكمة افتراء المستوطنين بأن السكان دخلوا إلى المنازل عنوة، فنحن لم ندخلها عنوة، وإنما بموجب اتفاق مع الحكومة الأردنية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)".

وأشار إلى أن "الجمعيتين الاستيطانيتين خسرتا القضية في 3 مراحل وهي محاكم الصلح والمركزية والعليا الإسرائيلية".

الاستيلاء على بعض منازل الحيّ

ولكن وإن كانت العائلات الفلسطينية استبشرت خيرا بالمحامي الإسرائيلي المذكور، إلا أنها ما زالت حتى الآن تدفع ثمن ذلك، وفق حماد الذي قال إنه "في منتصف الثمانينيات رفعت الجمعيات الاستيطانية دعاوى ضد 13 عائلة في الحي، وبسبب نجاح المحامي الإسرائيلي في القضية السابقة، فقد تم تكليفه بقضية هذه العائلات ليترافع نيابة عنها أمام المحاكم الإسرائيلية".

واستدرك: "لكن في أواخر الثمانينيات أبرم المحامي الإسرائيلي ذاته اتفاقا مع المحامي الخصم، نص على أن الجمعيتين الاستيطانيتين هما المالكتين للأرض وأننا مستأجرون".

وأضاف حماد: "تسببت هذه الاتفاقية بأثر سيئ على الحي بأكمله لأنه في 2009 ونتيجة لها، استطاع المستوطنون أن يستولوا على 4 بيوت مملوكة لعائلات الغاوي وحنون والكرد".

وتابع: "بعد الاستيلاء عليها قدمت الجمعيات الاستيطانية دعاوى ضد 3 عائلات أخرى في الحي وهي حماد ودجاني وداوودي".

ولفت حماد إلى أن الجمعيات الاستيطانية "قدمت لاحقا دعاوى ضد عائلات الصباغ والكرد والجاعوني وإسكافي".

وأشار إلى أنه "تم اتخاذ قرارات في محكمتي الصلح والمركزية الإسرائيليتين بإخلاء هذه العائلات من منازلها" خلال العامين 2020 و2021.

الحراك الشعبيّ

وقال حماد: "لكن التطورات التي حدثت والحراك والتضامن والوقفات الاحتجاجية الشعبية الفلسطينية في أيار/ مايو 2021 أُجبرت المحكمة العليا الإسرائيلية على تجميد هذه القرارات".

وأضاف: "قدم طاقم الدفاع عنا طلب استئناف على قرارات الإخلاء، لكن المحكمة العليا الإسرائيلية حاولت التوصل إلى تسوية ما بيننا وبين (المستوطنين والجمعيات)ولكنها لم تنجح".

وأضاف: "على إثر ذلك، قدمت المحكمة العليا الإسرائيلية اقتراحا للطرفين اعتبرتنا بموجبه مستأجرين محميين لفترة معينة، بمقابل أن ندفع الإيجار للمستوطنين، وبعد تحديد صاحب الملكية يتم إخلاؤنا أو تثبيتنا في بيوتنا... أبلغنا المحكمة برفض هذا الاقتراح وحاليا الموضوع قيد النظر من قبل المحكمة".

معاناة لا تنتهي

وأشار حماد إلى أن عائلته المكونة من 18 فردا تعيش الأن في المنزل، وتخشى أن يتم تهجيرها منه، وقال: "نحن 18 نفرا، أنا وابني وأولاده وأخي وابنه وبنته وأولادهم".

وأضاف حماد: "نحن نعاني منذ العام 1972، في حينه كنا صغارا ولكننا كنا واعين لما يحدث من قبلهم وضغوطهم علينا".

تنكيل بمحتجين مساندين لأهالي الحيّ ("الأناضول")

وأضاف: "في أكثر من مرة حاولوا الضغط علينا لكي نرضخ، وتم تقديم إغراءات مادية مقابل ترك البيت ولكنهم لم ينجحوا في محاولتهم، وحاولوا التضييق علينا بتقييد حركتنا ومعيشتنا ولم ينجحوا أيضا".

وتابع حماد: "حاولوا منذ السبعينيات مع الآباء ومع كل الجيران، حيث تم عرض مبالغ طائلة وشيكات مفتوحة بأي مبلغ نريد مقابل إخلاء منازلنا، ولكنهم لم يجدوا أذنا صاغية، وإن شاء الله لن يتمكنوا من إخلائنا من منازلنا".

ضغوط دائمة وقضاء "يتبع فعليًّا للمستوطنين"

وقال حماد في إشارة إلى المستوطنين: "توجهوا للقضاء، الذي يتبع فعليا للمستوطنين، فهو غير منحاز للعدل والقوانين".

وأشار إلى "الضغوط النفسية الكبيرة التي تمارَس على العائلات".

("الأناضول")

وقال حماد: "القلق والتعب النفسي موجود ودائم من خلال مواقف المستوطنين ضدنا في الوقت الذي تقف فيه الشرطة (الإسرائلية) معهم، ونحن نتصدى لهم بصدورنا العارية في حين أنهم مدججون بالسلاح".

وأضاف: "نحن في قلق دائم، قلقنا ليس بجديد، رفضنا لملكية المستوطنين لهذه الأرض كان منذ 1972، وحتى اليوم ونحن نقول إنه مع كل المرارة والعذاب الذي نتحمله ومع كل القهر والحالة النفسية السيئة التي يعاني منها أطفالنا ونساؤنا، إلا أننا نصر على أن لا نستسلم ولا بأي حال من الأحوال".

وتابع حماد: "الأوضاع النفسية سيئة جدا وأطفالنا مساكين كان الله بعونهم".

التعليقات