"عصيان طبيّ" في الضفة الغربيّة: "ما ضرورة إنشاء نقابة أطبّاء أخرى؟"

تعني خطوة النقابة شلّ القطاع الصحي بشكل كامل في ردّ تصعيدي. وذكرت النقابة أن الرئيس عباس "يخالف القانون"، مشيرة إلى أنه "في قانون النقابات... ليس للرئيس أو الحكومة الحق في تشكيل النقابات".

أطباء فلسطينيون خلال وقفة مسانِدة لنقابتهم (صفحة النقابة بـ"فيسبوك")

شرع الأطباء في الضفة الغربية المحتلة، اليوم الخميس، في "عصيان طبي" كامل، يشمل إيقاف الخدمة الطبية في جميع المؤسسات والمرافق الصحية الحكومية والخاصة والأهلية والعيادات الخاصة، وذلك في خطوة تأتي ردّا على قرار بقانون أصدره الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ويقضي بتشكيل "نقابة الأطباء الفلسطينيين"، ومجلس تأسيسي لها، ما يعني إلغاء النقابة الحالية، وحلّ مجلسها الذي انتُخب قبل أقل من خمسة أشهر فقط.

وتعني خطوة النقابة شلّ القطاع الصحي بشكل كامل في ردّ تصعيدي. وذكرت النقابة عبر حسابها في "فيسبوك" أمس الأربعاء، أن الرئيس عباس "يخالف القانون"، مشيرة إلى أنه "في قانون النقابات... ليس للرئيس أو الحكومة الحق في تشكيل النقابات... فمن يشكل النقابة هم منتسبوها".

كما تساءلت النقابة عبر منشور في "فيسبوك"، اليوم: "هل تعلم سيادتك (الرئيس الفلسطينيّ) أن خمسة آلاف طبيب فلسطيني، لن يتوجهوا للعمل هذا الصباح في جميع القطاعات، مما سيحدث شللا كاملا في القطاع الطبي، بسبب مرسوم (رئاسيّ) غير قانوني؟"، على حدّ تعبيرها.

بدورها، ذكرت وزارة الصحة الفلسطينية، أن الوزيرة مي الكيلة، "تبحث مع المستشار القانوني لسيادة الرئيس محمود عباس، المستشار علي مهنا، وضع آليات للبدء بحوار مع جميع الجهات المعنية، في ما يخص القرار بقانون بشأن تأسيس نقابة الأطباء الفلسطينية، وبما يكفل حقوق جميع منتسبي النقابة، مؤكدة أن الحوار وحده من يحل جميع الملفات".

ويُذكر أن النقابة في وضعها الحالي، تابعة رسميا لنقابة الأطباء الأردنية، وهو وضع تاريخي، ما قبل احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، ويشمل عددا آخر من النقابات.

"ما الضرورة من إنشاء نقابة أطباء" جديدة؟

وفي حديث مع "عرب 48"، قال محامٍ من الضفة الغربية، فضّل عدم الكشف عن هويته، إن نقابة الأطباء، "تلقى التفافا كبيرا حولها، من قِبل الأطباء جميعهم والهيئة العامة، وباقي النقابات كنقابتي المحامين والمهندسين".

ورأى المصدر ذاته أن القرار بقانون، والصادر من قِبل الرئيس الفلسطيني، "انتقاميّ... ويهدف إلى تصفية النقابة، لأنها تسعى دوما إلى أن يكون قرارها مستقّلا"، مشيرا إلى أن ذلك "أحد نقاط قّوتها الرئيسية".

وذكر أن النقابة "كانت على خلافات مع الحكومة الفلسطينية... كما خاضت في الفترة الأخيرة عدة إضرابات، أبدت الحكومة استياءً، إزاءها".

وقال إن "القرار بقانون نَصّ على إنشاء نقابة أطباء، وكأنه لا توجد نقابة في الأصل... والأدهى من ذلك، أن القرار بقانون لم ينصّ مثلا على إجراء انتخابات جديدة في فترة زمنية محدّدة"، بل إن المرسوم الرئاسيّ الذي يقضي بتشكيل نقابة جديدة، شمل أسماءً كُلِّفت بذلك تكليفًا، بدون أي انتخابات، مؤكدا أن ذلك "يمسّ بسيادة النقابة، وبشؤونها الداخلية".

أطباء فلسطينيون خلال وقفة مسانِدة لنقابتهم

ولفت المحامي إلى أنّ "القرار بقانون يتجاوز الصلاحية المعطاة للرئيس، بموجب نص المادة 43 من القانون الأساسي الفلسطيني، الذي هو بمثابة دستور"، مضيفا أن المادة المذكورة "تعطي الرئيس صلاحية إصدار قرارات بقوانين في حالة الضرورة القصوى، والتي لا تحتمل التأخير".

وفي الصدد ذاته، تساءَل: "ما الضرورة من إنشاء نقابة أطباء، في ظلّ وجود أُخرى مُنتَخَبة، وتمارس مهامها المناطة بها بشكل كامل؟".

تحذير من المصير المحتمل لمقر النقابة في القدس من احتمالية إغلاقه من قِبل الاحتلال

في السياق، نشرت النقابة الفلسطينية عبر "فيسبوك" كذلك، رسالتين من قِبل نقابة الأطباء الأردنية تحملان توقيع نقيب الأطباء الأردنيين، الدكتور زياد الزعبي، إحداهما بُعِث بها إلى السفير الفلسطيني لدى الأردن، عطا الله خيري، وجاء فيها أن النقابة "تتابع عن كثب القرار الصادر عن الرئيس محمود عباس... ويقضي بحل هيئة النقابة - فرع القدس، المشكلة بقانون رقم (14) لعام 1954، واستمرت بأعمالها منذ ذلك الوقت وحتى الآن وتتشكل الهيئة الإدارية من رؤساء اللجان الفرعية المنتخبة في محافظات فلسطين، وبرئاسة عضو منتخب من مقر النقابة في عمان".

وذكرت النقابة في رسالتها أن القرار الرئاسي "يتضمن أن اللجنة ستقوم بتأسيس نقابة للأطباء الفلسطينيين، بديلة للنقابة الأم، ممّا سيلحق ضررا كبيرا بحقوق المنتسبين لنقابتنا، وخاصة المتقاعدين منهم، وكذلك بأملاك النقابة في القدس".

الرسالة الموجّهة للسفير الفلسطينيّ

وقالت: "إننا نعترض على هذا القرار الذي أدى إلى إضراب الأطباء في فلسطين، ونهيب بكم مخاطبة الرئيس محمود عباس، والعودة عن هذا القرار، وإعادة اللجنة المنتخبة".

وفي الرسالة الأخرى التي وُجِّهت كما يبدو إلى وزير الخارجية الأردنيّ، أيمن الصفدي، قالت النقابة: "يرجى العلم بأن نقابة الأطباء الأردنية والتي تأسست عام 1954، وكان لها ولا يزال فرع في القدس، ونتشارك مع نقابتي المحامين والمهندسين في مقر دائم في القدس، ويوجد لنقابتنا أملاك في القدس، وبالرغم من فك الارتباط، إلا أن الأملاك لا تزال مسجلة في دائرة الأراضي الأردنية باسم النقابة، وفرع النقابة في القدس لها ممثل في مجلس نقابة الأطباء في عمان وهو رئيس اللجنة الإدارية المنتخبة من فروع النقابة في المحافظات".

وأضافت الرسالة: "وقامت السلطة الفلسطينية بإصدار قرار بتاريخ 25/10/2022، بحلّ مجلس النقابة في القدس، وتشكيل لجنة لإدارة النقابة وتأسيس نقابة أطباء فلسطينية، مما يشكل خرقا للأعراف النقابية، إذ أن المجلس منتخَب، ومما يشكل (القرار الرئاسي الفلسطيني) تهديدا لحقوق الأطباء الفلسطينين، والذين لهم حقوق تقاعدية، والكثير منهم لديهم أرقام وطنية أردنية".

وتابعت: "إضافة إلى أن هذا الإجراء قد يهدد ممتلكات نقابتنا في القدس، وهذا ما صرّح به رئيس لجنة النقابة في القدس ونقيب المحامين الفلسطينيين".

الرسالة الموجّهة لوزير الخارجية الأردنيّ

وختمت النقابة رسالتها بالقول: "تقود لجنة الأطباء في القدس الآن، إضرابا شاملا في أراضي السلطة الفلسطينية؛ لذا نرجو من معاليكم مخاطبة السلطة الفلسطينية، وإلغاء هذا القرار، وإعادة اللجنة المنتخبة لممارسة صلاحياتها".

ونقلت صحيفة "العربي الجديد" عبر موقعها الإلكترونيّ عن نقيب الأطباء، شوقي صبحة، قوله اليوم الخميس، إنّ "القرار بقانون يستند إلى دغدغة المشاعر عبر إلحاق اسم فلسطين بالنقابة".

ولفت صبحة إلى تقديم الأطباء مسودات للمجلس التشريعي الأول في عام 1996، لتشكيل نقابة فلسطينية خالصة، إلا أن قرار الرئيس الراحل ياسر عرفات في حينه، قضى بالإبقاء على الوضع إلى حين الاستقلال، محذّرا من نتائج القرار على الصناديق التقاعدية والتكافلية المشتركة مع نقابة الأطباء الأردنية، وكذلك من المصير المحتمل لمقر النقابة القائم في القدس التابع للنقابة من احتمالية إغلاقه من قِبل الاحتلال.

وقال صبحة إنه "من الواضح أنهم لا يريدون شخصا اسمه شوقي صبحة على رأس النقابة، وهو لا يخضع لإملاءاتهم، ويقف وراء تحقيق مطالب وحقوق المنتسبين الذين اختاروه".

وأضاف صبحة الذي كان قد فاز في آخر انتخابات للنقابة في حزيران/ يونيو الماضي، بعد انسحاب مرشح حركة "فتح" من منافسته، وتحالفه مع قوائم مستقلة؛ نافست حركة "فتح": "أنا آخذ تعليماتي وقراراتي من الهيئة العامة، لا من مسؤول أو وزير هنا وهناك، أو تنظيم ما".

وفي بيان صدر عنه مساء أمس الأربعاء، قرر مجلس النقابة شطب وسحب مزاولة المهنة من الأطباء الذين وردت أسماؤهم في المرسوم الرئاسي كرئيس للمجلس التأسيسي وأعضاء فيه، مطالبة الأطباء بعدم التعاطي مع القرار بقانون.

وذكرت النقابة أنها ستخاطب المؤسسات والفصائل لوضعها أمام مسؤولياتها "أمام فقدان مقر نقابة الأطباء التاريخي في القدس واستيلاء الاحتلال عليه كما حدث مع مؤسسات ومقرات أخرى"، في إشارة إلى احتمالية ذلك، بعد تغيير الإطار الذي يتبع لها المقر من نقابة الأطباء الأردنية إلى نقابة الأطباء الفلسطينيين.

وأوضحت النقابة أنها ستبدأ بتنظيم اعتصامات مفتوحة في جميع المدن، وتعمل على مخاطبة الجهات الدولية الطبية والحقوقية ومخاطبة سفراء الدول وممثلي الصليب الأحمر والاتحاد الأوروبي، ووضعهم بصورة الوضع الحرج وما يترتب عليه من خطر حقيقي بانهيار المنظومة الصحية، وما قد يمس جموع الأطباء وعائلاتهم، بحسب تعبير بيان مجلس النقابة.

وعَدّ مجلس النقابة قرار الرئيس الفلسطيني "اغتيالا لها وسحقا للحرّيات، ودفنا لخيار الأطباء بانتخاب ممثليهم وسحب الشرعية من المجلس المنتخب، وترسيخ سياسة التعيين بدل الانتخاب الديمقراطي".

التعليقات