21/03/2023 - 18:01

الإضراب يعمّ البلاد... من «سجن عكّا» إلى «سجن القدس» | أرشيف

الإضراب يعمّ البلاد... من «سجن عكّا» إلى «سجن القدس» | أرشيف

من احتجاجات ثورة 1936 - تلوين رقميّ

 

المصدر: «صحيفة الوحدة».

زمن النشر: الخميس، 22 آب (أغسطس) 1946.

العنوان الأصليّ: «إخواننا السجناء المضربون».

 


 

انتهت أمس مدّة الإنذار الّذي قدّمه إخواننا من السجناء السياسيّين في «سجن عكّا المركزيّ» للحكومة، بوجوب إطلاق سراحهم، بعد أن مضت عليهم في غياهب السجون مدّة طويلة عانوا فيها أشقّ الآلام، واحتملت عائلاتهم وأطفالهم مصائب الفراق والبعد عن أعزّائهم وآبائهم.

أجل، انتهت أمس مدّة الإنذار، وشرع إخواننا من السجناء السياسيّين في الإضراب عن الطعام حتّى الاستشهاد، إذا لم تلبّ الحكومة طلبهم وتسارع بالإفراج عنهم، بعد أن فشلت جميع ’الوساطات‘ وخاب كلّ أمل في الحيلولة بينهم وبين المضيّ في تنفيذ قرارهم، لأنّهم يئسوا من عدل الحكومة وقنطوا من رأفة السلطات، الّتي تسارع إلى إطلاق سراح الإرهابيّين اليهود وتخفيف الأحكام عنهم، بينما ما زالت جرائمهم وآثامهم ماثلة للعيان، تبكي منها الأرامل ويندب الأيتام.

هكذا، قرّر إخواننا السجناء الإضراب عن الطعام حتّى الاستشهاد، مع أنّ أرواحهم الغالية ليست ملكًا لهم وحدهم، بل هي ملك للأمّة جمعاء، ولعائلاتهم وأطفالهم بصورة خاصّة، فهم أعزّاء على كلّ قلب، أحبّاء إلى كلّ نفس، والأمّة ضنينة بهم وبأمثالهم أن يذهبوا – لا سمح الله – ضحيّة للعنت والتمادي في نسيان العدالة وتجاهلها.

عشر سنوات أو تزيد، مضت وانقضت وهم في غياهب السجون مثلهم مثل أيّ مجرم عاديّ، عشر سنوات انقضت أُطْلِقَ فيها سراح الكثير من المجرمين العاديّين، أو من جناة الإرهاب اليهوديّ وعثائه. عشر سنوات مرّت وهم يناشدون العدل من الحكومة والرعاية من الأمّة، أمّا الأولى فلا تجيب، وأمّا الثانية فتعمل ما وسعها عمله، وإن كان عملها هذا لا يؤتي ثمرة أو أُكُلًا ما دام السلطان ليس في يدها.

وما دمنا في الحديث عن هؤلاء الإخوان، فهناك إخوان أعزّاء ما زالوا في المنافي السحيقة، أو في ديار الغربة النائية، وهم يرزحون أيضًا تحت آلام الفرقة والاغتراب، وصنوف العنت والإرهاق. وسواء أكان هؤلاء أم أولئك، فمن واجب الحكومة أن تَعْدِلَ عن سياستها الخاطئة الّتي اتّبعتها، وأن تفرج عن هؤلاء وتعيدهم إلى أهلهم وذويهم، فليس لهم من ذنب إلّا أنّهم ضنّوا بوطنهم أن تُهْدَر كرامته، وكيانهم أن يهدّده طغيان الصهيونيّة والاستعمار البريطانيّ، وبحرّيّتهم أن تكون موضعًا للتهديد والمساومة.

إنّ الشعب العربيّ الّذي يقدّر لإخوانه السجناء والمبعدين والمغتربين تضحياتهم، لا يسعه إلّا أن يناشد الحكومة العدل والإنصاف، فلعلّ هناك بقيّة منهما تؤدّي إلى زوال غمّه، وانفراج كربه.

 


 

المصدر: «صحيفة الدفاع».

زمن النشر: الأربعاء، 8 نيسان (إبريل) 1946.

العنوان الأصليّ: «إضراب السجناء العرب».

 

منذ صباح الجمعة الماضي، وسجناء الاضطرابات العرب في «سجن القدس المركزيّ»، في صوم متواصل وإضراب عن الشراب والطعام لا ينقطع. ذلك لأنّهم وجدوا أنفسهم بين اختيار هذا المسلك الوعر أو الصبر على المعاملة السيّئة، وهؤلاء رجال لم يستقرّوا في غياهب السجن إلّا لأنّهم وضعوا العزّة فوق الراحة الشخصيّة.

لقد اختاروا هذا الطريق الصعب الّذي انتهى بهم إلى هذا المصير المؤلم، لأنّهم شاركوا أمّتهم في فورتها، وتحمّلوا عنها عبء التضحية. ولولا الظروف الشاذّة الّتي دفعت بالعرب إلى الاحتجاج على الظلم الّذي نزل بساحتهم، لكان هؤلاء النفر الصابر المضحّي بحرّيّته بين أهلهم وذويهم. لا تنالهم طائلة عقاب أو قانون، فهم لم يلقوا العقاب الّذي نزل بهم إلّا لانتفاضتهم في سبيل كيان أمّتهم.

اختار هؤلاء الرجال الصابرون أن يبلغوا بالصوم ما فاتهم بلوغه بغير الصوم، ولو أنّهم لم يؤثروا الكرامة على الذلّ لما اهتمّوا لسوء المعاملة.

لقد ضحّوا بمالهم وأنفسهم وراحتهم وحرّيّتهم. دخلوا السجن، لكنّهم لم يقترفوا جريمة اجتماعيّة أو خلقيّة توجب معاملتهم بالشدّة الّتي عُرِفَت بها سجون القرن الماضي أو القرون الخوالي. وليس في أخلاقهم من عوج وليس لهم ميل للإجرام، بل إنّهم أشدّ على الجريمة ممّن يتظاهر بمكافتحها في الأفراد ويتغاضى عن ارتكابها في الشعوب.

 

التمييز الاستعماريّ بين السجناء اليهود والعرب

أمثال هؤلاء الرجال لم يُضْرِبوا عن الطعام هربًا من مشقّة، فمثلهم مَنْ تجشّم المصاعب والمشقّات، وهم لم ينقطعوا عن الطعام والشراب فرارًا من ألم جسمانيّ، فذلك لا يضيرهم، وإنّما الّذي أضرّهم وحملهم على أن يختاروا بين الموت والاصطبار على الأذى، أنّهم رأوا بشرًا لهم عيون مثل عيونهم، وقلوب مثل قلوبهم، ومشاعر مثل مشاعرهم، يختارون ما اختاروه من الخروج على القانون الّذي لا يقرّونه، سعيًا لتحقيق أهداف وأطماع بالالتجاء إلى القوّة – ومع هذا لا يلقون شيئًا من ألوان الحرمان كالّذي يلقاه رجال العرب في سجون فلسطين.

رأوا الآخرين ينامون على سُرُر، وتُقَدَّم لهم ألوان الطعام الّتي لا تتوفّر لإخوانهم خارج السجن، لا تُساء معاملتهم ولا تُجْرَح كرامتهم ولا تُوَجَّه إليهم كلمات جارحة أو أوامر ناشزة. إنّهم بشر تجمعهم جدران سجن واحد، ومع ذلك، فإنّ أنظمة هذا السجن قد ميّزت بينهم؛ فجعلت من الغرباء أحرارًا في السجون، وجعلت من الوطنيّين أنصاف أحرار يؤخذون بالشدّة. إنّه هذا التحابي والتمييز بعينه الّذي حمل أحرار العرب على سلوك الطريق الوعر وتحمّل المشقّات، وها هو يلاحقهم حتّى في ظلمات السجن.

لأجل هذا بات إخوان لنا على الطوى وسيبيتون على الطوى والعطش والألم ما عاشوا، أو تُعاد لهم حرّيّتهم أو مساواتهم مع بني البشر. ويبقى القول إنّ التمييز الّذي فرّ منه أبناؤنا لازمهم إلى كلّ مكان حتّى في السجون.

 


 

عَمار: رحلة تُقدّمها فُسُحَة - ثقافيّة فلسطينيّة لقرّائها، للوقوف على الحياة الثقافيّة والإبداعيّة والاجتماعيّة الّتي شهدتها فلسطين في تاريخها المعاصر، من خلال الصحف والمجلّات والنشرات المتوفّرة في مختلف الأرشيفات.
 

التعليقات