17/03/2016 - 11:41

نافذة على برج البراجنة

في المخيّم، مبادراتٌ مستقلّة تعمل لتحسين حياة سكّانه وإن كان أفرادًا منها يتبعون تنظيماتٍ سياسيّة أو فصائل. فيه مركز النّقب للأنشطة الشبابيّة الّذي بدأ عمله التطوّعي منذ ما يقارب الثّلاث سنوات حيث يقوم بتأمين الدروس للأطفال.

نافذة على برج البراجنة

الصّورة من صفحة "مركز النّقب للأنشطة الشّبابيّة" في الفيسبوك

تختلف الأشياء باختلاف زاوية النّظر إليها. فقد نصف برج البراجنة بأنّها بلدة تابعة لقضاء بعبدا في محافظة جبل لبنان. وقد نصفها كجزء من ضاحية بيروت الجنوبيّة. أو نقول بأنّ برج البراجنة مخيّمًا للّاجئين الفلسطينيّين. ولكنّ هذه الأوصاف كلّها تشكّل جزءًا من برج البراجنة.

فبرج البراجنة البلدة كانت تشتهر، كسائر بلدات ساحل المتن وإحداها بيروت، ببساتين الحمضيات والليمون الكثيرة فيها. وكان يمرّ فيها القطار الّذي كان يصل بيروت بفلسطين والّذي توقّف عام 1948. وهي لا تزال حتّى اليوم تحتفظ بذكرى القطار، حيث فيها حتى  الآن 'عين السكّة' وهي منطقة استراحة المسافرين والقادمين من فلسطين. وبرج البراجنة التي تقع على الطّريق بين مطار بيروت الدوليّ والعاصمة هي جزء من الضاحية الجنوبيّة لبيروت وإحدى المناطق الأكثر عشوائيةً والأحياء الأكثر تهميشًا في الضاحية وذات الكثافة السكّنية العالية منذ خمسينات القرن العشرين.
أمّا برج البراجنة المخيّم، فهو من أقدم مخيّمات اللجوء في لبنان حيث وصل اليه أوّل المهجّرين من الجليل شمالي فلسطين وتحوّل تدريجيًّا الى مخيّم كبير يضمّ الآلاف من السكّان الّذين بدأوا بزرع خيمهم بين أشجار بساتين البرج، فضربوا في الأرض جذورهم، ثمّ راحوا يحوّلون تلك البساتين الى أحياء سكنيّة مع ازدياد أعداد اللاجئين. وهذه الأوصاف أيضًا لا تعطي الصورة الكليّة للبرج.

المخيّم اليوم

اليوم في المخيّم، عائلاتٌ فلسطينيّة سكنته منذ النكبة، وأخرى نزحت إليه في السّبعينات من القرن العشرين بحثًا عن عمل في بيروت، وثالثة هربت من القتل في مخيّم تل الزعتر إليه خلال حرب لبنان الأهليّة بين 1975 و1990، ومن مخيّم نهر البارد لاحقًا عام 2007، ورابعة أتته من سوريا ومخيّم اليرموك خصوصًا بعد 2011. فيه أيضًا عائلات لبنانيّة هاربة من غلاء أسعار العاصمة وأخرى أثيوبيّة وسيرلنكيّة... فيه زواريب وطبقاتٍ تطوّق الطريق من كلّ صوب. فيه دكاكين ومحامص جميلة.. وفيه الكثير من صور قادة الفصائل الفلسطينيّة والشهداء الّذين إمّا استشهدوا في فلسطين... أو من مشكلة المخيّم الرئيسة.. الكهرباء.

فالمخيّم يبدو وكأنّه مسقوف، حيث يصعب ألّا يلاحظ الداخل اليه كميّة أشرطة الكهرباء، السّوداء غالبًا، المفروشة على ارتفاعٍ قليلٍ (متران ونصف أو أقل) فوق كل طرقاته وزواريبه. وهذه الأوصاف أيضًا لا تعطي المخيّم حقّه. فخلال الزيارة الأخيرة للمخيّم ضمن أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي (Israel Apartheid Week) الّذي تحوّل في لبنان الى شهرٍ كاملٍ لمقاومة الإستعمار والفصل العنصريّ الإسرائيلي، فتح المخيّم لزائريه نافذة جديدة ومميّزة حيث كشف بعض ما لديه من حياةٍ حقيقيّةٍ بعيدًا عن عيون 'الزائرين المتضامنين شكليًّا أو السوّاح الباحثين عن تصوير البؤس والمعاناة' كما يقول بعض قاطنيه ساخرًا.

مبادرات مستقلّة في المخيّم

في المخيّم، مبادراتٌ مستقلّة تعمل لتحسين حياة سكّانه وإن كان أفرادًا منها يتبعون تنظيماتٍ سياسيّة أو فصائل. فيه مركز النّقب للأنشطة الشبابيّة الّذي بدأ عمله التطوّعي منذ ما يقارب الثّلاث سنوات حيث يقوم بتأمين الدروس للأطفال بين السادسة والتاسعة الّذين ليسوا مسجّلين في المدارس. يقدّم المركز عبر أساتذته وإدارييه صفوفًا على مدار الأسبوع تعلّم اللغة العربيّة واللغة الإنكليزيّة والرياضيات. لا يستطيع المركز أن يحلّ أزمة التّعليم، ولا أن يكون بديلًا رسميًّا عن المدرسة، ولكنّه يستطيع إعطاء بعض الحق في التعليم للأطفال ويساهم في فتح أفقٍ جديدٍ لهم. كذلك ينظّم المركز نشاطاتٍ رياضيّة وثقافيّة مختلفة للأطفال والشبان. أنشطة المركز مجانيّة غير محصورة بالفلسطينيين طبعًا وتمويله مستقلّ يعتمد على تبرّعات الأفراد وعلى حملات جمع التبرّعات الإلكترونيّة أو من خلال ريع الحفلات الموسيقيّة.

في المخيّم أيضًا ملتقى جفرا الّذي فتح أبوابه منذ عامين تقريبًا. فيه مكتبة قيد الإنشاء ومساحة للكافيتيريا. يلعب الملتقى دورًا رئيسًا في جمع شباب وشابات المخيّم لحضور عروض أفلام أو لإقامة أنشطة ثقافيّة مختلفة. ويقوم الملتقى حاليًّا بافتتاح استيديو تابعًا له يقدّم مساحة لمن يرغب في تسجيل الموسيقى والراب خصوصًا الّذي يُعتبر من أكثر أنواع الموسيقى المنتشرة في المخيّم اليوم. يعتمد الملتقى على مبيعات الكافيتيريا وعلى بعض الدعم من خلال شراكاتٍ ومؤسساتٍ عدّة لتمويل نشاطاته. وفي المخيّم أيضًا مركز أمان الّذي يقوم بمساعدة الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصّة حيث أعدّ لهم مشغلًا يتعلّمون فيه حرفًا يدويّة، يقوم المركز ببيعها خلال معارضه السنويّة. كذلك يهتم المركز بتأمين الحاجات اللوجستيّة الضروريّة للمخيّم كالإطفائيّات المحمولة حيث يصعب دخول سيارات الإطفاء الى معظم أنحائه وحمّالات المرضى وقوارير الأوكسيجين والأدوية للأمراض المزمنة... كذلك يعمل المركز بالتنسيق مع المبادرات الأخرى داخل المخيّم على مساعدة المدمنين على المخدّرات من خلال التشبيك مع مراكز إعادة تأهيلٍ منتشرة في لبنان. يعتمد تمويل المركز بشكلٍ أساسيّ على تبرّعات أهله المغتربين في أوروبا حيث يتواصل المركز معهم من خلال صفخة المخيّم على موقع فايسبوك وعلى تطوّع أطباء المخيّم الّذين ما زالوا يسكنون فيه أو خرجوا للسكن خارجه بعد تخرّجهم.

بالرغم من أنّ هذه المراكز على أهميّتها هي بعض ما في المخيّم فقط، ولكنّ المخيّم قد بدى لزائريه هذه المرّة كتعاونيّة كبيرة يقوم كلّ من فيها بدورٍ ما لتحسين شيئ ما في نوعية حياته وحياة محيطه وأهله. قد تكون هذه المبادرات الشبابيّة ردّة فعلٍ إيجابيّة وطريقة للتعبير عن عدم الإستسلام والرضوخ أمام فشل السلطات اللبنانيّة والفلسطينيّة في إدارة حياة سكان لبنان داخل ما يسمّى مخيّمات لاجئين وخارجها. حيث لم تنجح الإدارة، عن قصدٍ أو من غير قصد، بالعمل من منطلقٍ إنسانيٍّ يحترم حاجات السكّان ويعطيهم أبسط حقوقهم في التّعليم والطبابة والثقافة، وأهمّ من هذا كلّه، في تأمين التواصل الطبيعيّ بين داخل المخيّمات وخارجها. ففي مخيّم برج البراجنة كما في معظم المناطق في لبنان يغيب مفهوم الإدارة العامّة ليحلّ مكانه مفهوم المبادرات الفرديّة أو الجماعيّة التي تبحث جاهدة عن طرف خيط لترقيع تفاصيل حياتها بينما تبقى الموارد الأساسيّة ممنوعة عن معظم سكّان لبنان.       

التعليقات