28/09/2010 - 16:38

سبعون على رحيل والتر بنجامين: الفن في زمن الإنتاج الميكانيكي

تصادف هذه الأيام الذكرى السبعين لرحيل المفكر والناقد الألماني والتر بنجامين في زمن هيمنة عليه التقنية واعادة انتاج المعرفة رقمياً وبسرعة. فهذا النص الظاهر أمامك الآن على شاشة الكمبيوتر يتادوله في اللحظة نفسها العشرات - المئات أو لربما عشرات الالاف.

سبعون على رحيل والتر بنجامين: الفن في زمن الإنتاج الميكانيكي

 تصادف هذه الأيام ذكرى مرور ٧ عقود على رحيل المفكر والناقد الألماني والتر بنجامين، بهذه المناسية يعيد موقع عرب ٤٨ نشر مقتطفات من كتابه الشهير "الفن في زمن الإنتاج الميكانيكي":

لقد أنتجت فنوننا في عصور مختلفة عما نعيشه. لم يمتلك من صنعوها القدرة التي نمتلكها راهناً في التعامل مع الأشياء. يصعب عدم القول بأن التنامي المذهل للتقنيات وقوتها ودقتها، كما الأفكار والسلوك التي تولدها، بات يغيّر مفهوم الجمال نفسه. إذ تتضمن الفنون كافة عنصراً مادياً (الورق، الكتاب، كانفا اللوحة، الريشة والألوان...) لم يعد بعيداً من التأثّر بمعارفنا الراهنة وقوتها. وخلال العقدين الأخيرين، تغيّرت مفاهيم المكان والزمان والمادة، بصورة جذرية فباتت مختلفة عما كانته منذ عصور طويلة. علينا أن نتوقع ظهور ابتكارات تغيّر كلياً طريقة إنتاج الفنون، وتبدّل الابتكار الفني نفسه، وربما غيّرت جذرياً مفهوم الفن بحد ذاته. 

> إن التأمل في مسار تطوّر الفن، يدفع الى التفكير في أثر المرحلة الراهنة من الانتاج الميكانيكي فيها... ويظهر خصوصاً الطابع الفاشستي لمفاهيم راسخة تُطبّق بطريقة عشوائية، مثل النبوغ والقيمة الخالدة والغموض. لذا، فإن المفهوم الذي أقترحه يتعارض مع المفاهيم السائدة، خصوصاً مع استخدامها بأسلوب فاشستي. وتخدم هذه المفاهيم، صوغ متطلبات جذرية في سياسات الفن.

> يمثّل الانتاج الميكانيكي للفن أمراً فائق الجدّة. لقد أنتجت الفنون دوماً بطريقة تجعلها قابلة لإعادة إنتاجها مُجدداً. إذ أمكن دوماً تقليد المصنوعات الفنية. وتكراراً، صنع التلامذة نسخاً من أعمال أساتذتهم كي ينشروها، وقام آخرون بالشيء نفسه سعياً للربح. 


> لم يظهر الانتاج الميكانيكي للفن إلا في العصر الحديث. لكن، إرهاصات هذا الأمر وُجدت دوماً في عصور مختلفة، وبكثافة متقلّبة. ظهر إنتاج الفن ميكانيكياً للمرة الأولى في التاريخ مع المصنوعات الخشبية. وعرف اليونان تقنيّتين لإعادة انتاج الأعمال الفنية: السبائك والأختام. (ثم) مثّلت الطباعة ثورة كبرى، ومكّنت من الإنتاج الميكانيكي للنصوص. 


> لنقارن بين شاشة تعرض فيلماً بتقنية تتابع الصور السريع، واللوحة المرسومة على القماش. تحض اللوحة مشاهدها على التأمل وعلى ربطها مع أفكاره وعلاقاته. لا شيء من هذا يحصل مع الفيلم. فما أن تلتقط عين المشاهد الصورة، حتى تذهب وتأتي الصورة التالية. يشكل هذا جزءاً أساسياً من أثر الصدمة الذي يحدثه الفيلم. لم يستطع المفكر الفرنسي جورج دوميل استساغة الفيلم، قائلاً ان مشاهدة الأفلام سلبته القدرة على التفكير، لأن الصور حلّت في رأسه محل الأفكار.


> في القرن العشرين، بدا النقاش العميم الذي ساد القرن التاسع عشر في المفاضلة بين اللوحة المرسومة والصورة، كأنه ارتباك وتشوّش فكريان. ولا يعني ذلك أنه ليس خلواً من الدلالة. إذ شكّل ذلك النقاش مظهراً لتغيّر تاريخي حدث بفضل التأثير الشامل للتقنية، بطريقة لم يستوعبها طرفا النقاش. ففي زمن الانتاج الميكانيكي، انفصل الفن عن أسسه، واختفت استقلاليته الى الأبد. لقد حدث تغيير في الفن أرخى بظلاله على القرن العشرين الذي شهد ظهور فيلم السينما. 

التعليقات