10/11/2011 - 16:43

وائل غنيم يكتب : هو إنت متفائل أوي بأمارة ايه؟

الثورة عملية تغيير شامل، والتغيير ده ممكن يحصل في بعض التجارب في وقت قصير جدا وأحيانا محتاج وقت أطول وده بيعتمد على الظروف التاريخية المحيطة بالثورة أثناء حدوثها وطبيعة سيرها. كل ثورة ليها خصوصيتها، وتقييم نجاح أو فشل أي ثورة عمره ما بيكون بعد شهور قليلة، ولكن الثورات بتتقيم بعد سنوات طويلة وده اللي محتاجين نؤمن بيه ونستمر. أنا مش متشائم مع إن الدنيا مش وردي والديموقراطية محصلتش في مصر والحكومة مأخدتش خطوات إصلاحية حقيقية .. كل ده فعلا محصلش واحتمال كمان ياخد وقت طويل عشان يحصل، ولكن تفاؤلي للأسباب التالية:

وائل غنيم يكتب : هو إنت متفائل أوي بأمارة ايه؟


أحيانا ناس بتوقفني في الشارع وتسألني: هي مصر رايحة على فين؟ احنا بينضحك علينا؟ الثورة اتسرقت، الثورة ماتت، الثورة ضاعت، احنا اتلعب بينا، التاريخ يعيد نفسه .. وكل مرة كنت أختلف مع قائل العبارة. لا أنكر إن بطبيعتي شخص متفائل وده من إيماني أن التغيير لا يشارك في صناعته متشائم يندب حظه، بس طبعا مع التأكيد على إن التفاؤل اللي باتكلم عليه مش تفاؤل انتظار النصر واحنا قاعدين على الكنبة، ولكن تفاؤل مرهون بعمل حقيقي. 

فيه ظواهر سلبية كتير بتحصل دلوقتي في مصر، وفيه مطبات بنواجهها، وعمليات استقطاب واستعداء، وعدم وضوح نية المجلس العسكري في تسليم السلطة لرئيس مدني منتخب في 2012، والخوف من نتائج انتخابات مجلسي الشعب والشورى والأحداث اللي ممكن تحصل أثناءها، وأزمة ثقة بين التيارات والأحزاب السياسية، وغيرها من المشاكل اللي طبعا لن يتم علاج بعضها في شهور وأحيانا في سنوات. ولكن الظواهر دي كلها طبيعية، احنا بقالنا عشرات السنين ماشيين بفكر أمني فاشل بيحكم البلد بنظرية الرأي الواحد والحديد والنار لمن يخالفه، والفكر ده مش هيتغير بين يوم وليلة.

الثورة عملية تغيير شامل، والتغيير ده ممكن يحصل في بعض التجارب في وقت قصير جدا وأحيانا محتاج وقت أطول وده بيعتمد على الظروف التاريخية المحيطة بالثورة أثناء حدوثها وطبيعة سيرها. كل ثورة ليها خصوصيتها، وتقييم نجاح أو فشل أي ثورة عمره ما بيكون بعد شهور قليلة، ولكن الثورات بتتقيم بعد سنوات طويلة وده اللي محتاجين نؤمن بيه ونستمر. أنا مش متشائم مع إن الدنيا مش وردي والديموقراطية محصلتش في مصر والحكومة مأخدتش خطوات إصلاحية حقيقية .. كل ده فعلا محصلش واحتمال كمان ياخد وقت طويل عشان يحصل، ولكن تفاؤلي للأسباب التالية:


أولا: قطاع كبير من المصريين وخاصة جيل الشباب كسروا حاجز الخوف وبيتكلموا دلوقتي بدون خطوط حمراء عن أي قضية كان مجرد الإشارة ليها رعب من شهور قليلة بس. فيه ناس كتير هتجادل إن دول في النهاية حتى لو مليون فهما مليون وسط 85 مليون، ولكن رأيي إن دول بيشكّلوا ما يسمى بـ "الكتلة الحرجة" (الكتلة الحرجة في الفيزياء هي أقل كمية من اليورانيوم يمكن أن تحدث التفاعل النووي)، الكتلة دي ممكن مع صغر حجمها تتحول لضمير للأمة، والكتلة دي كل ما بتقرّب من دوائر الحكم كل ما بتؤثر فيها. في الماضي كانت الكتلة الحرجة في مصر يا إما خائفة تتكلم (ويا ريت كل واحد فينا يفتكر من سنتين أو تلاتة بيبقى موقفه ايه العلني من بعض القضايا الوطنية) أو فاقدة للأمل بشكل كامل (إن البلد دي مفيهاش فائدة ومفيش حاجة هتتغير)، أو بتحافظ على مصالحها بتقديم فروض الولاء والطاعة للنظام. ومستحيل أي نظام مهما كان ذكاؤه وقدراته إنه يرجّع الحاجز ده تاني في وقت قصير. 

ثانيا: انتشار وسائل الإعلام البديل، في عصور سابقة جزء كبير من نجاح الثورات وفشلها كان بينبني على قدرتها في السيطرة على الإعلام، النهاردة الكتلة الحرجة اللي اتكلمنا عليها أغلبها متصل بالإنترنت وبيقدر يتواصل مع بعضه. مصر فيها أكتر من 15 مليون مصري على الإنترنت (حسب تقديرات وزارة الاتصالات). ووسائل الاعلام البديلة قادرة على نشر الأفكار ومحاربة الفساد ومقاومة أي محاولات لغسيل الأدمغة بالبروباجندا أو الأكاذيب. ولو راقبنا الوضع كويس هنلاقي إن فيه قضايا كتيرة حتى بعد الثورة سبب انتشارها وتحويلها لقضايا رأي عام كان ظهورها في البداية على الإنترنت. خلينا كمان نلاحظ الفن الهادف اللي أصبح منتشر جدا بين الشباب على الإنترنت بعد ما بقى من السهل على أي مجموعة إنها تسجل فيلم قصير أو تنشر فكرة أو تعمل أغنية تدعو لغرض نبيل.

ثالثا: وجود كتلة جديدة من المصريين تعمل في صمت وفي اتجاه إصلاح السياسات والتأثير على اتجاهات الدولة. زمان كان في مصر العمل التطوعي والأهلي أغلبه متوجه ناحية الأعمال الخيرية، مساعدة فقير أو التبرع لأسرة بملابس قديمة أو خلافه، ده خير ومهم جدا ومفيد على المدى القصير ولكن مكانش بيساعد الناس على المدى الطويل لأنه بيفشل في تقديم حلول حقيقية لمشاكلهم. النهاردة في مجموعات كتيرة اتكونت في مناطق مختلفة في مصر بتشتغل على القضايا بشكل منهجي وبتتعلم ثقافة الضغط على السلطات لتحقيق مطالبها. فيه نقابات عمالية وزراعية تم تشكيلها، والنقابات المهنية حصل في كتير منها انتخابات حقيقية وانتهت سيطرة الفكر الأمني عليها، وفيه لجان شعبية كتيرة مسكت قضايا المناطق بتاعتها وبتصلح مشكلة مشكلة بالضغط على الأحياء والمحافظين. ومؤخرا كنت سعيد الحظ إني قابلت المجموعة اللي قدّمت التصور الكامل لحل تصويت المصريين في الخارج للوزارات واللجنة العليا للانتخابات وتم اعتماد حلّهم. استمرار الكتل دي في القيام بدورها هيضمن قدرتنا على السير في الاتجاه الصحيح.

رابعا: مصر من الدول اللي نسبة الشباب فيها مرتفعة بشكل كبير جدا، أكتر من 55% من المصريين تحت سن 25 سنة، ولو حبينا نقارن النسبة دي في دول تانية هنلاقيه 20% في أمريكا و17% في انجلترا، والمتوسط العالمي هو 27% .. طيب وده فايدته ايه؟ فايدته إن جيل الشباب الحالي مختلف بشكل كبير عن الأجيال اللي سبقته نتيجة انتشار وسائل التكنولوجيا واختلاف العصر اللي عايشين فيه. الشباب بيتميز إنه مرحلة عمرية معروفة بالتمرد وعدم الخوف من التجربة والمخاطرة وده في حد ذاته هيكون شيء مطلوب في المرحلة القادمة. ده غير إن فيه فئة محظوظة في الشباب المصري وعددهم مش قليل تلقوا تعليم محترم واشتغلوا في وظائف محترمة ويقدروا بدون أي توجيه يساهموا في نهضة بلدهم.

خامسا: الاقبال على العمل السياسي وإنشاء الأحزاب ووجود نسبة غير مسبوقة من الشباب انضموا للأحزاب أو قرروا الترشح في انتخابات مجلس الشعب، والظاهرة دي صحيّة لأنها بتصنع الخبرات السياسية اللي محتاجينها على المدى الطويل لقيادة البلد. لأن من أهم الأسباب اللي ساهمت في تدهور الأوضاع السياسية في مصر هو الاعتماد على أهل الثقة بدل من أهل الخبرة. كلنا دلوقتي بناخد دروس خصوصية في السياسة واقبال مئات الآلاف على الدخول في أحزاب والملايين على الانتخاب هيكون عامل مؤثر في مستقبل البلد. 

متفائل لأن فيه مصري واجه قدام مدرعة ووقفها .. ومصري عمل لجان شعبية في ميت عقبة ساهمت في توصيل الغاز لكل البيوت .. ومصري رفع قضية ادت الحق للمصريين في الخارج في التصويت .. ومصري اتبرع بتلاتين مليون دولار أمريكي عشان مصر تبني صرح تعليمي حقيقي .. ومصرية وهبت حياتها للدفاع عن قضايا حقوق الإنسان رغم إنها لسه شابة عمرها أصغر من 25 سنة .. متفائل لأن فيه 18 مليون شخص نزلوا وقفوا في طابور لأول مرة في تاريخ البلد عشان يقولوا رأي .. متفائل لأن الأطفال اللي عمرهم من 10 لـ 15 سنة نزلوا المظاهرات وهتفوا الشعب يريد اسقاط النظام وشافوا حاجات احنا عمرنا ما شفناها واحنا صغيرين.

أتمنى إن فكرتي تكون وصلت، والقضية للمرة التانية مش قضية تفاؤل مطلق ولكن تفاؤل لازم يكون مرهون بعمل. محتاجين نستبدل طاقة الغضب والخوف على المستقبل لعمل حقيقي على الأرض يصب في مصلحة الثورة. والعمل ده يتنوع ويختلف ميكونش مقصور على فكرة واحدة زي التظاهر أو الاعتصام، فقضية المصريين بالخارج وتصويتهم حصلت لأن مجموعة محاميين قرروا يرفعوا قضية أمام القضاء الإداري لإجبار الحكومة على التصويت، ومجموعة أخرى من المتطوعين قدمت تصور كامل للحل. محتاجين كلنا نفكر جديا لحلول غير تقليدية بالنسبة لينا لمشاكلنا. 

حوّل غضبك لعمل على الأرض لإصلاح ما أفسده من حكمنا لعشرات السنين .. وتفاءل :)

عيش - حرية - عدالة اجتماعية

التعليقات