25/04/2023 - 18:11

الهولوكوست الأبيض: كيف تمّت إبادة السكّان الأصليّين في أميركا؟

من أكثر المذابح المعروفة للسكّان الأصليّين هي مذبحة "الركبة الجريحة"، والتي حدثت في 29 كانون الأوّل/ ديسمبر 1890، عندما فتح الجنود الأميركيّون النار على مجموعة من السكّان الأصليّين العزل الّذين أمروا بتسليم أسلحتهم

الهولوكوست الأبيض: كيف تمّت إبادة السكّان الأصليّين في أميركا؟

(Getty)

لا يزال تاريخ السكّان الأصليّين في أميركا محطّ جدل كبير، إذ تجدّد هذا الجدل مؤخّرًا، بعد حظر ولاية نيويورك الأسماء والتمائم والشعارات الخاصّة بهم في المدارس العامّة. ويتّسم تاريخ الأميركيّين الأصليّين بالمآسي والعديد من المجازر الدمويّة وأعمال العنف التي ارتكبت ضدّهم، من أجل السيطرة على أراضيهم وانتزاعها منهم، والتي تعدّ فصلًا مظلمًا في التاريخ الأميركيّ.

عاش الأميركيّون الأصليّون في أميركا منذ آلاف السنين، قبل وقت طويل من وصول الأوروبّيّين إلى القارّة، حيث كان لديهم ثقافاتهم وتقاليدهم وأنماط حياتهم المتميّزة، ومع وصول الأوروبّيّين في القرن السادس عشر، تغيّرت حياة الأميركيّين الأصليّين إلى الأبد.

جلب الأوروبّيّون معهم أيضًا رغبتهم في السيطرة في الأرض والموارد، وهذه الرغبة ستؤدّي في نهاية المطاف إلى الإبعاد القسريّ للسكّان الأصليّين من أراضيهم، حيث نفّذت الحكومة الأميركيّة سياسات تفضّل توسّع المستوطنين البيض على أراضي السكّان الأصليّين، ممّا أدّى إلى العديد من الصراعات والمذابح.

من أكثر المذابح المعروفة للسكّان الأصليّين هي مذبحة "الركبة الجريحة"، والتي حدثت في 29 كانون الأوّل/ ديسمبر 1890، عندما فتح الجنود الأميركيّون النار على مجموعة من السكّان الأصليّين العزل الّذين أمروا بتسليم أسلحتهم، حيث قتل أكثر من 150 من السكّان الأصليّين، بما في ذلك النساء والأطفال، ويمثّل هذا الحدث نهاية الحروب الهنديّة، وهي فترة صراع بين الحكومة الأميركيّة ومختلف القبائل الأصليّة، وفي مذبحة أخرى معروفة باسم ساند كريك، الّتي وقعت في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1864، والتي هاجم فيها الجنود الأميركيّون قرية سلميّة من شايان وأراباهو السكّان الأصليّين، ممّا أسفر عن مقتل أكثر من 150 من الرجال والنساء والأطفال، وقام الجنود بتمثيل جثث القتلى، بما في ذلك سلخ فروة الرأس وقطع الأوصال، حيثتمّ إدانة المذبحة على نطاق واسع في ذلك الوقت، إلّا أنّ أحدًا لم يحاسب على المذبحة.

كانت السيطرة على الأرض عاملًا رئيسيًّا في النزاعات بين الحكومة الأميركيّة وقبائل السكّان الأصليّين، حيث نفّذت الحكومة الأميركيّة سياسات تفضّل توسّع المستوطنين البيض على أراضي السكّان الأصليّين، ممّا أدّى إلى العديد من المذابح، وكانت إحدى أهمّ السياسات هي قانون الإزالة الهنديّ لعام 1830، الّذي أجاز الإبعاد القسريّ للسكّان الأصليّين من أراضيهم في جنوب شرق الولايات المتّحدة، ما أجبر السكّان الأصليّين على السير مئات الأميال إلى ما يعرف الآن بأوكلاهوما، في طريق عُرف باسم "درب الدموع"، إذ مات الآلاف على طول الطريق بسبب المرض والجوع.

ونفّذت الحكومة الأميركيّة أيضًا سياسات أدّت إلى التهجير القسريّ للسكّان الأصليّين من أراضيهم في الغرب، حيث سمح قانون "Homestead" لعام 1862 للمستوطنين البيض بالمطالبة بـ 160 فدّانًا من الأرض مقابل رسوم رمزيّة، ممّا أدّى إلى تدفّق المستوطنين البيض على أراضي السكّان الأصليّين، ووقّعت الحكومة أيضًا معاهدات عديدة مع قبائل السكّان الأصليّين، ووعدت باحترام أراضيهم وسيادتهم، ولكن غالبًا ما تمّ تجاهل هذه المعاهدات أو خرقها.

أجريت العديد من الدراسات حول المذابح وسياسات التحكّم في الأراضي الّتي أثّرت على مجتمعات السكّان الأصليّين، وإحدى الدراسات الّتي أجراها ديفيد إي ستانارد، بعنوان "الهولوكوست الأميركيّ: غزو العالم الجديد"، تقدّم نظرة عامّة شاملة عن العنف الّذي يرتكبه الأوروبّيّون وأحفادهم ضدّ الأميركيّين الأصليّين، حيث يناقش ستانارد أنّ العنف لم يكن نتيجة أفعال فرديّة فحسب، بل كان سياسة إبادة متعمّدة، وقال إنّ عدد القتلى بين السكّان الأصليّين كان أعلى بكثير ممّا كان يعتقد سابقًا، حيث تشير بعض التقديرات إلى أنّ ما يصل إلى 56 مليون شخص ربّما ماتوا نتيجة للاستعمار الأوروبّيّ.

وتركّز دراسة أخرى بعنوان "تاريخ الشعوب الأصليّة في الولايات المتّحدة" على تاريخ السكّان الأصليّين في الولايات المتّحدة وتفاعلهم مع المستعمرين الأوروبّيّين، والتي جاء فيها أنّ سياسات العنف والسيطرة على الأراضي لم تكن مجرّد سلسلة من الحوادث المعزولة، ولكنّها كانت جزءًا من نظام أكبر من الاستعمار والرأسماليّة سعى إلى استغلال أراضي وموارد السكّان الأصليّين من أجل الربح.

التعليقات