من هي قوّات "الجنجويد" السودانية التي نفذت مجزرة القيادة العامّة؟

وليست هذه المذبحة غريبةً عن قوّات الجنجويد، الّتي تمارس جرائم الاغتصاب والتّنكيل والتّمثيل بالجثث في إقليم دارفور منذ عام 2003، بقيادة قائدها في دارفور، محمد حمدان دقلو، الملقب بـ"حميدتي"، والّذي يعتبر نفسه "الرجل القوي" بين العسكر.

من هي قوّات

(أرشيفية - أ ف ب)

ما زال السّودانيّون يعدّون ضحايا المذبحة الّتي نفّذتها قوّات الأمن لفضّ اعتصام المعارضة فجر يوم الإثنين الماضي، والّتي تضمّنت قيام "قوّات الدّعم السّريع" الّتي تدعى "الجنجويد" بقتل المعتصمين وإلقاء جثثهم في النيل بعد ربطها بالصّخر، لتصل حصيلة المذبحة في إحصاء أمس، الخميس، إلى أكثر من 110 ضحايا.

وليست هذه المذبحة غريبةً عن قوّات الجنجويد، الّتي تمارس جرائم الاغتصاب والتّنكيل والتّمثيل بالجثث في إقليم دارفور منذ عام 2003، بقيادة قائدها في دارفور، محمد حمدان دقلو، الملقب بـ"حميدتي"، والّذي يعتبر نفسه "الرجل القوي" بين العسكر.

وتعتبر قوّات الجنجويد أو قوّات الدّعم السّريع مليشيا قبليّة، تابعة للحكومة السودانية تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وخلال عامي 2014 و2015 قامت بحملتين لمكافحة التمرد في إقليم دارفور المحاصر منذ وقت طويل، شملتا مهاجمة القرى وإحراق ونهب البيوت، عدا عن أعمال الاغتصاب والإعدام، بغطاء جوي ودعم بري من القوات والمليشيات المدعومة من الحكومة.

وبدأت الحملة الأولى التي سمّيت بـ"عملية الصيف الحاسم" في البداية في جنوب دارفور وشماله في أواخر شباط فبراير واستمرّت حتّى بدايات شهر أيّار/ مايو 2014؛ أما الثانية، وهي "عملية الصيف الحاسم 2"، فبدأت في أوائل كانون الثّاني/ يناير 2015 وما زالت مستمرّة حتّى اليوم، وقد دارت في بدايتها في وحول منطقة جبل مرة الجبلية الواقعة بالأساس في وسط دارفور.

عنصر من الجنجويد عقب إحراق قرية مهجرة في إقليم دارفور (أرشيفية - أ ف ب)

ووفق ما ذكره تحقيق لمنظّمة "هيومن رايتس ووتش"، فقد ارتكبت قوات الدعم السريع أشكالًا عديدةً من الانتهاكات المروعة، بينها التهجير القسريّ لمجتمعات بالكامل، والتّعذيب والقتل خارج نطاق القضاء والاغتصاب الجماعي، عدا عن تدمير الآبار ومخازن الغذاء وغيرها من البنى التحتية اللازمة لاستمرار الحياة في بيئة صحراوية قاسية، ونهب الثروة الجماعية للعائلات، مثل الماشية؛ بحسب ما رواه 151 ناجيا ممّن فرّوا من السودان إلى تشاد وجنوب السودان في مقابلات مع المنظّمة؛ ووفقًا للتّقرير فقد تعرض الكثير من المدنيين إلى القتل على يد قوات الجنجويد عندما رفضوا مغادرة منازلهم أو تسليم مواشيهم، أو عندما حاولوا منع مقاتلي قوات الدعم السريع من اغتصابهم أو اغتصاب أفراد أسرهم.

وربّما تكون قرية قولو في دارفور مثالًا مناسبًا للمسيرة الدّمويّة الّتي سطرتها قوّات الدّعم السّريع، فالبلدة تقع تحت سيطرة متنازع عليها لجيش تحرير السّودان فصيل عبد الواحد النور المتمرد، إلّا أنّها كانت طوال العام الماضي تحت سيطرة الحكومة السّودانيّة.

وفي 24 كانون الثّاني/ يناير 2015، سيطرت قوات الدعم السريع على البلدة، فأحرقت المباني وقامت بعمليات نهب. ووفق تقرير أعدّته "هيومن رايتس ووتش" بناءً على شهادات 21 شخصًا ممّن كانوا في البلدة والقرى المجاورة، فقد شهدت قولو عمليات قتل واغتصاب وضرب وسلب على نطاق واسع، فيما تشير تقارير كان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قد تلقاها إلى أنّ ما يصل لـ130 ألف شخص ما زالوا نازحين في مناطق بعيدة عن متناول وكالات الإغاثة الإنسانية.

ويظلّ هؤلاء النّازحون يواجهون خطر الموت بسبب الجوع أو المرض أو التعرض إلى العوامل الجوية، في ظلّ نقص ما يكفي من الغذاء والمأوى والرعاية الطبية، وعدم القدرة على العودة إلى بيوتهم أو مزارعهم.

كما نشرت "هيومن رايتس ووتش" تحقيقًا اعتمد على شهادات خمسة ضباط منشقّين من القوات الحكومية السودانية: عضوان من قوات الجنجويد، وجنديان من القوات المسلحة السودانية، وعنصر من حرس الحدود؛ وأفاد التّقرير بأنّ أربعة من المنشقين شاركوا في الهجمات في جبل مرة أو شرق جبل مرة، وقد قال أربعة من الخمسة إن القادة من الضباط أمروا وحداتهم بتنفيذ فظائع ضد المدنيين. وأقر واحد بارتكاب جرائم خطيرة بنفسه.

وقد تغاضت القوات الحكومية عن هذه المجازر وشاركت بشكل مباشر في عمليات إعدام سريعة للمدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء، وفي حرق البلدات والقرى والإخلاء القسري لمناطق واسعة كانت مأهولة بالفور والمساليت والزغاوة. وقامت "الجنجويد" بتدمير المساجد وقتل رجال الدين والعبث بنسخ القرآن التابعة لأعدائها؛ كما أقدمت الحكومة وحلفاؤها "الجنجويد" على اقتياد أكثر من مليون مدني، معظمهم مزارعون، إلى معسكرات ومستوطنات حيث يعيشون على الكفاف خاضعين لإساءات "الجنجويد".

وتعود علاقة قوّات الدّعم السريع والحكومة السّودانية إلى عام 2006 حين أعلن قائدها في إقليم دارفور، العروف باسم حميدتي، تمرّده على نظام البشير، وبدأت حكومة السودان في مفاوضته على السعر ليعود بعد 6 أشهر وينهي تمرّده ويعلن وقوفه إلى جانب النظام السوداني، مرّة أخرى، لاحقًا، بدأت الانشقاقات تضرب الجنجويد، ولم يبق منهم أي موالٍ للحكومة إلا حميدتي، فكان من الطبيعي أن يختاره نظام البشير لقيادة قوّات التدخّل السريع، وهي قوة شبه عسكرية معزّزة كان هدفها القضاء على الجنجويد، غير أنها لم تنجح في ذلك، قبل أن تتحوّل إلى ميليشيا غير خاضعة للمراقبة وتشارك في عمليات النهب والقتل والاغتصاب في دارفور وفي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

وشيئًا فشيئًا، بدأ نظام البشير في شرعنة أعمال قوات التدخّل السريع، فقمعت مظاهرات أيلول/ سبتمبر 2013 بوحشيّة أدّت إلى مقتل ما لا يقل عن 200 متظاهر، فأخضعت أولا لإشراف المخابرات السودانيّة، قبل أن تنقل لإشراف البشير مباشرة.

التعليقات