وفاة ميشيل كيلو.. كرّس حياته لأجل الحرية وترك رسالة للسوريين

توفي اليوم الإثنين، المعارض والكاتب السوري، ميشيل كيلو، إثر تدهور حالته الصحية بعد إصابته بفيروس كورونا، عن عمر ناهز الـ81 عامًا.

وفاة ميشيل كيلو.. كرّس حياته لأجل الحرية وترك رسالة للسوريين

الراحل المعارض ميشيل كيلو

توفي اليوم الإثنين، المعارض والكاتب السوري، ميشيل كيلو، إثر تدهور حالته الصحية بعد إصابته بفيروس كورونا، عن عمر ناهز الـ81 عامًا.

وعندما تدهورت حالته الصحية، كتب كيلو، مقالا بعنوان "إلى السوريين" نُشر في صحيفة "العربي الجديد" في 9 نيسان/ أبريل 2021، فيه وصية للشعب السوري وهو يرقد في فراش مرضه في المستشفى في باريس.

كانت كلمات كيلو الأخيرة عبارة عن بثّ شحنات من الأمل للسوريين في استعادة حريتهم، وافتتح مقاله قائلا: "لن يحرّركم أي هدف غير الحرية فتمسّكوا بها، في كل كبيرة وصغيرة، ولا تتخلّوا عنها أبدا، لأن فيها وحدها مصرع الاستبداد، فالحياة هي معنى للحرية، ولا معنى لحياةٍ بدون حرية. هذا أكثر شيء كان شعبنا وما زال يحتاج إليه، لاستعادة ذاته، وتأكيد هويته، وتحقيق معنى لكلمة المواطنة في وطننا".

وقال كيلو: "لا تنظروا إلى شعبكم ووطنكم من خلال أهوائكم وأيديولوجياتكم وهوياتكم، الآنية والضيقة والسطحية، بل انظروا إلى ذلك كله، من خلال شعبكم ووطنكم، عامل غنى وإثراء وتفاعل وتكامل وتعاضد، فالتقوا بمن يختلف معكم، بعيدا عن انحيازاتكم الهوياتية أو الأيدولوجية التي كانت تصوّره عدوا لكم، فيما عدونا جميعا هو الاستبداد الذي سلب حقوقنا وحرياتنا".

وأوضح في رسالته: "لن تقهروا الاستبداد منفردين أو متفرقين.. لن تقهروه إذا لم تتّحدوا في إطار وطني، وعلى كلمة سواء، وأقصد على رؤيةٍ وطنيةٍ جامعةٍ.. رؤية غير هوياتية، وغير أيدولوجية، ففي وحدتكم خلاصكم، فتدبّروا ذلك، متغلّبين على كل الحساسيات والعصبيات والحسابات الشخصية والفئوية، مهما كان نوعها، أو تصنيفها".

ولم تغيب فلسطين عن وصيته وجاء في مقاله: "لا تنسوا يوما أن قضية فلسطين هي جزء من قضايانا الأساسية، ففلسطين قضية حرية وكرامة وعدالة، وقضية شعبنا، أيضا، كذلك، وتلك القيم السامية لا تتجزأ. كفاحنا مع شعب فلسطين جزءٌ من كفاحنا ضد الاستبداد، وبالعكس. ولتبق قضية استعادة الجولان في مقدّمة أجندتنا الوطنية".

توفي كيلو فيما يعيش السوريون تحت وطأة أزمات معيشية في الداخل، والتشرد بكل ألوانه في الخارج، وفيما باتت سورية عرضة للتقسيم، بعدما تحوّلت إلى مناطق نفوذ لقوى إقليمية ودولية.

رحل كيلو منفيًّا، قبل أن يقطف بنفسه ثمار نصف قرن من العمل السياسي المعارض لتقويض نظام الاستبداد في سورية، ولكنه شهد على مدى أكثر من عشر سنوات انتفاضة السوريين التي لطالما حلم بها، وقضى من أجل الوصول إليها سنوات طويلة من عمره في معتقلات نظام الأسد الأب والابن.

وُلد كيلو في مدينة اللاذقية عام 1940، وعاش طفولته في أسرته وبرعاية من والده الذي كان واسع الثقافة. تلقى كيلو تعليمه في اللاذقية وعمل في وزارة الثقافة والإرشاد القومي.

تقلّد كيلو، منصب رئيس "مركز حريات" للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، وهو ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني وأحد المشاركين في صياغة إعلان دمشق، وعضو سابق في الحزب الشيوعي السوري في المكتب السياسي، ومحلل سياسي وكاتب ومترجم وعضو في اتحاد الصحافيين السوريين.

كان لكيلو حصة من ترجمة بعض الكتب الفكرية السياسية إلى اللغة العربية منها كتاب "الإمبريالية وإعادة الإنتاج" و"كتاب الدار الكبيرة"، و"لغة السياسة" و"الوعي الاجتماعي".

مع انطلاق ثورات الربيع العربي في عام 2011، تحقق ما عمِل كيلو وسوريون آخرون عليه طيلة 30 عامًا، حيث اندفعت جموع السوريين إلى الشوارع، معلنة انتهاء "زمن الخوف" وبدء ثورة شعبية جرت كثير من الدماء تحت جسورها بسبب الحرب التي شنّها النظام على طالبي التغيير في البلاد.

وتطلّع المنتفضون إلى ميشيل كيلو منذ الأيام الأولى للثورة، فلم يخيّب ظنهم كما فعل الكثيرون من المنتمين إلى اليسار السياسي، فأعلن تأييده المطلق للثورة، وهو ما عرّضه إلى مضايقات من قبل الأجهزة الأمنية هددت حياته، لأن هذه الأجهزة تدرك أهمية الرجل واتفاق السوريين عليه.

وترك كيلو البلاد خشية التنكيل به، كما فعل أغلب المعارضين المعروفين، ليؤسس مع مجموعة من المعارضين في العاصمة المصرية القاهرة عام 2012 "المنبر الديمقراطي السوري". ثم أطلق كيلو هيئة "سوريون مسيحيون من أجل العدالة والحرية"، بهدف "ردم الهوّة بين المسيحيين وبقية الشعب..." كما قال حينها.

ولكن هذه الخطوة لم تجد ترحيبًا من الأوساط السورية المعارضة بسبب الخشية من تكريس واقع بدأ يتشكل في سورية، يقوم على العصبيات القومية والدينية والمذهبية.

وفي عام 2013 انضم كيلو إلى "الائتلاف الوطني السوري" الذي كان تأسس في العاصمة القطرية الدوحة، ثم أسّس في العام ذاته أيضًا "اتحاد الديمقراطيين السوريين".

ترك كيلو لاحقًا، المشهد السياسي المؤسسي، واستقر في باريس، ثمّ تفرغ للكتابة في صحف عربية، تحديدًا في صحيفة "العربي الجديد"، التي ظل يكتب فيها عمودًا أسبوعيًا ثابتًا حتى رحيله، لتشريح ما جرى خلال عقد كامل من عمر الثورة، ولحضّ السوريين على الاستمرار فيها لأن "النظام، مع حليفيه الإيراني والروسي، لم ينتصر"، وفق ما جاء في الرسالة الأخيرة لكيلو.

التعليقات