السنغال: "الأنامل الناعمة" تغزو عالم إصلاح السيارات

تي- شيرت أحمر، تعتليه بقع زيوت المحركات الداكنة، ومفكّ تمسكه بيدها اليسرى لمعالجة قطع المحرّك التي فكّكتها بحثا عن موطن الخلل.. تلك هي نداك دياني، السنغالية ذات الـ 20 عاما، والتي اختارت مهنة إصلاح السيارات.

السنغال:

تي- شيرت أحمر، تعتليه بقع زيوت المحركات الداكنة، ومفكّ تمسكه بيدها اليسرى لمعالجة قطع المحرّك التي فكّكتها بحثا عن موطن الخلل.. تلك هي نداك دياني، السنغالية ذات الـ 20 عاما، والتي اختارت مهنة إصلاح السيارات رغم ما تتطلبه من مجهود بدني، قد يتجاوز طاقتها في العديد من الأحيان.

لكن، ورغم مشقة ما تقوم به، إلا أنها تجد متعة كبيرة في ذلك، نابعة من شغفها بهذا المجال، تماما كالكثيرات غيرها من نساء بلادها.

ورغم نظرات الاستغراب التي يرمقها بها عدد من المارة، إلا أن الشابة لا تجد حرجا في الإنكباب على عملها بكل جدّية. "إنه عملي اليومي"، تقول نداك، وعيناها تتابعان القطع الصغيرة المتناثرة بغير انتظام أمامها: "في كل مرة، أجد نفسي أمام أنواع مختلفة من محركات السيارات، ولقد تعاملت مع مختلف الماركات وجميع أنواع العطب".

عالم خشن قد لا يتلاءم مع نعومة تلك الأيادي، إلا أن نداك تسلّحت بشجاعة استثنائية لتقتحمه، منذ أكثر من عامين، حيث انطلقت رحلتها في مستودع "فام أوتو" (المرأة للسيارات) بأحد الأحياء الشعبية في العاصمة داكار، والذي يضمّ أغلبية نسائية (12) خلصت المجال من احتكار ذكوري لازمه منذ ظهوره.

"اخترت طوعا ممارسة هذه المهنة"، تتابع نداك بذات الحماس، "فلقد انتابني شغف خاص لها منذ نعومة أظافري، حين كنت أرافق والدي في رحلات طويلة بالسيارة، وكنا نضطرّ، في بعض الأحيان، للتوقّف لاستبدال الإطارات، أو إنعاش المحرّك عبر تزويده بالمياه".

شابة أخرى، أصغر سِنا من نداك، تدعى مريم سار، لا تزال في طور التدريب والذي يستمر لحوالي عامين ونصف. مريم قالت بحماس ترجَمَتْهُ نظراتُها الثاقبة: "منذ يونيو/ حزيران الماضي، التحقت بهذا المستودع كمتدربة، من أجل الإلمام بجميع تفاصيل وأسرار هذه المهنة، فأنا أقوم بتفكيك قطع الغيار واستبدالها، وإصلاح مختلف أنواع العطب التي يمكن أن تطرأ على أي جزء من السيارة أو من محركها".

باباكار، ميكانيكي شاب يعمل في مرآب "فام أوتو" أيضًا، وهو من بين الرجال الـ 8 المتواجدين في المكان، أشار، إلى أنّ "الفتيات يبلين جيّدا في هذا المجال، فهن يتمتعن بالذكاء، كما أنهن يتأقلمن سريعًا مع متطلبات العمل"، مضيفًا أن "بعض الزبائن الذين يأتون لأول مرة إلى هذا المستودع، يستغربون وجود نساء فيه، وقد يشكّكون في قدرتهن على إصلاح سياراتهم، لكن، وبمجرّد إلقاء نظرة على نتيجة العمل، فإنهم يعربون عن رضاهم التام".

مريم تحدّثت أيضًا عن بعض "الأحكام المسبقة" التي يصدرها عدد من الزبائن في حقّ نساء المستودع، لافتة إلى أن نتائج عملهن سرعان ما تفنّد جميع التخمينات السيئة، وأنّ اختيارها لهذه المهنة نابع في المقام الأول من بحثها عن تحقيق الاستقلالية المادية.

وأضافت، "اخترت مهنة شاقة نوعًا ما، لأن ذلك يقلل، أولا، من حدّة المنافسة، ثم إنها تمكنني من الحصول على إيرادات تمكنني، بالتالي، من مساعدة والدينا وحتى أزواجنا، ولذلك، فمن عساه يتذمّر من مهنة توفر جميع هذه المزايا؟".

مريم أوضحت أيضًا أنه ولدى انتهاء فترة تدريبها، فإنها تتطلع إلى جني إيرادات شهرية تتراوح من 70 ألف إلى 100 ألف فرنك أفريقي (من 120 إلى 170 دولار)، تماما مثلما تحصل عليه زميلاتها.

نداك دياني عادت لتقول إنه "باستطاعتنا ممارسة المهن المحتكرة من قبل الرجال، إنه عمل صعب نوعا ما، غير أننا نبدي صمودا ملحوظا"، قبل أن تضيف ساخرة: "نعمل بمعدّل 8 إلى 18 ساعة (في اليوم)، ولا أعرف الكثير من الرجال ممن بإمكانهم الصمود لأكثر من 10 ساعات يوميًا".

"فام أوتو" هو مستودع تابع لشركة تحمل ذات الاسم، ويشكّل تجسيدًا لحلم مؤسسته في 2006 ندايي كومبا مبانغي، وهي سيدة في الأربعين من عمرها، قالت إنها عشقت هذه المهنة منذ عام 1993، وذلك اثر ارتيادها مركز التدريب السنغالي الياباني، وهو عبارة عن معهد متخصّص في التدريب في مجال الميكانيكا، ويشكّل ثمرة شراكة بين داكار وطوكيو.

مبانغي، الحاصلة على مؤهل "تقني صناعي" من المركز المذكور، عملت لأكثر من 15 عاما لدى العديد من باعة السيارات في بلدها السنغال، قبل أن تفتتح "فام أوتو"، والذي يعتبر من المستودعات النادرة التي تقبل تشغيل النساء في إصلاح السيارات.

وتوضيحا للدوافع الكامنة وراء ذلك، قالت مبانغي: "حين قدّمت استقالتي لافتتاح هذا المستودع، كنت أطمح إلى تشجيع النساء اللاتي يتقن إلى ممارسة هذه المهنة، غير أنهن لم ينجحن في ذلك بسبب عدم توفر الفرصة، بما أن أصحاب الشركات لا يحبّذون تشغيل النساء بحجة أنهن يتغيّبن عن العمل، وأنهن يفقدن قدراتهن البدنية على ممارسته ببلوغهن سنا معيّنة".

ومنذ تأسيسه، وفّر مستودع "فام أوتو" تدريبًا لحوالي 30 فتاة، بحسب مؤسسته، والتي تشرف شخصيا على تكوينهن إلى حين نهاية فترة تدريبهن، قبل أن تمنحهن حق الاختيار بين مواصلة العمل معها أو البحث عن فرصة أخرى في مكان مختلف.

مبانغي ختمت حديثها قائلة: "درّبت فتيات يعملن حاليا في كبرى مؤسسات بيع السيارات، بينما افتتحت أخريات، وعددهن قليل، مستودعاتهن الخاصة، فيما فضلت أخريات التخلي عن المهنة إثر زواجهن"، لافتة إلى أنها نجحت، وفي جميع الحالات، في "غرس روح التحدّي في أنفسهن في لحظة ما على الأقلّ".

التعليقات