نهر "روسيزي": همزة وصل ونقطة التقاء حضارتين

حدود طبيعية يشكلها ذلك النهر الصغير الفاصل بين البلدين، والذي تحول بمرور الزمن إلى شريان حياة بالنسبة لسكان الجانبين. ففي بلدة "روبينغا" بمنطقة "روغومبو"، البوروندية، يتدفق كل يوم المئات من السكان، على متن دراجاتهم وعرباتهم الصغيرة المحمل

نهر "روسيزي": همزة وصل ونقطة التقاء  حضارتين

الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، وأشعة الشمس تخترق المياه الصافية لـ'روسيزي'، هذا النهر الذي تصب عبره بحيرة كيفو في بحيرة 'تنجانيقا'، والتي تعد واحدة من أكبر البحيرات الإفريقية، وتفصل بين الشمال الغربي لبوروندي وشرقي الكونغو الديمقراطية.

حدود طبيعية يشكلها ذلك النهر الصغير الفاصل بين البلدين، والذي تحول بمرور الزمن إلى شريان حياة بالنسبة لسكان الجانبين. ففي بلدة 'روبينغا' بمنطقة 'روغومبو'، البوروندية، يتدفق كل يوم المئات من السكان، على متن دراجاتهم وعرباتهم الصغيرة المحملة بالبضائع، ليسلكوا ذات الدروب الضيقة والرطبة، والتي تحدوها حقول الأرز على جانبيها.

أكياس مثقلة بالفاصوليا والذرة والأرز، وأعداد من الدجاج والماعز، تحملها تلك الأجساد التي تتهادى مسرعة لعبور النهر على متن القوارب والعبارات، في مشهد يتكرر يوميا ويتماثل حد التماهي مع نظيره في الجانب الآخر للنهر، من جهة الكونغو الديمقراطية، حيث يعبر الكونغوليون إلى الجانب البوروندي محملين بأعواد الكبريت والصابون والدفاتر وغيرها من السلع التي يزمعون عرضها للبيع.

وبوصولهم إلى الضفاف البوروندية، يخضع الكونغوليون إلى فحص هوياتهم في نقطة مراقبة عسكرية بوروندية، وقد يضطروا أحيانا للمرور على فرق مختصة في جمع الضرائب البلدية.

أما من الجانب الكونغولي، فيتراءى للمرء، بمجرد وصوله، وعلى بعد نحو مائة متر تقريبا، مكتب صغير دونت عليه بأحرف قاتمة عبارة 'مكتب الهجرة'، قبل الخضوع للمراقبة من قبل عدد من ضباط الشرطة، والإجراءات نفسها تجري عند مغادرة البلاد، أي عند منفذ الخروج منها. وغير بعيد عن ذلك المكان المزدحم بـ'المسافرين' من الجانبين، تتناثر أكواخ صغيرة على ضفاف النهر، يستخدمها هؤلاء اتقاء للمطر أو للحرّ الشديد.

ومع أن الحدود غالبا ما تكون خطّا فاصلا بين نقطتين، إلا أن نهر 'روسيزي' كسر هذه القاعدة الفيزيائية، ليشكل جسرا وهمزة وصل على أكثر من صعيد. فعلى ضفتيه، نسجت العديد من علاقات الصداقة بين شعبين اجتازت علاقاتهما مستوى الربح الاقتصادي المتأتي من عمليات التبادل التجارية، لترتقي إلى علاقات إنسانية وطيدة، بحسب شهادات.

وقالت مسؤولة الإدارية لبلدية 'روغومبو'، بياتريس قادري، إن ما لا يقل عن 5 أطنان من الذرة، و4 مثلها من الفاصوليا، تعبر أسبوعيا من بوروندي في اتجاه الكونغو الديمقراطية، مضيفة أن ما بين 100 إلى 150 شخصا، يسلكون معبر 'روبينغا' يوميا، ومجمل هذه الأرقام يمكن أن تتضاعف لأكثر من مرة خلال الأيام التي تصادف انعقاد الأسواق الأسبوعية في هذا الجانب أو ذاك (الأربعاء والأحد). <br> >واستننادا إلى تفوّق عملتهم على الفرنك البوروندي، اعترف الكثير من التجار الكونغوليين، بأنهم يفضلون التزود من الأسواق البوروندية، بينهم أوبين باهيمبا، وهو تاجر كونغولي قال إنه يأتي من منطقة روفونغي' في جنوب كيفو، لـ 'التزود بالبضائع شبه الغذائية في معظم الأحيان'.

'عملتنا متفوقة على نظيرتها البوروندية'، يتابع الشاب الكونغولي، 'ولذلك نحن نأتي إلى هنا، فالمبادلات التجارية تكون مثمرة للغاية بالنسبة لنا'.

هنري بيسيماوا، هو الآخر من الكونغو الديمقراطية، غير أنه وصل لتوه إلى الجانب البوروندي في رحلة قال إنها الأولى من نوعها بالنسبة له. 'دفعت ألف فرنك كونغولي 'أقلّ من دولار واحد' كلفة لوصولي إلى هنا'، يتابع هذا المزارع الذي جاء لزيارة أصدقائه من مزارعي الأرز في 'روغومبو'، بابتسامة مشحونة بالفخر، 'وأنا سعيد لانتهاء رحلتي دون حوادث تذكر'.

وبالنسبة للبورونديين، فإن سعر تنقلهم إلى الجانب الكونغولي محدد بنحو ألف و200 فرنك بوروندي 'ما يعادل أقل من دولار واحد'، فيما تحدد أسعار البضائع وفقا لوزنها.

وعلاوة على التبادل التجاري، فإن الكونغوليين والبورونديين يعبرون النهر لتبادل الزيارات العائلية، أو لحضور المناسبات والاحتفالات، وخصوصا حفلات الزواج، بحسب جوديث كيزا، إحدى سكان 'روغومبو'، والتي قالت إنها 'ذاهبة إلى روفونجي لحضور حفل زفاف صديقي'، لافتة إلى أنها لم تواجه مشاكل الزحام المعهودة، بفضل تحسن الطقس.

ولمواجهة التيارات المائية التي غالبا ما تكون عنيفة في نهر 'روسيزي'، أوضح أحد أصحاب العبارات، أنه يتحتم على الزوارق والعبارات التي تكون مشحونة بالسلع والأشخاص أن تسير بمحاذاة النهر، حيث يكون التيار أقلّ حدة، وعند بلوغ مسافة معينة، يمكن الزيادة في السرعة، وهذا ما يتطلّب خبرة من أجل المناورة بالقارب وتوجيهه نحو الضفة المقابلة باستخدام مجذاف الخشب'.

اقرأ/ي أيضًا | كرسي لكاتبة هاري بوتر يباع بنحو 400 ألف دولار

المئات من الأشخاص يعبرون قادمين أو متجهين نحو هذا الجانب أو ذاك، في حركة وجلبة لا تهدأ حتى مع حلول ساعات المساء الأولى. تبادل تجاري وعلاقات صداقة ونسب تنسج عبر ذلك النهر الذي يقف شاهدا على ولادة علاقات اجتماعية شكلت نقطة التقاء بين حضارتين.

التعليقات