التخيل الوجداني... تفاعلات تزيد ذكاء الإنسان

التخيل الوجداني... تفاعلات تزيد ذكاء الإنسان

يحتوي التراث السيكولوجي للإنسان على مفاهيم عدة ترتبط جميعها بالعقل وخلايا الدماغ، من أبرزها مصطلح التخيل الوجداني أو الانفعالي كما يطلق عليه علميا، والذي ثبت ارتباطه بحجم الذكاء الإنساني من خلال منطقة تسمى “منطقة التفاعل”، تربط بين الخلايا المعرفية داخل الدماغ والنظام الانفعالي، مما يجعله يسهم في تنمية المهارات العقلية ويؤثر إيجابيا على خلايا المخ، حيث يعمل التخيل الوجداني على تنشيطها، ويكسب العقل درجة من اليقظة والوعي، فهو يعيد عرض الملفات المكتوبة والصور من خلال التخيل على العقل مرات عديدة، ومن ثم يقوم بتحليلها وبحثها وترجمتها في كل مرة، مما يؤدي إلى تحفيز الدماغ على العمل المتواصل، الأمر الذي ينتج عنه مرور متواصل للدورة الدموية، وبالتالي تجديد الخلايا تلقائيا، وتظهر هذه النتائج من خلال تزايد مستمر في مستوى ذكاء الفرد، وفي نظرته المتطورة للمواقف والقرارات التي يتخذها.

وعن التعريف الدقيق للتخيل الوجداني، يقول د. جميل صبحي، استشاري الأمراض النفسية والعصبية: إنه عبارة عن فهم حسي لكل ما يدور داخل الذات والآخرين، وتخيل كامل لكل الأحداث المحتملة منهم، ومحاولة تكييف العقل عليها، بعد الاطلاع على الموقف الذاتي منها وردة فعل العقل نحوها، كما يصنفه بعض علماء النفس الغربيين بأنه توظيف حسي أو وجداني لكل ما يدور داخل النفس للارتقاء بالانفعالات والتفكير نحو الحياة الذاتية أو تصرفات الآخرين، ومن ذلك تأتي العلاقة بين تطور مستويات الذكاء لدى الفرد والتخيل الوجداني، حيث يساعده على معرفة الطرق التي تمكنه من التحكم بمشاعره، ويسمى ذلك بالذكاء الوجداني، كما يتيح للدماغ إمكانية قراءة الذات بصورة حسية عميقة تختلف كليا عن الطريقة التقليدية التي يتبعها العقل في تفسير وتحليل الذات، والتي غالبا ما يفشل بها الإنسان في معايشة نفسه، ويكون لها آثار حسية سلبية، مثل شعوره بالاكتئاب أو التوتر والقلق، وبذلك تكون حالة الدماغ في تطور دائم، تؤدي إلى زيادة حدة ذكاء العقل.

من جانبه، يؤكد د. حسين الشافعي، أستاذ أمراض المخ والأعصاب بكلية طب قصر العيني، أن ممارسة الفرد للتخيل الوجداني بصورة دائمة يسهم في تنشيط خلايا الدماغ والمهارات العقلية المختلفة، مثل التفكير والتأمل، حيث يقوم الفرد من خلال التخيل بعرض تصورات حسية متعلقة بأشياء محددة على المخ عدة مرات، وفي كل مرة يقوم العقل ببحثها وتحليلها، وبالتالي يكون أدركها جيدا بما تحتويه من تفاصيل دقيقة، الأمر الذي يحفز العقل على رسم خريطة معينة، مكونة من عدة ردود أفعال محتملة نحو تلك الأشياء، يستخدمها في حال تحقيقها، كما أنه يكيف الإنسان لنتائجها التي رسمها لها أثناء علمية التخيل، ومع الممارسة المستمرة للتخيل يتطور مستوى ذكاء الفرد للأفضل، موضحا أن التخيل الوجداني يحفز عمل الدورة الدموية، وبالتالي يصبح المخ في حالة جيدة دائما، نتيجة انتظامها على الصعود بالصورة العلمية المطلوبة لسلامة خلايا المخ، حيث يحدث مع كل فكرة حسية يتخيلها الإنسان أو يعرضها على المخ لتحليلها وبناء تصور حسي لها، يشعر بتغيير داخلي كأن ترتفع درجة حرارة الجسم، وهو من الأسباب التي تحفز اكتمال الدورة الدموية، وصعودها إلى أعلى الدماغ، حتى تقوم بتغذية الخلايا ومن ثم المحافظة على صحتها وعدم تلفها، كما يشعر الإنسان براحة نفسية واستقرار حسي أثناء عملية التخيل، حيث يرسم لذاته خريطة ويصنع أحداثا تتماشى مع رغباته الداخلية، وهو ما يجعل العقل أكثر استعدادا لتنمية النظام المعرفي لديه، ومن ثم تتطور مستويات ذكائه.

ويضيف د. أمجد خيري، استشاري الطب النفسي والعلوم السلوكية: من أبرز تأثيرات التفاعل بين التخيل الوجداني والمنطقة المعرفية، التحكم جيدا في عمل الجهاز العصبي المسؤول عن الانفعالات، نتيجة برمجة خلايا الدماغ الموجهة له نحو تبني ردود الأفعال الساكنة، وذلك بعد ممارسة التخيل الوجداني لبعض الوقت بصورة يومية، كما ينتج عن هذا التفاعل تعزيز ما يسمى بالدافعية الداخلية، حيث يشعر الإنسان بقدرة فائقة على تحمل المسؤوليات ومواجهة المواقف مهما كانت درجة صعوبتها، فقد هيأ العقل ذاته على استيعاب كافة الأمور المحتملة، بالإضافة إلى القوة الحسية الداخلية التي يشعر بها الإنسان، والتي تعينه على استقبال كافة الأمور بصورة تتناسب وحجمها.

ويؤكد خيري، أن تنمية المهارات الاجتماعية من أهم التأثيرات التي تنتج عن ارتباط الذكاء والتخيل الوجداني، ويلحظها الإنسان بعد إدراكه لكيفية التعامل بصورة جيدة ومناسبة مع الآخرين، واحتواء العلاقات ومعالجتها جيدا بعكس ما كان يتبنى في السابق من مواقف وردود أفعال بشأنها، ويساعده ذلك أيضا على اتساع دائرة علاقاته الاجتماعية، كما تزداد قدراته في استدعاء خبراته السابقة وملفات البيانات جميعها تبعا لزيادة نسبة التركيز لديه، حيث تؤدي قدرة الفرد على توظيف خياله لمرات متكررة أو لفترات طويلة إلى زيادة نسبة التركيز لديه، فقد أكدت الدراسات التي أجريت عن علم النفس العصبي، أن العقل قادر على تكييف ذاته، لذلك يتأثر إيجابيا بالتخيل الوجداني.

اقرأ/ي أيضًا| بوح الطفل بأسرار العائلة... جرس إنذار

التعليقات