أم وليد: 37 عاما تجوب فيها شوارع القاهرة بسيارتها الأجرة

تترقب السائقة المصرية أم وليد إشارة المارة لسيارتها الأجرة، التي أخدت من عمرها نحو نصفه في مهنة تعرفها بها شوارع العاصمة المصرية منذ نحو 37 عاما، بغطاء معصوب على مقدمة رأسها بطريقة مميزة...

أم وليد: 37 عاما تجوب فيها شوارع القاهرة بسيارتها الأجرة

تترقب السائقة المصرية أم وليد إشارة المارة لسيارتها الأجرة، التي أخدت من عمرها نحو نصفه في مهنة تعرفها بها شوارع العاصمة المصرية منذ نحو 37 عاما، بغطاء معصوب على مقدمة رأسها بطريقة مميزة، ونظارة طبية تخفي جزءا من ملامحها السمراء.

الستينية المصرية، الذي كان أبيها سائق سيارة أجرة، ارتبط اسمها بنجلها وليد، حيث تُعرف به بين سائقي القاهرة، وترفض أن يذكر اسمها الشخصي، منذ بدأت عملها النادر كسائقة، عقب استخراج رخصة قيادة في نهايات عام 1979، لتبدأ تاريخا من المصاعب والتحديات.

وسط القاهرة كانت سيارة أم وليد تنتظر جذب ركاب، وعلى وجهها آثار سنوات من الترحال بين شوارع العاصمة المصرية.

أم لـ3 فتيات وولد

"لم أحاول تعلم مهنة غيرها، فما إن أجبرتني الحياة على العمل للإنفاق على أسرتي قبل الزواج، حتى اخترت أن أعمل على تاكسي (سيارة أجرة) مثل أبي، وكذلك بعد فقد زوجي ورب أسرتي"، هكذا تسرد السيدة المصرية، القاطنة في منطقة شمالي القاهرة، كيف تحولت إلى أقدم سائقة سيارة أجرة تقريبا في العاصمة.

بمعاناة تتسرب من بين كلماتها المليئة بالتحدي والصمود، تتابع أم وليد: "لدي ثلاث فتيات تزوجن جميعا حاليا، اثنتان منهن يعملن بجانب رعايتهن لبيوتهن، وثالثة اختارت رعاية صغارها وأن تكون بلا عمل، بينما الرابع وليد تركنا مبكرا".

وما إن يبدأ الحديث عن وليد، الاسم التي تصر على أن تُعرف به، حتى يترقق الدمع على خدها، وهي تقول: "تخرج ابني وليد من كلية الإعلام جامعة القاهرة منذ عشر سنوات تقريبا، وبعدها عمل في إحدى الصحف الخاصة، لكنه توفي بعد أربعة أعوام من التخرج، واضطررت إلى العودة للعمل".

سيدة التحديات

تسترجع أم وليد ذكرياتها الأولى مع شوارع القاهرة خلال عقود ماضية قضتها في مهنة لم تعتد النساء على امتهانها، لتحكي عن تقبل المجتمع لسيدة تقود سيارة أجرة قائلة إن "ركاب سيارتي يظهرون احتراما لي كسيدة تعمل سائق تاكسي، رغم كونها مهنة مخصصة للرجال".

وتوضح أن "البدايات كانت تحمل بعض المناوشات من قبل المارة في الشوارع، لكنها لم تكن سخيفة، فعادة ما تصل إلى أذني كلمات بقصد المداعبة من قبل الركاب".

ورغم تعلق السيدة المصرية بمهنتها، إلا أنها تشتكي من أن "المصاعب في حياتي تزداد مع الارتفاع المتكرر لسعر الوقود؛ فزيادة الأسعار، التي أقرتها الحكومة المصرية في 29 حزيران/ يونيو الماضي، قلبت حياتي رأسا على عقب".

وتوضح أن "ساعات العمل زادت أكثر بعد زيادة أسعار الوقود، فأنا مرتبطة بأقساط شهرية من ثمن السيارة تبلغ 1700 جنيه (حوالي 100 دولار أميركي)، وهو ما يزيد الضغوط اليومية علي".

كانت أم وليد تخرج للعمل في التاسعة صباحا، لتعود إلى منزلها في الخامسة مساء، وربما يتخلل ذلك ساعة من الراحة وقت الظهيرة، إلا أنها حاليا باتت مجبرة على العمل وقتا أطول.

مهنة أم وليد ينافسها فيها نحو 43 ألف سائق في القاهرة، وفق بيانات غير رسمية، "يتجرعون معاناة ارتفاع الأسعار، سواء في قطع غيار سيارة الأجرة أو تقبل الركاب للزيادات الرسمية الجديدة في أسعار الوقود، وبالتالي سعر الرحلة، وعدم الدعم الحكومي لوقود سيارات الأجرة"، كما تقول.

وتشتكي، وهي تحتسي قهوتها من أحد الباعة الجائلين وسط القاهرة، من قلة الركاب قائلة: "أعداد الركاب قلت، ومن يضطر لركوب التاكسي يجلس طوال الطريق وعينه على العداد" الذي يحسب قيمة الرحلة.

مواقف قاسية

تتذكر أم وليد مواقف قاسية عايشتها خلال عملها في شوارع القاهرة، وأبرزها كان من أحد الركاب، حيث طلب منها أن تقضي الليلة معه، وأنه يدعوها إلى احتساء مشروب "البيرة" في أحد الفنادق.

وتكمل أم وليد: أجبته بأنني أريد خمرا من نوع آخر، وما إن توهم أنه سيقضي ليلة حمراء حتى سلمته إلى الشرطة في أقرب كمين أمني".

وتتبدل ملامحها إلى الجد وهي تحكي عن أصعب موقف واجهتها في مهنتها قائلة: "منذ 20 سنة ركب معي في السيارة ثلاثة شباب كانوا متجهين إلى منطقة مدينة نصر (شرقي القاهرة)".

وتضيف: "ما إن وصل الشباب إلى محل سكنهم حتى حاول أحدهم التعدي علي وسحب مني مفتاح السيارة ليجبرني على النزول معهم، فيما أخرج الثاني سلاحا أبيض (سكينا)، لكنني استطاعت التخلص منهم، بعدما أصبت بجروح وكدمات".

وفجأة تدير أم وليد محرك سيارتها الأجرة، بعدما أشار إليها أحد المارة لتوصيله إلى أحد مناطق القاهرة.

ومع هذه الإشارة بدت ابتسامة على ملامح السيدة المصرية النادرة في مهنتها بالقاهرة؛ حيث تطرق باب رزق مليء بالتحديات اليومية.

التعليقات