"موائد الرحمن" تختفي من المشهد الرمضاني المصري.. والسبب؟

كانت تنتشر "موائد الرحمن" بكثرة في شوارع مصر، بهدف إطعام الصائمين المحتاجين والمسافرين، لكن تقلص عددها بشكل واضح في الآونة الأخيرة.

موائد الرحمن (فيسبوك)

كانت تنتشر "موائد الرحمن" بكثرة في شوارع مصر، بهدف إطعام الصائمين المحتاجين والمسافرين، لكن تقلص عددها بشكل واضح في الآونة الأخيرة.

وبعمل الخمسيني محمد كامل على مدار أكثر من عشرين عاما، في طهي الطعام في هذه الموائد، خلال شهر رمضان.

وقال كامل في حديث له مع وكالة "الأناضول"، إنه كان يتلقى كل عام عشرات الاتصالات الهاتفية، بداية من أول شهر شعبان، لحجزه هو وفريق العمل، الذي يساعده في طهي الطعام بتلك الموائد، سواء في مدينته بدلتا النيل أو خارجها في القاهرة أو الجيزة، لكن عدد الطلبات قلّ بشكل كبير.

وقال كامل أن سبب تراجع عدد موائد الرحمن، التي تعرفها مصر منذ مئات السنين، هو حالة الغلاء التي شهدتها مستلزمات الموائد من مواد غذائية.

وأشار إلى ضوابط حكومية، بينها ضرورة الحصول موافقات أمنية وتراخيص، اعتبرها "غير مقبولة"، لكون تلك الموائد عملا خيريا لا يستهدف التربح، لذا كان الأولى دعمها، وليس تعقيد إقامتها، وفق قوله.

ويذكر أن الحكومة فرضت اشتراطات لإقامة موائد الرحمن، في العام 2017، بينها الحصول على موافقات أمنية وترخيص من الحي، وعدم إقامتها في شوارع رئيسية ولا ميادين، وتوافر وسائل الأمان والحماية المدنية بها لمنع الحرائق، وخضوع الموائد لإشراف الطب البيطري والصحة، لمتابعة الاشتراطات الصحية والأطعمة المقدمة.

وأضاف كامل أنه رغم الغلاء والاشتراطات الحكومية، لكن هناك عائلات لا تزال تتمسك بإقامة الموائد، باعتبارها عادة توارثتها عن أجدادها، مع تقليل كميات الوجبات.

وأفاد كامل أنه يعمل حاليا في مائدة هي الأكبر في محافظة الغربية، وقال: "كنت أعمل بها في 2012، وكانت تعد نحو 2500 وجبة، لكن حاليا 1500 فقط".

وتابع أن آخرين يقيمون موائد الرحمن مع تقليل اللحوم، وتقديم دواجن مكانها في بعض الأيام، أو الاكتفاء بـ"الوجبة الجافة"، وهي إما معكرونة وبيض أو أرز ونوع من الخضروات.

مائدة تشاركية

وفي ظل الأوضاع الاقتصادية ومن رحم المعاناة، ظهر نوع جديد من الموائد، عبر التشارك بين عدد من الأفراد، كل حسب إمكانياته، في إقامة مائدة واحدة.

وقال المحاسب محمد طاحون، إنه ومجموعة من أصدقائه كانوا يخرجون، لمدة ثلاث سنوات، إلى الطرقات أثناء أذان المغرب، لاستيقاف المارة وإعطائهم وجبات خفيفة، عبارة عن عصائر أو أطعمة مغلفة.

وقال إن أحد أصدقائهم طرح قبل شهر فكرة إقامة مائدة ثابتة في مدينة 6 أكتوبر (غرب العاصمة)، لكن وقف أمامهم التمويل والمكان.

وأضاف أنه بمجرد طرح الفكرة بينهم، قد لاقت قبولا كبيرا، وأعلن كثيرون مشاركتهم، سواء بالجهد أو المال، وغالبيتهم كانوا من المسافرين للعمل خارج مصر.

ونوّه إلى أنهم لم يكونوا يعلمون بالاشتراطات الحكومية، وهي "مكلفة كثيرا، ولم تكن في الاعتبار، سواء عبر شراء أسطوانات إطفاء أو توفير طبيب بيطري، فضلا عن الرسوم الإدارية".

وقال طاحون إنه كان يتوقع أن تكفي الأموال لإطعام عدد كبير من الصائمين، لكن أسعار الأواني والموائد والكراسي كانت أكبر من إمكانياتهم، ولذاك يقدمون الإفطار لنحو 75 شخصا فقط يوميا.

غياب الجمعيات

ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق، أن الفقر وغياب جمعيات جماعة الإخوان المسلمين، المحجوز عليها حاليا، هي أحد أهم أسباب تقلص ظاهرة "موائد الرحمن"، لكنه يعتقد أنها ستستمر.

وقال صادق إن أحدث إحصائية للبنك الدولي، مطلع أيار/ مايو الجاري، تفيد بارتفاع نسبة الفقر إلى 60 في المئة، وتأثر طبقات كثيرة جراء الإصلاحات الاقتصادية.

حالة الغلاء

وقال الخبير الاقتصادي المصري، شريف الدمرداش، موافقا مع كلام صادق، إن غياب دور "الإسلام السياسي" كان له تأثير كبير على تقلص أعداد "موائد الرحمن"، حيث غاب جانب كبير من الجمعيات الخيرية التابعة لهم.

ويذكر أنه عقب الإطاحة، في العام 2013، بالرئيس المعزول محمد مرسي، صدرت قرارات بمصادرة أموال عناصر وقيادات بجماعة الإخوان (ينتمي إليها مرسي)، دون بيانات إجمالية عن حجم الموجودات والأموال المتحفظ عليها.

وأضاف الدمرداش أن انخفاض القوة الشرائية للجنيه المصري يعد سببا رئيسيا في قلة عدد موائد الرحمن.

وأوضح أن الخلل بين الدخول والأسعار أصاب الكثيرين، حتى أصحاب الشركات، فمن كان يصرف 200 ألف جنيه (11 ألف دولار) لإعداد مائدة أصبح مطلوب منه 500 ألف جنيه (30 ألف دولار)، "البعض يستطيع، والغالبية لا تستطيع".

وأشار إلى أن بعضهم اتجه إلى إلغاء المائدة، وآخرون اضطروا إلى ترشيد النفقات وكميات الطعام؛ بسبب حالة الغلاء.

التعليقات