الجنسية الهندية الجديدة: هل تدمّر صورة التنوع والاختلاف؟

قال رئيس مركز البحوث الاستراتيجية في جنوب آسيا، جمال دمير، إن "العنف الذي يتعرض له المسلمون في الهند، لاسيما بعد إقرار البرلمان قانون الجنسية المثير للجدل، يدمر صورة التنوع التي اشتهرت بها الهند".

الجنسية الهندية الجديدة: هل تدمّر صورة التنوع والاختلاف؟

(أ ب)

قال رئيس مركز البحوث الاستراتيجية في جنوب آسيا، جمال دمير، إن "العنف الذي يتعرض له المسلمون في الهند، لاسيما بعد إقرار البرلمان قانون الجنسية المثير للجدل، يدمر صورة التنوع التي اشتهرت بها الهند".

ويذكرُ دمير أن العنف الذي يتعرض له المسلمون في الهند، من شأنه أن يجرّ نيودلهي نحو مشاكل كبيرة، لاسيما مع اتساع رقعة المظاهرات التي بدأت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، للتنديد بقانون المواطنة المثير للجدل، الذي يقصي التعدديّة الهنديّة من قانون المواطنة.

وأشار إلى أن "مشكلة التمييز في الهند لم تقف عند حد قانون الجنسية المثير للجدل والحراك الرافض لهذا القانون، حيث تواصل وسائل الإعلامية القومية الهندوسية المتطرفة تبني خطاب يحض على تهميش المسلمين وممارسة التمييز ضدهم". مُتابعًا أن "هذا الاتجاه يحطم عرى الترابط الاجتماعي بين مكونات الهند الاجتماعية ويضر بصورة التنوع التي طالما ميزت الهند على مستوى العالم".

ورأى دمير أن قانون الجنسية الذي اتخذه حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا)، بقيادة ناريندرا مودي، يضع 200 مليون مسلم مواطنًا في الدرجة الثانية إزاء المواطنين الهندوس، كما يهدم مفهوم الحضارة القائم على التنوع في الهند. مُشيرًا إلى أن قانون الجنسية الجديد، يضيّق آفاق بلد كبير مثل الهند، ويبني رؤية ضحلة وخاضعة للعنصريّة الهندوسيّة وعقيدة "هندوتفا"، التي تدعو إلى هيمنة الهندوس على البلاد وتؤكد على الهوية الهندوسية كرمز للدولة، وهو ما يتعارض مع القيم الديمقراطية في الهند.

كما أكد دمير على أن "رؤى القوميين الهندوس، تتعارض مع القيم التي تأسست عليها الهند، كدولة علمانية تضمن حق المساواة لجميع المواطنين، وحماية التنوع، دون تمييز قائم على العرق أو الدين في البلاد". مُضيفًا "واصل الشعب الهندي، مسلمون وهندوس، الحياة جنبًا إلى جنب معًا تحت علم واحد، في ظل سيادة وعي قائم على العيش بسلام لسنوات طويلة".

ويُذكر أن الهند بدأت مؤخرًا بالتحول من مفهوم الدولة العلمانية إلى القومية الهندوسية، لتنفصل بذلك عن قيم التأسيس التي سادت طبيعة الدولة منذ الاستقلال عن بريطانيا. وفي هذا الصدد يرى دمير أن "المسلمين كانوا على الدوام عنصرًا أصيلًا في تاريخ الهند، حيث دافع القائد السياسي والروحي لحركة الاستقلال الهندية، الماهاتما غاندي، عن مبدأ الهند الواحدة والمتنوعة".مشيرًا إلى أن "غاندي الذي ناضل من أجل الاستقلال الكامل عن الاستعمار البريطاني في شبه القارة الهندية، طرح مبدأ المساواة والعيش المشترك بعد الاستقلال الذي كان نتيجة لنضال الهندوس والمسلمين معًا".

وأوضح دمير أن محمد علي جناح تبنى مبدأ انفصال المسلمين عن الهند، فيما تبنى غاندي خطًا مختلفًا يدعو إلى تأسيس دولة موحدة في شبه القارة الهندية. وكان محمد علي جناح محام وسياسي ومؤسس دولة باكستان فضلًا عن كونه رئيس عصبة مسلمي عموم الهند من عام 1913 لغاية استقلال باكستان في 14 آب/ أغسطس 1947.

المؤتمر الأول، عصبة مسلمي عموم الهند في عام 1940

ونوّه دمير إلى أن الماهاتما غاندي كان يعتبر على الدوام، أن المسلمين والهندوس يشكلان عماد الدولة الهندية، إلا أن السياسات التي ينتهجها حزب "بهاراتيا جاناتا" اليوم تؤدي إلى مزيد من الاحتقان وحوادث العنف ضد المسلمين.

وأشار إلى أن حزب بهاراتيا جاناتا كان مسؤولاً بشكل مباشر عن وقوع حوادث عنف في الهند، مؤكدا على أن "العديد من الناس لقوا حتفهم وأصيبوا نتيجة لتفاقم العنف الاجتماعي في بعض المناطق في شمال شرق العاصمة نيودلهي".

وبدأت الاشتباكات بين حزب الشعب الهندي صاحب الرؤى القوميّة العنصريّة، والمسلمين إثر تصريحات لأحد قياديي حزب بهاراتيا جاناتا كابيل ميشرا، وسرعان ما تحول الصراع بين الجانبين إلى أعمال عنف ثم مذبحة ضد المسلمين، في حين أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء قانوني ضد القيادي المذكور في حزب بهاراتيا جاناتا، والعصابات التي تعمدت استهداف المسلمين، حيث بقي المعتدون محميون من قبل الدولة والحكومة.

وتابع جمال دمير أنه "من ناحية أخرى، فإن تعمد الحكومة الهندية وضع الناشطين المناهضين لقانون الجنسية المثير للجدل مثل شارجيل إمام، وأشرات جهان، وخالد سيفي، والدكتور كفيل خان في السجن وفي ظل ظروف اعتقال سيئة، وحماية الحكومة ودعمها للجانب الآخر، إنما يظهر موافقة واضحة على المظالم التي يتعرض لها المسلمين في الهند". لافتًا إلى أن "السياسات التي يتبعها حزب بهاراتيا جاناتا تسببت في فقدان الهند لاحترامها في العالم".

مسلمي الهند يتظاهرون، يوم الخميس الماضي

وشكّلت ممثلة الأمم المتحدة باللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، لجنة للتحقيق وجمع المعلومات حول أعمال العنف الأخيرة ضد المسلمين في المنطقة الشمالية الشرقية من العاصمة نيودلهي.

وأعربت باشيليت عن مخاوفها وتحفظاتها بشأن تقاعس الحكومة الهندية عن ردع العصابات الهندوسية واتخاذ إجراءات ضدها لوقف الهجمات التي تقوم بها تلك العصابات ضد المسلمين، فضلًا عن قيام السلطات الهندية باستخدام العنف والقوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين.

وتتواصل في مختلف مناطق الهند، المظاهرات التي بدأت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، للتنديد بقانون المواطنة المثير للجدل. فيما اعتبر مراقبون أن قانون المواطنة الجديد الذي يسمح بمنح الجنسية الهندية للمهاجرين غير النظاميين الحاملين لجنسيات بنغلاديش وباكستان وأفغانستان، شرط ألا يكونوا مسلمين وأن يكونوا يواجهون اضطهادًا بسبب دينهم، يتناقض مع القيم الديمقراطية والعلمانية التي تقوم عليها الهند.

ويرى سياسيون معارضون داخل البرلمان ومتظاهرون في عدة مدن هندية، أن "مشروع القانون يعد تمييزا ضد المسلمين، وينتهك الدستور العلماني الهندي". وتقول الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء ناريندرا مودي، إن القانون سيوفر ملاذًا للفارّين الهندوس من الاضطهاد الديني، مما يجعل تعريف الدولة مرتبطا بالهويّة الهندوسيّة، مستبعدة الهويّات والتعدديّات الثقافيّة والاثنيّة والدينيّة.

التعليقات