البتراء وردية وشاحبة بعد خلوّها من السياح بسبب كورونا

ما زالت ألوان مدينة البتراء الأثريّة في الأردن ورديّة كعادتها، إلّا أنّها باتت تبدو أكثر شحوبًا وحزنًا بينما لا تنعكس عليها ابتسامات زائريها المتعجّبة من منظر واحدةٍ من عجائب الدنيا الجديدة، بعد أن تحوّلت في ظلّ جائحة فيروس كورونا المستجدّ

البتراء وردية وشاحبة بعد خلوّها من السياح بسبب كورونا

مدينة البتراء خالية من السياح (أ ب)

ما زالت ألوان مدينة البتراء الأثريّة في الأردن ورديّة كعادتها، إلّا أنّها باتت تبدو أكثر شحوبًا وحزنًا بينما لا تنعكس عليها ابتسامات زائريها المتعجّبة من منظر واحدةٍ من عجائب الدنيا الجديدة، بعد أن تحوّلت في ظلّ جائحة فيروس كورونا المستجدّ إلى مدينة أشباح، نتيجةً للتقييدات المفروضة في معظم دول العالم على السفر والحركة للسيطرة على انتشار الوباء.

وعند باب "الخزنة" الذي يعدّ أشهر معالم المدينة، يقف حارس الموقع، نايف هلالات، حزينًا ويقول: "للمرة الأولى في حياتي، أرى المكان خاليا هكذا. عادة هناك آلاف السياح"، مضيفًا في حديث لوكالة أنباء "فرانس برس" أنه "في مثل هذا الوقت من كل عام، يعجّ المكان بآلاف السياح. كنا نضطر أحيانا لتنظيم صفوفهم وعملية إدخالهم كي لا يحصل تدافع... أما الآن فليس هناك غير أصوات العصافير".

وغادر آخر السياح المملكة في 16 آذار/ مارس قبل يوم من إقدام السلطات الأردنية على تعليق الرحلات الدولية وغلق المطارات حتى إشعار آخر. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت البتراء مهجورة، وأصبح نحو مئتي دليل سياحي و1500 من أصحاب الرواحل من خيل وحمير وجمال من سكان وادي موسى عاطلين عن العمل.

(أ ب)

في آخر ممر "السيق"، وهو طريق ضيق تتسلل أشعة الشمس بين حافتيه الشاهقتين وكان يسلكه السياح المتوجهون إلى البتراء سيرا على الأقدام أو على ظهور الدواب أو العربات المجرورة بواسطة الدواب، يسير هلالات (42 عاما)، وهو أب لخمسة أطفال ويعمل في الموقع منذ عشرة أعوام، معتمرًا قبعة زيتية اللون يتوسطها علم الأردن، وحيدا ببطء جيئة وذهابا أمام "الخزنة".

وشيدت المدينة الوردية المشهورة بعمارتها المنحوتة بالصخور والتي تقع على بعد 225 كلم جنوب عمان، في العام 312 ق. م. كعاصمة لمملكة الأنباط العربية القديمة التي سقطت بيد الرومان في العام 106 ق. م.

ونقلت وكالة أنباء "فرانس برس" عن الدليل السياحي نعيم النوافلة (55 عاما)، وهو أب لستة أطفال، قوله إنّ "ما حصل بالنسبة لنا ولسكان هذه المنطقة أشبه بالكارثة. في السابق، كانت أعداد السياح ترتفع وتنخفض بحسب ظروف المنطقة. أما الآن، فلا يوجد سياح نهائيا. هذا أمر لم يحصل من قبل".

وأضاف النوافلة الذي يعمل في الموقع منذ نحو ثلاثين عاما وكان يتقاضى نحو خمسين دينارا يوميا (حوالى 70 دولارا) لقاء عمله، "سئمنا الجلوس في المنزل، وإذا استمر الوضع هكذا، هي مشكلة كبيرة. نحن الآن نصرف مدخراتنا"، معبّرًا عن خشيته أن تتأخر عودة السياح عاما أو عامين وأن "تكون إجراءات السفر المستقبلية منفرة" للسياح خصوصا "أن أغلبهم من كبار السن والمتقاعدين".

أرشيفية (أ ب)

ويقول مفوض سلطة البتراء التنموي والسياحي، سليمان الفراجات، إن "نحو 80 في المئة من سكان إقليم البتراء البالغ عددهم نحو 38 ألفا يعتمدون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على السياحة كمصدر دخل لهم".

وأحد هؤلاء نائل نواس (41 عاما)، وهو أب لثمانية أطفال ويملك حمارا كان يستخدمه في نقل السياح وخصوصا كبار السن ويكسب ما بين 30 إلى 40 دينارا (40 إلى 55 دولارا) يوميا. وتوقف عمله منذ منتصف آذار/ مارس، وهو يعمل مؤقتا في بيع الماشية.

وتساهم السياحة بحوالي 12 إلى 14 في المئة من الناتج المحلي الأردني، ويقدّر عدد العاملين في القطاع بنحو مئة ألف شخص، في بلد وصل معدل البطالة فيه إلى نحو 19.3 في المئة في الربع الأول من العام الحالي.

ويؤكد الفراجات إنه حزين لأن هذا الوباء جاء بعد أن "سجلت البتراء رقما قياسيا بعدد السياح العام الماضي بلغ حوالى مليون و135 ألف سائح منهم مليون سائح أجنبي". ويبدو أن فنادق البتراء الـ45 وغرفها الثلاثة آلاف ستواجه أياما صعبة مع بدء الموسم السياحي.

وتضرر قطاع السياحة في الأردن الذي يقصده سنويا نحو خمسة ملايين سائح جراء الأزمة المالية العالمية عام 2007 ثم الربيع العربي والأوضاع الأمنية في سوريا والعراق.

وبحسب مدير هيئة تنشيط السياحة، عبد الرزاق عربيات، "بعد أن بلغ دخل قطاع السياحة في الأردن 5.3 مليار دولار العام الماضي، تراجع إلى حوالى صفر بعد الإغلاقات". وأوضح عريبات في بيان الشهر الماضي أن لدى الهيئة خططا لإنقاذ الموسم السياحي منها "تنشيط السياحة الداخلية"، معتبرا أن "النجاح الأردني في احتواء الأزمة يقدم فرصة للترويج للأردن بشكل أفضل في الأشهر المقبلة".

التعليقات