التقمّص العاطفي في علم النفس

هنالك عدة تعاريف للتقمص العاطفي، فهو المقدرة على فهم موقف الطرف الآخر سواء عاطفيا أو فكريا من خلال تقمص الموقف ووضع الشخص نفسه مكان الشخص الآخر. وأيضا هو مهارة اجتماعية تتمثل بفهم عواطف

التقمّص العاطفي في علم النفس

(توضيحية - pexels)

ما هو التقمّص العاطفي؟

هنالك عدة تعاريف للتقمص العاطفي، فهو المقدرة على فهم موقف الطرف الآخر سواء عاطفيا أو فكريا من خلال تقمص الموقف ووضع الشخص نفسه مكان الشخص الآخر. وأيضا هو مهارة اجتماعية تتمثل بفهم عواطف ومشاعر الأشخاص المحيطين ومشاركتهم تلك العواطف، وبالنسبة للتعريف العلمي للتقمص العاطفي فهو مجموعة الأنشطة التي تحدث في المخ والتي تكون على درجة عالية من التعقيد وتجتمع لتعمل معا في سبيل مساعدة الشخص على تنشيط إدراكه لأفعال الناس وتفهمها.

ويعتبر التقمص العاطفي أسمى وأعمق من التعاطف الذي يتمثل بإظهار رد فعل محدد (حزن أو فرح أو المفاجأة...إلخ) والذي قد يكون صادقا وقد لا يكون كذلك، بينما التقمص يرافقه اهتمام حقيقي ومشاعر معبرة وصادقة ومحاولة حل مشكلة الطرف الآخر في حال وجودها بل وأيضا في بعض المواقف يستطيع الطرف المتقمص عاطفيا شرح ووصف عواطف الطرف الآخر أكثر من قدرة ذلك الطرف على شرحها بنفسه.

وقد وصفته الطبيبة النفسية مؤلفة كتاب (the Empath's survival guide)، جوديث أورلوف، بأنه "اسفنج شعوري" للقدرة على امتصاص كل المشاعر السلبية والإيجابية من المحيط. ويختلف الشخص الذي يمتلك مهارة التقمّص العاطفي بكونه أكثر إدراكا ويمتلك درجة عالية من الوعي بمشاعر الطرف الآخر.

نشأة وتطور مفهوم التقمّص العاطفي

نشأة وتطور مفهوم التقمّص العاطفي

أُدرج التقمص العاطفي قديما تحت اسم "التعاطف الجمالي" حيث اعتبر من أنواعه، ثم توسعت دائرة الأبحاث في مجالات التقمّص العاطفي لتتخطى دائرة أبحاث التعاطف ويستقل عنها. حيث أصبح موضوعا مهما شغل العديد من المعالجين النفسيين والأطباء الألمان والعديد من الجنسيات الأخرى حيث توسع نطاق انتشاره وشهرته بعد الحرب العالمية الثانية وما خلفته من آثار نفسية كارثية على الجنود والسكان، والأزمات النفسية التي تطلبت وفود العديد من المعالجين والخبراء النفسيين، وبالتالي لجأ المعالجون للتقمص العاطفي كإحدى الطرق الفعالة وشديدة الحساسية لأنها تحتاج لابتعاد المعالج عن الطرق التقليدية الطبية في العلاج والاستماع للمريض ورؤية الواقع المحيط والأشخاص من وجهة نظر المريض.

وبالتالي أصبح التقمّص العاطفي هو مرحلة متطورة ومتقدمة من التعاطف، وبالإضافة لذلك فقد وصفه الباحثون بأنه "مشابه للذكاء" بسبب القدرة على معرفة مستواه لكل شخص ولأنه اعتبر منذ تلك الفترة ليس فقط وسيلة للعلاج، بل وسيلة فعّالة لترميم التصدعات والفروق الاجتماعية والدينية التي كشفت الحرب الستار عنها وحلا لمشاكل الأفراد والأزواج وجميع الطبقات الاجتماعية المتفاوتة. في الستينيات انتشر مفهوم "التقمص الثقافي" كنوع مشتق عن التقمّص العاطفي والذي يهدف لهدم الحواجز بين الأفراد ذوي الأعراق والهويات المختلفة.

كيف يتشكل التقمّص العاطفي لدى الفرد؟

ينشأ المبدأ أو الفكر الأساسي للتقمص العاطفي في سن مبكرة من مرحلة الطفولة، وتصقل تلك الفكرة في دماغ الفرد وحياته اليومية مع تقدمه بالسن ونمط التربية والتعليم الذي يتلقاه في مراحل حياته وبالطبع تتعدد الخبرات والتجارب والمواقف اليومية التي يمكن أن يتعرض لها الفرد والتي من شأنها أن تنمي مهارة التقمّص العاطفي وتطورها وذلك من خلال تعلم الشعور بالأشخاص المحيطين ومحاولة مساعدتهم في حل مشاكلهم.

لا يمكن أن نغض النظر عن تطور النشاط الدماغي والعصبي وتعاون الأنشطة المخية بنوعيها الواعي واللاواعي المسؤولين بشكل رئيسي عن مهارة التقمّص العاطفي. في علم النفس تتعدد مصطلحات ومفاهيم الحالات بين العلاقات الإنسانية بين ذكاء عاطفي وتعاطف والتقمّص العاطفي، ويتم التمييز بينها عن طريق الغاية المرادة من تلك العواطف وكميتها وكيفية التعامل معها. وجب التنويه أن الأساس لكل هذه المصطلحات ولجميع أنواع العلاقات الإنسانية هو المشاعر الصادقة والإرادة الحقيقية لمساعدة الطرف الآخر ومشاركته مشاعره.

التقمّص العاطفي عن طريق لغة الجسد

عن طريق لغة الجسد، فإننا نستطيع التعبير عن مكنوناتنا والمشاعر والعواطف التي نحتويها داخلنا سواء كانت إيجابية لطيفة أو سلبية. ويأتي دور لغة الجسد في تأكيد أو إنكار علاقاتنا مع الآخرين فهي أفضل وأصدق وسيلة لإيصال مشاعر وأحاسيسنا للطرف الآخر.

بالنسبة للتقمص العاطفي فإن لغة جسد الآخرين هي مفتاح لفهم الفرد لطبيعة مشاعر الشخص الذي أمامه لكي يستطيع تقمص حالتهم ومشاركتهم حالته العاطفية، ولكي نستطيع كأفراد مساعدة الآخرين ومعرفة ما يدور في أذهانهم من مشاعر، يجب اتقان لغة الجسد وامتلاك القدرة على إقناع الآخر بأننا نفهمه ونشعر به.

على سبيل المثال في حال حدث شيء محزن لشخص ما مثل فقدان شخص مقرّب أو خسارة وظيفة أو بعض المشاكل العائلية أو ضمن العمل، فإن لغة جسده فطريا ستظهر حزنه وحالته العاطفية من خلال تعاليم الوجه وتغير نبرة ودرجة الصوت أو ذرف الدموع مثلا، وبالتالي نستطيع ملاحظتها وتقمص حالته عن طريق التقليد أو "المحاكاة" للغة جسده وفهمه ونستطيع مواساة الطرف الآخر ومحاولة مساعدته والتخفيف عنه.

مجالات يستفاد منها في التقمّص العاطفي

التقمّص العاطفي في المجتمع

التقمّص العاطفي قد يكون أفضل طريقة لخلق روابط بين الأفراد ضمن المجتمع الواحد مهما كان حجم هذا المجتمع واختلاف الأفراد من جميع النواحي العمرية أو الدينية أو العرقية... إلخ، فهو يساعد على مشاركة وتبادل المشاعر بين الأفراد لمعرفة مكنونات الطرف الآخر والاستجابة معها والعمل على تحقيقها. وهذا يخفف الضغط والعبء النفسي على الفرد والمجتمع.

التقمّص العاطفي في المنزل بين الأزواج

التقمّص العاطفي في المنزل بين الأزواج

يساهم التقمّص العاطفي إذا جرت ممارسته بشكل صحيح ودقيق مع شريك الحياة بالإضافة لفهم لغة جسد الزوج أو الزوجة إلى تحسين العلاقات الزوجية بين الطرفين من خلال الحوار والفهم العميق لرغبات واحتياجات الطرف الآخر ومشاركته المشاعر والعواطف السلبية والإيجابية، فهذا يشعر الطرف الآخر بالأمان وعدم الوحدة.

التقمّص العاطفي في بيئة العمل

إن العلاقة الجيدة بين الموظفين أو بين الموظفين ومدرائهم أساسها بشكل واضح أو لا هو التقمّص العاطفي، حيث أن محاولة تخفيف العبء الذي يقع على عاتق الموظف أو المدير ومشاركته هذا الحمل يساعد على خلق أجواء وعلاقات متفهمة وجيدة بين الموظفين أنفسهم وبين الموظفين والمدراء وهذه العلاقات السليمة تعود بالنتائج الإيجابية على إنتاجية العمل ما يجعل الموظفين قادرين على العمل لوقت أطول من دون توتر أو التفكير بترك الوظيفة بالإضافة للدعم النفسي الذي يكتسبه ويعطيه الفرد في نفس الوقت نتيجة مشاركة الضغط وجميع أنواع العواطف مع تلقي ردود فعل مناسبة وداعمة.

التعليقات