تحسين الصحة النفسية عبر الاستماع للطيور

بينت هذه الأبحاث أن أصوات الطيور تؤدي إلى تخفيف التوتر والإرهاق النفسي بناء على نوع الطائر وما يربطه كل شخص بصوته بشكل شخصي.

تحسين الصحة النفسية عبر الاستماع للطيور

(توضيحية)

كيف بدأت دراسة تأثير أصوات الطيور على الصحة النفسية؟

بعد أن توقف العالم عن أعماله بشكل شبه كلي في عام 2020 إثر الحجر الصحي الناتج عن الانتشار الجنوني لفيروس كورونا المستجد حينها وإغلاق الكثير من المرافق حول العالم، لاحظ الناس أن أصوات الطيور أصبحت أعلى وصادحة أكثر. وأفاد الكثيرون بأن الاستماع إلى أصوات الطيور أثناء الحجر الصحي كان يعزيهم في وحدتهم ويخفف من توترهم الناتج عن تفشي الوباء.

نظرت المحاضرة في جامعة سوري بعلم النفس البيئي، د. إليانور راتكليف، في الأمر وأفادت بأن أصوات الطيور لم تصبح أعلى خلال الحجر وإنما أصبحت أوضح بسبب اختفاء ضجيج المدن ووسائل النقل والمصانع وغير ذلك من أصوات تحجب أصوات الطيور أو تضعفها في الحالة العادية.

إلا أن راتكليف لم تتوقف عند هذه النقطة واستمرت في بحثها حول تأثير صوت الطيور على الصحة النفسية لدى الإنسان.

الدراسة العملية لتأثير أصوات الطيور على صحة الإنسان النفسية

تأثير أصوات الطيور على صحة الإنسان

كانت إحدى المقالات العلمية المنشورة في جريدة "غارديان" حول تأثير أصوات الطيور على مزاج الإنسان المكان الذي انطلقت منه راتكليف في دراستها العملية لهذا التأثير.

بدأت راتكليف دراستها على الإنترنت في البداية حيث طلبت من مجموعة من الأشخاص (174 شخصا يعيشون جميعا في بريطانيا) أن يستمعوا إلى أصوات متنوعة للطيور وأن يصفوها ويقيّموها واحدة تلو الأخرى.

العوامل التي تحدد تأثير أصوات الطيور في نفسية الناس

التجارب السابقة للمشارك بخصوص صوت الطائر

بينت هذه الأبحاث أن أصوات الطيور تؤدي إلى تخفيف التوتر والإرهاق النفسي بناء على نوع الطائر وما يربطه كل شخص بصوته بشكل شخصي.

على سبيل المثال وجدت إحدى المشاركات في الدراسة أن أصوات الدجاجات المنخفضة تريحها بشكل كبير من التوتر. يعود ذلك إلى تجاربها الحياتية السابقة، حيث كانت في طفولتها تحفر التربة في حديقة المنزل وتتجمع دجاجات المنزل حولها منتظرة أن تنبش المشاركة لهن بعض الحلزونات.

مشتركة أخرى ربطت أصوات الحمام بأيام الصيف الطويلة التي تتذكرها من طفولتها وتشعرها بالطمأنينة والهدوء. في المقلب الآخر وجد بعض المشاركين الآخرين أن أصوات الحمامات في المدن الكبرى تسبب لهم التوتر والانزعاج.

الخلفية الثقافية للمشارك تجاه أصوات معينة للطيور

تضيف راتكليف أن الاعتقادات الجمعية تؤثر أيضا على طريقة تلقي المشاركين لأصوات الطيور المختلفة. على سبيل المثال، يعتبر البعض صوت البومة نذير شؤمٍ ويضاعف لديهم القلق، بينما يعتبر آخرون صوتها مريحا وحكيما ومحفزا للتحمل والصبر وذلك حسب اعتقاد المجتمع الذي يأتي منه هؤلاء المشاركون.

نوع وحدّة صوت الطائر يؤثر على الحالة النفسية للمشاركين

بالإضافة إلى ذلك فإن نوع النداء أو اللحن الذي يقوم الطير بإطلاقه أيضا يحدد الحالة المزاجية التي يكتسبها المشارك وذلك يعتمد على حدة الصوت حيث تعتبر بعض الأصوات الحادة محفزة للعنف. من العوامل الأخرى المحددة لتأثير صوت الطير بالإضافة إلى الحدة نذكر ارتفاعه أو انخفاضه وموجته وتعقيده ونمطه ومدى المعرفة المسبقة له.

شخصية المشارك تحدد طريقة تلقيه لصوت الطيور

كما أن نوع شخصية المشارك يلعب دورا في كيفية تلقيه للصوت حيث أن الأشخاص المرتبطين بالطبيعة يستفيدون من الاستماع لأصوات الطيور أكثر من الأشخاص الذين يفضلون البقاء في المنزل والاستمتاع بالهدوء ويعتبرون أي نوع من الأصوات الخارجية مزعجة.

فإذن لا يمكن القول إن كل أصوات الطيور تؤثر إيجابا على كل الناس وحالتهم النفسية وإنما يعتمد الأمر على مجموعة من العوامل والمؤثرات.

لماذا يُعتقَد أن للطبيعة تأثير شفائي على البشر؟

للطبيعة تأثيراً شفائيا على البشر

هناك نظريتان تفسران اعتقاد العلماء أن الطبيعة وأصواتها وألوانها تساعد على شفاء الإنسان وتعززان صحته العقلية والنفسية.

الطبيعة موطن الإنسان الأم

تنظر هذه النظرية إلى التطور الذي شهده الإنسان في القرون الماضية بعد أن كانت الطبيعة موطنه المفضل لآلاف السنين بين الغابات والبراري قبل تطوره وإنشاء البلدات والمدن.

لهذا السبب تعتبر البيئات التي تحتوي على موارد طبيعية مثل الأنهار والنباتات والحيوانات أماكن مفضلة لدى الإنسان لأنه يشعر بإمكانية نجاته فيها. ولهذا السبب قد يكون الاستماع لأصوات الطيور دليلا على وجود الحيوانات في المنطقة التي يعيش فيها الإنسان مما يوحي بالأمان.

تركيز الجملة العصبية للإنسان على الطبيعة

تعتمد هذه النظرية على طريقة معالجة دماغ الإنسان للمعلومات المحيطة به وتركيزه على مهمات محددة.

على سبيل المثال من المتعب لشخص لديه عمل مكتبي أن يركز في مهامه العملية بينما يقوم الزملاء المحيطون بالحديث وإصدار الأصوات من حوله.

تقترح هذه النظرية أن الطبيعة تساعد على التخلص من الإرهاق الذهني كونها أمرا يسهل التركيز عليه، وبهذا تمثل الأصوات المعتادة في الطبيعة فرصة للابتعاد عن التحديات المعرفية التي اعتدنا على وجودها في محيطنا مما يتيح لنا استعادة طاقاتنا التي فقدناها.

كيف يمكننا استعادة ارتباطنا بالطبيعة؟

قد تكون نشاطات بسيطة مثل المشي في المنتزه أو العناية بحديقة المنزل أو مراقبة الطيور أو قطاف الفواكه أو إطعام بعض الحيوانات من أفضل وأسهل الطرق للعودة إلى الطبيعة.

يكمن السر باستخدام كل حواسنا لاستيعاب الطبيعة المحيطة بنا. ومع أن الأمر قد يبدو صعبا أو شبه مستحيل في المدن الكبيرة، فلا بد أن يجد امرء نافذةً طبيعية يمكنه الوصول إليها بين الحين والآخر.

قد تقتصر هذه النافذة على وعاء فخاري يحتوي على إحدى أنواع النباتات المنزلية، أو الخروج والاستمتاع برائحة الأرض بعد المطر أو الاستماع إلى أصوات الطيور المحيطة أو المنزلية.

تفيد د. إليانور راتكليف التي أجرت الدراسة سابقة الذكر أن ملاحظة عناصر الطبيعة يرتبط بشكل مباشر بنتائج نفسية إيجابية وقد استحوذ مؤخرا على اهتمام المختصين في هذا المجال.

وتضيف راتكليف أن الانخراط بالطبيعة وتجاربها يمكن أن يضاعف الارتباط بين الشخص والأماكن الطبيعية التي يمكن زيارتها مرارا وتكرارا للتوصل إلى حالة شعورية ونفسية جيدة.

كما أن العناية بالطبيعة والحفاظ عليها من التلوث تعتبر طريقة مثالية للارتباط بها، على سبيل المثال يمكن المشاركة بحملات النظافة في بعض المواقع الطبيعية كالشواطئ أو الغابات وتعتبر هذه النشاطات طريقة لرد الجميل للطبيعة.

التعليقات