الدمار الصامت: عن الأسلحة البيولوجيّة والكيميائيّة المستخدمة في الحروب

بالإضافة إلى التأثير المباشر على حياة الإنسان، يمكن أن تسبّب هذه الأسلحة أضرارًا طويلة المدى للنظام البيئيّ، كما حدث في فيتنام، حيث ارتبط استخدام الأسلحة الكيميائيّة في أثناء حرب فيتنام بتدمير المحاصيل والغابات وتلوّث التربة والمياه

الدمار الصامت: عن الأسلحة البيولوجيّة والكيميائيّة المستخدمة في الحروب

(Getty)

مع تصاعد الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، ودخولها في منعطفات جديدة، تحذّر وسائل إعلام عالميّة من استخدام بوتين لأسلحة كيميائيّة أو بيولوجيّة ضدّ أهداف محدّدة في أوكرانيا، وخلال الشهر الماضي، أصدر "مركز المشاركة العالميّة" التابع لوزارة الخارجيّة الأميركيّة، تقريرًا يوضّح محاولات روسيا "نشر معلومات مضلّلة حول الأسلحة البيولوجيّة الأميركيّة والأوكرانيّة".

وجاء في التقرير أنّه "منذ الغزو الشامل لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، زاد استخدام روسيا لنظام المعلومات المضلّلة وضاعفت الدعاية الروسيّة من حجم وكثافة المعلومات المضلّلة حول الأسلحة البيولوجيّة في محاولة فاشلة منها لصرف الانتباه عن غزوها لأوكرانيا، وتبرير حربها غير المبرّرة".

وتعتبر الأسلحة البيولوجيّة والكيميائيّة نوعًا من أسلحة الدمار الشامل التي يمكن أن يكون لها آثار مدمّرة على حياة الإنسان والمجتمعات، وتمّ استخدام هذه الأسلحة في العصر الحديث، وأبرزها استخدام الأسلحة الكيميائيّة في أثناء الحرب العراقيّة الإيرانيّة، والهجوم الكيميائيّ في سوريا عام 2013، وهجمات الجمرة الخبيثة في الولايات المتّحدة في عام 2001.

وتعرف الأسلحة البيولوجيّة بأنّها كائنات دقيقة أو فيروسات أو سموم أو عوامل بيولوجيّة أخرى تستخدم عمدًا لإلحاق الأذى بالبشر أو الحيوانات أو النباتات، وواحدة من أهمّ الهجمات البيولوجيّة في العصر الحديث كانت هجمات الجمرة الخبيثة في الولايات المتّحدة في عام 2001. في أيلول/ سبتمبر وتشرين الأوّل/ أكتوبر من ذلك العام، حيث تمّ إرسال جراثيم الجمرة الخبيثة بالبريد إلى العديد من المؤسّسات الإخباريّة والسياسيّين، ممّا أدّى إلى مقتل خمسة أشخاص وإصابة 17 آخرين.

ووجدت دراسة أجرتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها "CDC" في عام 2002 أنّ هجمات الجمرة الخبيثة كان لها تأثير كبير على الصحّة العقليّة للأفراد الّذين تعرّضوا للجراثيم، كما وجدت الدراسة أنّ أولئك الّذين تعرّضوا مباشرة للجراثيم لديهم معدّلات أعلى من القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) مقارنة بأولئك الّذين لم يتعرّضوا لها.

وتعرف الأسلحة الكيميائيّة بأنّها موادّ كيميائيّة سامّة يمكن أن تسبّب الوفاة أو الإصابة أو العجز المؤقّت أو التهيّج الحسّيّ من خلال عملها الكيميائيّ، ومن أبرز الأحداث التي تمّ استخدام الأسلحة الكيماويّة على نطاق واسع خلال فيها، كانت الحرب العراقيّة الإيرانيّة الّتي استمرّت من عام 1980 إلى عام 1988، وراح ضحيّة هذه الهجمات أكثر من 5000 شخص.

ووجدت دراسة أجرتها منظّمة الصحّة العالميّة "WHO" في عام 2003 أنّ استخدام الأسلحة الكيميائيّة في أثناء الحرب العراقيّة الإيرانيّة كان له تأثير كبير على صحّة أولئك الّذين تعرّضوا للموادّ الكيميائيّة، خاصّة غاز الخردل حيث كان المصابون أكثر عرضة للإصابة بأمراض الجهاز التنفّسيّ والأمراض الجلديّة والسرطان. وفي عام 2013، وقع هجوم كيميائيّ في سوريا، حيث أفادت وسائل إعلام أنّ الحكومة السوريّة استخدمت غاز السارين ضدّ مواطنيها.

وبالإضافة إلى التأثير المباشر على حياة الإنسان، يمكن أن تسبّب هذه الأسلحة أضرارًا طويلة المدى للنظام البيئيّ، كما حدث في فيتنام، حيث ارتبط استخدام الأسلحة الكيميائيّة في أثناء حرب فيتنام بتدمير المحاصيل والغابات وتلوّث التربة والمياه.

يمكن أن يكون لتأثير الأسلحة البيولوجيّة والكيميائيّة على البيئة عواقب اقتصاديّة كبيرة أيضًا. على سبيل المثال، أدّت هجمات الجمرة الخبيثة عام 2001 إلى إغلاق العديد من المباني الحكوميّة والشركات، ممّا أدّى إلى خسائر اقتصاديّة كبيرة. وبالمثل، كان لاستخدام الأسلحة الكيميائيّة في سوريا تأثير كبير على اقتصاد البلاد، مع العديد من الشركات والصناعات الّتي تتأثّر بالنزاع المستمرّ.

ويعتبر استخدام هذه الأسلحة انتهاكًا للقانون الدوليّ، ويمكن أن يؤدّي إلى توتّرات سياسيّة بين الدول، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون لاستخدام هذه الأسلحة تأثير كبير على الهياكل والعلاقات الاجتماعيّة، كما يمكن أن يؤدّي استخدامها ضدّ مجموعات أو مجموعات معيّنة من السكّان إلى الوصم الاجتماعيّ والتمييز، مع نبذ العديد من الأفراد أو استبعادهم من المجتمع.

وتعتبر اتّفاقيّة الأسلحة البيولوجيّة "BWC" واتّفاقيّة الأسلحة الكيميائيّة "CWC" معاهدتان دوليّتان تحظران تطوير وإنتاج وتخزين هذه الأسلحة، حيث دخلت اتّفاقيّة الأسلحة البيولوجيّة حيّز التنفيذ منذ عام 1975، ووقعتها 183 دولة، بينما دخلت اتّفاقيّة الأسلحة الكيميائيّة حيّز التنفيذ منذ عام 1997، ووقعتها 193 دولة، ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الاتّفاقيات والمعاهدات، فقد كانت هناك حالات عديدة من البلدان الّتي انتهكت هذه المعاهدات.

جدير بالذكر، أنّ التقدّم في التكنولوجيا والعلوم أدّى أيضًا إلى تطوير علاجات ولقاحات جديدة لمواجهة آثار الأسلحة البيولوجيّة والكيميائيّة، فخلال السنين الماضية، طوّرت لقاحات متاحة لبعض أكثر العوامل البيولوجيّة فتكًا، مثل الجمرة الخبيثة والجدري.

التعليقات