حدائق الحيوانات: انتقادات تتجدّد منذ أكثر من قرن بما يخصّ "انتهاك حقوقها"

وتعتبر آثار حدائق الحيوان على الحيوانات موضوعًا للكثير من الأبحاث والدراسات على مدار العقود الماضية، إذ أنّ أسرها يمكن أن يؤدّي إلى مشاكل قاتلة بالنسبة لهذه الحيوانات

حدائق الحيوانات: انتقادات تتجدّد منذ أكثر من قرن بما يخصّ

(Getty)

لطالما كانت حدائق الحيوان جزءًا من الثقافة البشريّة لعدّة قرون، فمنذ العصور القديمة، جمع الملوك والأباطرة الحيوانات الغريبة من الأراضي البعيدة، وأبقوها في الأسر للترفيه عنهم، وبمرور الوقت، تطوّرت فكرة حديقة الحيوان، والآن ينظر إليها الكثير من الناس على أنّها مؤسّسات تعليميّة تتيح لنا التعرّف على الحيوانات المتنوّعة في العالم وتقديرها، ومع ذلك، فقد تعرّضت حدائق الحيوان للنقد في السنوات الأخيرة بسبب التعامل الجائر مع هذه الحيوانات.

ومن أبرز الانتقادات التي توجّه خلال السنوات الأخيرة لحدائق الحيوانات في العالم، هي القسوة على الحيوانات، إذ غالبًا ما تكون الحيوانات الّتي يتمّ الاحتفاظ بها في حدائق الحيوان محصورة في مساحات صغيرة، ممّا قد يؤدّي إلى مشاكل جسديّة ونفسيّة، وعلى سبيل المثال، قد تتعرّض الحيوانات الّتي اعتادت التجوّل في مناطق كبيرة في البرّيّة للتوتّر والاضطراب عندما يتمّ الاحتفاظ بها في مساحات صغيرة، وبالإضافة إلى ذلك، تعتبر بعض الحيوانات كائنات اجتماعيّة تحتاج إلى التفاعل مع الآخرين من نوعها، وعندما يتمّ إبقاؤها بمفردهم، قد تصاب بالاكتئاب والانسحاب، فيما تتزايد الدعوات حول العالم لإغلاق هذه الحدائق المستخدمة للترفيه، وتنطلق الدعوات من استبدال هذه الحدائق، وزيارة المتنزّهات الوطنيّة والمحميّات التي تعيش فيها هذه الحيوانات في البريّة.

وتعتبر آثار حدائق الحيوان على الحيوانات موضوعًا للكثير من الأبحاث والدراسات على مدار العقود الماضية، إذ أنّ أسرها يمكن أن يؤدّي إلى مشاكل قاتلة بالنسبة لهذه الحيوانات، فقد أثبتت الدراسات أنّ الحيوانات في حدائق الحيوان، قد تطوّر سلوكيّات نطميّة، مثل السرعة أو التأرجح ذهابًا وإيابًا، وهو ما يشير إلى التوتر لديها، بالإضافة إلى مشاكل صحيّة مثل ضعف جهاز المناعة لدى هذه الحيوانات، حيث يتمّ منعها في الانخراط في سلوكها الطبيعيّ، مثل الصيد أو البحث عن الطعام، وهو ما يقود بالنهاية إلى فقدان هذه الحيوانات لغرائزها الطبيعيّة.

وعلى الرغم من الانتقادات الحادّة التي توجّه لحدائق الحيوانات، إلّا أنّها مستمرّة وفي تزايد مستمرّ، نظرًا للربح الذي تحقّقه، بالإضافة إلى الادّعاء بأنّها توفّر للناس فرصة لرؤية والتعرّف على هذه الحيوانات التي لن يتمكّنوا من رؤيتها، والبرامج التعليميّة المصمّمة لتعريف الناس بها، وغالبًا، ما تموّل حدائق الحيوانات المشاريع البحثيّة المصمّمة لدراسة وحماية الأنواع المهدّدة بالانقراض.

ومن جانب آخر، توفّر حدائق الحيوانات الحماية للحيوانات التي أصيبت في البريّة، حيث تعيد تأهيلها وتعيدها إلى البريّة، وغالبًا ما يتمّ العمل على ذلك من منظّمات عديدة لتربية الأنواع المهدّدة للانقراض، وإعادتها للبريّة مجدّدًا.

وعلى مدار المائة عام الماضية، كانت هناك تغييرات كبيرة في طريقة عمل حدائق الحيوان، واستجابة للانتقادات، نفّذت العديد من حدائق الحيوان سياسات وبرامج مصمّمة لتحسين رفاهية الحيوان، على سبيل المثال، زادت العديد من حدائق الحيوان من حجم حظائر الحيوانات، ووفّرت المزيد من الفرص للحيوانات للانخراط في السلوكيّات الطبيعيّة، بالإضافة إلى ذلك، توقّفت العديد من حدائق الحيوان عن تنظيم عروض الحيوانات، وركّزت عوضًا عن ذلك على البرامج التعليميّة الّتي تعزّز الحماية والوعي، وفي الولايات المتّحدة، تعتمد جمعيّة حدائق الحيوان وحدائق الأحياء المائيّة "AZA" حدائق الحيوان الّتي تلبّي معايير معيّنة لرعاية الحيوانات، إذ يتطلّب الاعتماد أن تفي حدائق الحيوان بمعايير صارمة لإسكان الحيوانات والنظام الغذائيّ والرعاية البيطريّة.

وأظهرت العديد من الدراسات أنّ برامج الاعتماد كان لها تأثير إيجابيّ على الرفق بالحيوان في حدائق الحيوان، حيث وجدت دراسة نشرت في مجلّة "Animal Welfare" أنّ حدائق الحيوان المعتمدة من "AZA" بها حظائر للحيوانات أكبر بكثير من حدائق الحيوان غير المعتمدة، ووجدت الدراسة أيضًا أنّ حدائق الحيوان المعتمدة توفّر المزيد من الفرص للحيوانات للانخراط في السلوكيّات الطبيعيّة، مثل التسلّق والبحث عن الطعام.

وأظهرت الدراسة أنّ برامج الإثراء يمكن أن يكون لها تأثير إيجابيّ على الرفق بالحيوان في حدائق الحيوان، حيث وجدت الدراسة أنّ تزويد الشمبانزيّ بمجموعة متنوّعة من العناصر، مثل الألعاب والألغاز والأطعمة الجديدة، أدّى إلى زيادة في مستويات نشاط الحيوانات وانخفاض في السلوكيّات غير الطبيعيّة، كما أنشأت العديد من حدائق الحيوان برامج تربية للأنواع المهدّدة بالانقراض، بهدف إعادة إدخالها في البرّيّة، حيث نجحت حديقة حيوان سان دييغو في تربية العديد من الأنواع المعرّضة للانقراض، بما في ذلك كوندور كاليفورنيا والنمس أسود القدمين، وأطلقوها في البرّيّة بعد ذلك.

التعليقات