إزالة الغابات: تهديد عالميّ للتنوّع البيولوجيّ والسكّان الأصليّين

وبحسب خبراء، فالغابات ليست مجرّد مجموعة من الأشجار؛ فهي أنظمة بيئيّة معقّدة تدعم مجموعة مذهلة من الأنواع النباتيّة والحيوانيّة، ويؤدّي تدميرها إلى فقدان الموائل، ممّا يدفع عددًا لا يحصى من الأنواع إلى حافّة الانقراض

إزالة الغابات: تهديد عالميّ للتنوّع البيولوجيّ والسكّان الأصليّين

(Getty)

يواجه العالم أزمة غير مسبوقة تتجاوز الحدود الجغرافيّة وتهدّد التوازن الدقيق لأنظمتنا البيئيّة، وهي أزمة إزالة الغابات، والّتي برزت على نطاق واسع وبلا هوادة باعتبارها واحدة من التحدّيات البيئيّة الأكثر إلحاحًا في عصرنا، مع عواقب بعيدة المدى على التنوّع البيولوجيّ، واستقرار المناخ، وسبل عيش الإنسان.

ولا تعتبر أزمة إزالة الغابات قضيّة محلّيّة؛ وإنّما تحدّيًا عالميًّا يتطلّب اهتمامًا وعملًا فوريًّا، إذ تؤكّد الدراسات البحثيّة الّتي تمّ تسليط الضوء عليها إلى الحاجة الملحّة لمعالجة إزالة الغابات لحماية التنوّع البيولوجيّ، والتخفيف من تغيّر المناخ، والحفاظ على التراث الثقافيّ لمجتمعات السكّان الأصليّين

وتعتبر إزالة الغابات، أي الإزالة المتعمّدة للغابات لإفساح المجال للزراعة، والبنية التحتيّة، والتوسّع الحضريّ، تحدث منذ قرون، ومع ذلك، فإنّ المعدّل الحاليّ لإزالة الغابات مرتفع بشكل مثير للقلق ويسبّب ضررًا لا يمكن إصلاحه للنظم البيئيّة لكوكب الأرض، ويقدّر الصندوق العالميّ للحياة البرّيّة (WWF) أنّ أكثر من 30 مليون فدّان من الغابات تفقد كلّ عام، أي ما يعادل مساحة بحجم ولاية بنسلفانيا تختفي سنويًّا.

وبحثت دراسة نشرت في مجلّة Nature في عام 2021 في دوافع إزالة الغابات في غابات الأمازون المطيرة، وهي واحدة من أكثر النظم البيئيّة تنوّعًا بيولوجيًّا وحيويّة على وجه الأرض، وكشفت عن أنّ قطع الأشجار غير القانونيّ والزراعة على نطاق واسع وتطوير البنية التحتيّة كانت الدافع الرئيسيّ لإزالة الغابات في منطقة الأمازون، وكثيرًا ما تتغذّى هذه الأنشطة على الحوافز الاقتصاديّة، ممّا يؤدّي إلى حلقة مفرغة من التدهور البيئيّ.

وبحسب خبراء، فالغابات ليست مجرّد مجموعة من الأشجار؛ فهي أنظمة بيئيّة معقّدة تدعم مجموعة مذهلة من الأنواع النباتيّة والحيوانيّة، ويؤدّي تدميرها إلى فقدان الموائل، ممّا يدفع عددًا لا يحصى من الأنواع إلى حافّة الانقراض، كما أنّ فقدان التنوّع البيولوجيّ لا يقلّل من جمال وثراء الكوكب فحسب، بل يعطّل أيضًا العمليّات البيئيّة الحيويّة، مثل التلقيح ودورة المغذّيات.

وفي دراسة نشرت في مجلّة Science Advances، أجرى الباحثون تحليلًا عالميًّا لتأثير إزالة الغابات على التنوّع البيولوجيّ، ووجدت الدراسة أنّ إزالة الغابات هي المحرّك الرئيسيّ لانقراض الأنواع، حيث يقدّر أنّ ما يقرب من 500000 نوع معرّضة لخطر الانقراض بسبب فقدان الموائل خلال القرن المقبل، وتؤكّد هذه الإحصائيّة المثيرة للقلق الحاجة الملحّة لمعالجة إزالة الغابات لحماية التنوّع البيولوجيّ في العالم.

وتلعب الغابات دورًا حاسمًا في التخفيف من تغيّر المناخ من خلال العمل كمصارف للكربون، وامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوّيّ، وعندما تتمّ إزالة الغابات أو تدهورها، ويتمّ إطلاق هذا الكربون المخزّن مرّة أخرى إلى الغلاف الجوّيّ، ممّا يساهم في ظاهرة الاحتباس الحراريّ ويؤدّي إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراريّ.

ونشرت هذه الدراسة في مجلّة Environmental Research Letters عام 2020، وركّزت على قياس دور إزالة الغابات في انبعاثات الكربون، ووجد الباحثون أنّ إزالة الغابات وتدهورها يساهمان في ما يقرب من 20% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالميّة، ممّا يجعلها محرّكًا مهمًّا لتغيّر المناخ، وتعدّ حماية الغابات الموجودة واستعادة الغابات المتدهورة من الاستراتيجيّات الحاسمة للتخفيف من آثار تغيّر المناخ.

وتمتدّ العواقب المترتّبة على إزالة الغابات إلى ما هو أبعد من الاضطرابات البيئيّة؛ كما أنّ لها آثارًا اجتماعيّة واقتصاديّة عميقة، ويعتمد العديد من مجتمعات السكّان الأصليّين على الغابات في أسلوب حياتهم، وغالبًا ما تؤدّي إزالة الغابات إلى النزوح وفقدان المعرفة التقليديّة، علاوة على ذلك، توفّر الغابات موارد مثل الأخشاب والنباتات الطبّيّة والمنتجات الحرجيّة غير الخشبيّة الّتي تساهم في الاقتصادات المحلّيّة.

وبحسب الدراسة، فإنّه يتعيّن على الحكومات في جميع أنحاء العالم أن تسنّ وتنفّذ قوانين صارمة ضدّ قطع الأشجار وإزالة الغابات بشكل غير قانونيّ. ويمكن للأطر القانونيّة الفعّالة أن تكون بمثابة رادع وتوفّر الأدوات اللازمة لمكافحة إزالة الغابات، كما أنّ تشجيع الممارسات الزراعيّة المستدامة، مثل الحرّاجة الزراعيّة وإعادة التشجير، يمكن أن يساعد في تلبية الطلب المتزايد على الغذاء مع تقليل التأثير على الغابات، بالإضافة إلى أنّ هناك حاجة ملحّة إلى استثمارات كبيرة لاستعادة الأراضي المتدهورة وإعادة زراعة الغابات، حيث لا تستطيع مشاريع إعادة التشجير عزل الكربون فحسب، بل يمكنها أيضًا خلق فرص العمل ودعم التنوّع البيولوجيّ.

ويعتبر الاعتراف بحقوق مجتمعات السكّان الأصليّين في أراضي أجدادهم واحترامها أمر بالغ الأهمّيّة، إذ كانت الشعوب الأصليّة تاريخيًّا مشرفين فعّالين على الغابات، حيث يمكنها أن تلعب دورًا محوريًّا في جهود الحفاظ على البيئة.

التعليقات