من "بهارات" إلى "الهند": تاريخ استعماري أسود قام على الاستغلال

خلال عصر الاستعمار البريطانيّ، تحوّل اسم القارّة الهنديّة المعروفة اليوم، والتي كانت تُعرف باسم بهارات إلى الهند، وذلك نتيجة للحكم الاستعماريّ البريطانيّ، والذي شكّل معه تحوّلات في جوانب اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة وثقافيّة

من

(Getty)

تتزايد التكهّنات مؤخّرًا، حول تغيير اسم الهند إلى "بهارات"، وذلك بعد أن استبدلت حكومة رئيس الوزراء الهنديّ، ناريندرا مودي، اسم الهند في دعوات العشاء المرسلة إلى ضيوف قمّة العشرين، إلى "بهارات"، وذلك في خطوة تعكس جهود حزبه القوميّ الهندوسيّ لإزالة الاسم الذي يعود إلى الحقبة الاستعماريّة.

وتمّت الإشارة إلى رئيسة الهند، دروبادي مورمو، باسم "رئيسة بهارات".

وخلال عصر الاستعمار البريطانيّ، تحوّل اسم القارّة الهنديّة المعروفة اليوم، والتي كانت تُعرف باسم بهارات إلى الهند، وذلك نتيجة للحكم الاستعماريّ البريطانيّ، والذي شكّل معه تحوّلات في جوانب اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة وثقافيّة.

وقبل وصول البريطانيّين، كانت شبه القارّة الهنديّة عبارة عن نسيج من الثقافات واللغات والأديان والتقاليد المتنوّعة، ولم تكن بهارات كيانًا واحدًا، بل كانت عبارة عن مجموعة من الممالك والإمبراطوريّات والدول الأميريّة العديدة، ولكلّ منها طابعها الفريد، وانعكس هذا التنوّع في التباين اللغويّ والدينيّ والثقافيّ لشبه القارّة الهنديّة، مع تاريخ غنيّ بالتجارة والفلسفة والفنّ.

وكان وصول شركة الهند الشرقيّة البريطانيّة في القرن السابع عشر بمثابة بداية تحوّل كبير في بهارات، ففي البداية، أنشأ البريطانيّون مراكز تجاريّة ودخلوا في تحالفات مع الحكّام المحلّيّين، ولكن مع مرور الوقت، قاموا بتوسيع سيطرتهم الإقليميّة تدريجيًّا من خلال مزيج من الدبلوماسيّة والقوّة.

تميّز استعمار بهارات بعدّة سمات رئيسيّة، منها الاستغلال الاقتصاديّ، حيث استغلّ البريطانيّون موارد بهارات، بما في ذلك التوابل والمنسوجات والأفيون لمصلحتهم الاقتصاديّة، ممّا استنزف ثروات البلاد وأثّر على بنيتها الاقتصاديّة، كما أدخل البريطانيّون نظامًا إداريًّا مركزيًّا حلّ محلّ أنظمة الحكم التقليديّة، وشمل ذلك إنشاء البيروقراطيّة، والإصلاحات القانونيّة، والسياسات الضريبيّة الّتي فضّلت المصالح البريطانيّة على مصالح السكّان هناك، بالإضافة إلى التغييرات الثقافيّة التي أحدثها الاستعمار البريطانيّ، بما في ذلك انتشار التعليم واللغات والعادات الغربيّة، إذ كان البريطانيّون يهدفون إلى تنصير السكّان الهنود، وهو ما أدّى إلى توتّرات دينيّة هائلة في شبه القارّة الهنديّة، كما أدّى النظام الاستعماريّ البريطانيّ، إلى إدامة التسلسل الهرميّ والانقسامات الاجتماعيّة، لا سيّما من خلال التلاعب بالهياكل الطبقيّة، وقد تفاقم النظام الاجتماعيّ الصارم بسبب إدخال قوانين ولوائح جديدة.

وكان للتدخّلات البريطانّة الكثير من التأثيرات والعواقب، منها العواقب الاقتصاديّة، فمن ناحية، أدخل البريطانيّون البنية التحتيّة الحديثة مثل السكك الحديديّة وأنظمة التلغراف والريّ، ومن ناحية أخرى، استغلّوا موارد بهارات واستنزفوا ثرواتها، ممّا أدّى إلى صعوبات اقتصاديّة لغالبيّة السكّان، كما عملت الإدارة الاستعماريّة البريطانيّة على إدامة عدم المساواة الاجتماعيّة والتسلسلات الهرميّة، واستمرّ التمييز على أساس الطبقة الاجتماعيّة، وكثيرًا ما قوبلت الإصلاحات الاجتماعيّة بمقاومة من النخب التقليديّة.

وكان الحكم الاستعماريّ البريطانيّ بمثابة تحوّل كبير في المشهد السياسيّ في بهارات، حيث لم تعد شبه القارّة الهنديّة يحكمها الأمراء الأصليّون، بل كان يحكمها مسؤولون معيّنون من قبل البريطانيّين، وبدأ النضال من أجل الاستقلال السياسيّ والحكم الذاتيّ يكتسب زخمًا كبيرًا لاحقًا، كما كان لإدخال التعليم والثقافة الغربيّة تأثير عميق على المجتمع الهنديّ، وبينما أدّى ذلك إلى ظهور طبقة متعلّمة حديثة، فقد خلق أيضًا صراعًا ثقافيًّا بين القيم الهنديّة التقليديّة والتأثيرات الغربيّة المفروضة فرضًا من قبل الاستعمار الغربيّ للبلاد.

ووعلى الرغم من التحدّيات الّتي فرضها الاستعمار البريطانيّ، شهدت بهارات مقاومة كبيرة ورغبة متزايدة في الاستقلال، حييث لعبت مختلف الحركات والقادة أدوارًا محوريّة في النضال ضدّ الحكم الاستعماريّ، مثل المؤتمر الوطنيّ الهنديّ، والذي تأسّس عام 1885، وبرز كحزب سياسيّ بارز يدعو إلى الحكم الذاتيّ والاستقلال، وقد لعب زعماء مثل المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو أدوارًا حاسمة في نضال المؤتمر الوطنيّ من أجل الحرّيّة، بالإضافة إلى حركة "اخرجوا من الهند" التي تشكّلت عام 1942، وتسبّبت في نقطة تحوّل في النضال من أجل الاستقلال، وأدّت الاحتجاجات الجماهيريّة وحملات العصيان المدنيّ إلى زيادة التركيز البريطانيّ على المفاوضات من أجل استقلال الهند.

وكان الحصول على الاستقلال في عام 1947 بمثابة ولادة الهند الحديثة، حيث واجهت الدولة المشكلة حديثًا العديد من التحدّيات، بما في ذلك الحاجة إلى معالجة القضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة الموروثة من الحكم الاستعماريّ، كما شرعت البلاد في السير على طريق الإصلاحات الاجتماعيّة الّتي تهدف إلى القضاء على التمييز الطبقيّ وتعزيز المساواة الاجتماعيّة، وتمّ تقديم مبادرات مثل التحفّظات للفئات المحرومة لمعالجة المظالم التاريخيّة، وتبنّت الهند نموذج الاقتصاد المختلط، الّذي يجمع بين عناصر الاشتراكيّة والرأسماليّة، كما ركّزت البلاد على التصنيع والنموّ الاقتصاديّ، من خلال مبادرات مثل الخطط الخمسيّة.

تبنّت الهند نظامًا سياسيًّا ديمقراطيًّا، مع دستور يضمن الحقوق والحرّيّات الأساسيّة لمواطنيها، كما اعتنقت الأمّة مبادئ العلمانيّة والفدراليّة، كما شهدت ازدهار صناعة السينما والأدب والفنون على المسرح الدوليّ.

التعليقات