14/04/2018 - 16:37

النكبة حكايات تتجدد ولا تنتهي

قرية هوشة المهجرة محاذية لمدينة شفاعمرو، تشتت وتهجر أهلها بين ليلة وضحاها، عام النكبة 1948، دون أن يقترفوا أدنى ذنب، حيث تشرّد سكانها إلى بلدات في الداخل الفلسطيني، وإلى لبنان وسورية، لتتواصل بذلك فصول النكبة التي تتواصل تداعياتها، ولا تقف

النكبة حكايات تتجدد ولا تنتهي

أرشيفية

قرية هوشة المهجرة محاذية لمدينة شفاعمرو، تشتت وهُجِّر أهلها بين ليلة وضحاها، عام النكبة 1948، دون أن يقترفوا أدنى ذنب، حيث تشرّد سكانها إلى بلدات في الداخل الفلسطيني، وإلى لبنان وسورية، لتتواصل بذلك فصول النكبة التي تتواصل تداعياتها، ولا تقف عند أي حد.

المُهجَّر من قرية هوشة، محمد طاهر الحاج علي يسكن في مدينة شفاعمرو، ولا تزال ذاكرته حية، لذلك فإنه يشعر بحسرة عميقة، بسبب رحلة العذاب والشقاء التي قادت العائلة من بلدة إلى بلدة، حيث هُجِّر من فلسطين إلى لبنان، وصولا إلى سورية، ليتحقق نصف العودة، أي إلى الوطن وليس إلى بلده، وفي حديثه لـ"عرب 48" استعرض الحاج علي لحظات التهجير وحاله اليوم قائلا: "إن مرارة التهجير لا يعرفها إلا من جرّبها وفُرِضت عليه قسرا، وبدأت فصولها عندما سمعنا أن الجيش سيهاجم البلدة وبدأ الأهالي يستعدون للمقاومة وتحضير السلاح الذي لم يكن من اليسير الحصول عليه ومنهم والدي الذي باع قطعة أرض لشراء السلاح".

وأكمل الحاج علي: "أذكر عندما كنت ابن 9 سنوات عندما وضع والدي كوما من الرصاص المتآكل وكلّفنا بتنظيفه من الصدأ، وعندما حاولوا تجريب السلاح؛ كانت البارودة تُطلق نصف رصاصة والنصف الآخر يبقى عالقا داخل قطعة السلاح، الأمر الذي يُدلِّل على ضعف الإمكانيات. بعد ذلك بأسابيع، سمعنا عن استعداد الجيش دخول البلدة بعد أن كانت مواجهات بين جيش الإنقاذ بمشاركة الأهالي، والاشتباك مع اليهود ومحاولة اقتحام " كيبوتس رمات يوحنان" وكفرتا القريبتان من هوشة لدرجة أن السكان اليهود كانوا ينقلون أبناءهم إلى بلدات أخرى خوفا عليهم، إلا أن نقطة تحول حصلت بعد أن أُخبر الأهالي بأن قيادة جيش الإنقاذ في البلدة، تلقت الأوامر بالخروج من هوشة ولم يعرف أحد أسباب هذا الانسحاب.

قتل الحصان وأسر المختار

ويتابع الحاج علي بعد انسحاب جيش الإنقاذ، "اجتمع وجهاء البلد وقرروا أن نخرج من البلدة، مع النساء والأطفال، إلا أن المختار رفض الخروج ليبقى وحده في هوشة وهكذا خرج الأهالي إلى منطقة "عين الزيان" الواقعة بين هوشة وشفاعمرو؛ وهناك نصبنا خيمة أو ماشابه بين الأشجار، وفي صباح اليوم الثاني، بعد خروجنا؛ قررمختار قرية الكساير الذهاب ليتفقد بلدته وقرية هوشة إلا أن الحاج محمود الوحش الذي لحق بالمختار للاطمئنان على مختار هوشة الذي بقي وحيدا في القرية، وقبل وصوله وبمسافة قرابة 200 متر من هوشة في حاكورة شعبان شاهد أن اليهود أطلقوا النار وقتلوا الحصان وأسروا المختار وعاد إلينا ليُخبر الأهالي بما حدث، وفي هذه اللحظة هرع الجميع وتوجهنا نحو شفاعمرو، ومع وصول الخبر إلى شفاعمرو؛ هبّ كل من معه قطعة سلاح نحو هوشة وأذكر أن شخصا صادفنا من عائلة أبورعد المعروفية يحمل بارودة صيد ويردد "وين بياعين الأرواح" وعلمنا لاحقا أنه استشهد في نفس اليوم مع أبو يوسف وفضل لويس من شفاعمر، هذا ما أذكره من شهداء، كما علمنا أن اليهود في اليوم التالي قاموا بتفجير بيوتنا بالألغام وأن عودتنا أصبحت مستحيلة".

إلى صفورية ومنها إلى لبنان

ويواصل الحاج علي روايته: "لم تكن صفورية قد سقطت، وبعد أن مكثنا ثلاثة شهور في شفاعمرو؛ خرجنا منها عبر طريق وعرية باتجاه صفورية في رحلة لنبحث عن معارفنا هناك، ووصلنا لبيت أبو الشريف في صفورية وهو رجل دين كان يعلمنا في هوشة، إلا أننا وجدنا بيته مزدحما بالمهجرين ولم يبق مكان لاستيعابنا، بحيث تابعنا بعدها ليلا إلى قلعة صفورية، وفي طريقنا؛ أذكر أنني سمعت أصواتا تحت شجرة خروب وعندما اقتربنا وجدنا أنها مجموعة نساء يُحِطن بامرأة في عملية ولادة عسيرة، وفي تلك الأثناء، أذكر أننا ذُهلنا لصوت انفجار قنبلة أُلقيت من طائرة لكنها تسبب بإحداث حفرة كبيرة في الأرض، ولم يُصب أحد ليُكتَب لنا الحياة. تابعنا بعدها المسير إلى أن وصلنا القلعة ووجدنا أن المكان مزدحم بأهالي هوشة".

ويتابع: "في اليوم التالي تابعنا مشوار التهجير إلى، سخنين مكثنا أياما قليلة تحت شجر الزيتون مثل الكثيرين من المهجرين، لنتابع رحلة المعاناة إلى وادي سلامة؛ وصلنا إلى هناك وشربنا من مياه الوادي، وشرب كذلك حصان والدي، وبعد أن شعر والدي بحجم المعاناة قال: الآن سنعود إلى شفاعمرو، إلا أن والدتي رفضت فكرة العودة بسبب خوفها على أخي فضيل المطلوب لليهود، لذلك قرر أبي أن يعود وحده، وعلمنا بعدها أنه تم القبض عليه بعد وصوله لشفاعمرو، وحُكم بالسجن 14 شهرا. وأكملنا مشوارنا الشاق مع المهجرين، حتى وصلنا بنت جبيل في لبنان ومنها إلى مخيم "عنجرة" وبعدها بقي من بقي من المهجرين في لبنان ونحن قررنا مواصلة مشوارنا إلى سورية، حتى وصلنا إلى الشام (دمشق) وأقمنا قرابة السنة هناك ثم انتقلنا إلى بلدة "كفر سوسا" وعملت هناك رغم صغر سني في حرفة صناعة النحاس بسبب الظروف المعيشية القاسية.

طريق العودة

يستذكر الحاج علي طريق العودة ويقول: "في تلك الفترة كان هناك ما يُسمى بالمتسللين من لبنان وسورية عبر الحدود إلى فلسطين، وهكذا فعل أخي فضيل، حيث تسلّل بعد سنة من اللجوء ووصل في عام 1951 إلى بيت أختي المتزوجة في شفاعمرو، وخلال ذلك قام الجيش بمداهمة البيت إلا أن اختي قامت بإخفائه في صندوق كبير حيث نجى من قبضة الجيش ليعود مرة أخرى إلى سورية، لكنه لم يتوقف بين حين وآخر عن عبور الحدود والعودة". علمنا لاحقا أنّ والدي الذي سُجِن في إسرائيل، قد انتهت محكوميته وقد خيروه بين البقاء في البلاد أو الهجرة خارجها، ليُقرّر البقاء، رغم رغبته في الوصول إلينا في سورية، لذا قرّر أخي أن نعود إلى شفاعمرو، وهذا ما تم؛ حيث العودة من سوريا مرورا إلى مارون الراس جنوبي لبنان، وهناك كانت أخطر محطة في عبور الحدود، إلا أنها تمّت بنجاح، ودخلنا البلاد، وفي طريقنا توقفنا في قرية نحف للاستراحة لدى معارف للعائلة، وبعدها كانت خاتمة أحد فصول المعاناة بعد أن وصلنا بيت أختي رهيفة ليلتم شمل العائلة. وتمكن البالغون من العائلة بعد ثلاث سنوات، من الحصول على بطاقة هوية، لكن بقي فصل العودة إلى قرانا جرحا مفتوحا ومعاناة مستمرة لكل اللاجئين في الداخل والشتات، إلى حين العودة.

التعليقات