المسيحيون ألعرب ودورهم في القومية العربية بفلسطين../ *أحمد مروات

• ردا في ما جاء من تصريحات ألمطران الياس شقور في صحيفة كل العرب * " ألمسيحيون في ألشرق العربي متجذرون في ألعروبة وهم ليسوا بحاجة لشهادة حسن سلوك من أحد لا أمس ولا أليوم "…* * ألمطران جورج خضر مطران جبل لبنان للروم ألاورثوذكس*

     المسيحيون ألعرب ودورهم  في القومية العربية بفلسطين../ *أحمد مروات
اقتضت ألحقائق ألتاريخية لإنصاف دور المسيحيين العرب، وثبت أن لهم ارث كبير في تاريخ فلسطين، وأنهم شكلوا جزءا هاما من المجتمع ألعربي قبل ألإسلام، ناهيك أن الثوابت التاريخية أبرزت الدور العسكري الذي قام بة المسيحيون إلى جانب المسلمون وخاصة الغساسنة والمناذرة الذين اعتبروا المسلمين أخوة في الدم واللغة بالتأكيد على الانتماء العربي لديهم الذين هم جزءا لايحيد بشبر ولا ينقص بحجم حيث يؤكد المطران الياس شقور أنة يسعى إلى إخوة الدم مع اليهود والصهيونيين ! وهنا وجة النقيض بين ما تم التصريح بة أن المسحيين ليسوا وطنيين تاريخيا وعقائديا وينقصهم الخلفية التاريخية !

لابد لسيادة المطران الياس شقور ان يعرف أن بداية القومية المسيحية تسارعت بالتبلور مع أواخر زوال حكم بني عثمان خاصة ما شهدتة فلسطين من تآخي بين الطرفين مسيحيين ومسلمين الشيء الذي وحد مواجهة وهندسة الاستيطان الصهيوني في البلاد بطولها وعرضها.
وضرب الفلسطينيون قبل غيرهم مثلا رائعا في الوحدة ألإسلامية - ألمسيحية والمشاركة التامة بينهم في جميع المحافل العامة حيث واكب الفكر المسيحي الفلسطيني مسيرة شعب وتفاعل معها، وأثبت المسيحي أنة عربي بالدم والوطنية ومسيحي في الدين والعرق وواع لوطنيتة من غير انعزال .

في هذا الاتجاه عمل المسيحيون الفلسطينيون على إيقاظ الشعور الوطني وبناء الإنسان العربي الجديد المتحرر من الطائفية ابتداءا من نير العبودية التي انتهجتها الكنسية الغربية التي لم تحظى بقسط وافر من معنى الوطنية وعشق ألارض والمكان.
وخاصة الاحتلال والهيمنة اليونانية للكنيسة العربية الاورثوذكسية التي اكتسبت اللون اليوناني بسبب خطأ تاريخي اسقطتة الدولة العثمانية لليونان والتي نالت المال مقابل الصكوك التاريخية التعسفية تجاه المسيحيون العرب الروم الذين ثاروا وأعلنوا سخطهم لهذه المظالم وكشف التلاعب بأوقافهم المقدسة التي أصبحت عرضة للتهويد المدفوع سلفا من قبل السلطات الإسرائيلية أليوم ومع هذا فقد برزت في هذة الحقب أسماء وشخصيات مسيحية كانت حجر الرحى في الساحة الوطنية أمثال يعقوب فراج وخليل ألسكاكيني وشكري الديب وأنطون عطا الله وعيسى العيسى ومغنم مغنم ومسعد ألصابغ وميخائيل التوما وسمعان داوود وحنا خليف وجبرا عيسى وسمعان نصار والقائمة طويلة ومستمرة إلى يومنا هذا ..


كان المسيحيون في تلك الفترة أكثر وعيا وثقافة بسبب الإقبال العلمي وتمرسهم اللغات الغربية التي احتضنتها الكنائس ودور العبادة مما منحهم زخما لتبوء مراكز هامة ومسؤولة في كافة المؤسسات ومن أبرزها التعليم والأدب والصحافة والإعلام والعمل السياسي . لذا فلا عجب في بروز طبقة من ألأعلام والجهابذة الذي كان لهم الاثر في تغيير بوصلة الخارطة الفلسطينية الأدبية والثقافية والسياسية على مرار كثر من 150 عام مضت .

نشط المسيحيون في كافة المجالات وعلى رأس ذلك العمل الوطني، حيث انضموا للحركات السياسية التي كانت حتى نهاية القرن التاسع عشر حكرا للإدارة العثمانية.

اقتضت الحاجة الوطنية وخاصة في أول سني الانتداب البريطاني الزائف حشد الجهود والتنظيم الشعبي لعرب فلسطين لمواجهة الأخطار الصهيونية خاصة بعد أن اعترفت حكومة الانتداب بالوكالة الصهيونية كهيئة عليا تهتم من خلال استقلالية داخلية في إدارة ما يتعلق بقضايا التمثيل السياسي مثل الاستيطان، ألأمن، التعليم، والاقتصاد للسكان اليهود .
في حين عمد العرب في ظل غياب هيئات شعبية سياسية ممثلة لهم إلى تأسيس الجمعيات الإسلامية - المسيحية التي انتشرت بكافة المدن الفلسطينية وهدف التأسيس هو تجربة تعاون سياسي مسيحي إسلامي شعارها الهلال والصليب في تاريخ البلاد، حيث أصبح المسيحيون على اثر ذلك شركاء في المواطنة بعد أن كانوا لسنين عديدة تابعين لها وخاصة " نظام ألملة وأهل ألذمة الذي عمل فرزا بين الطوائف ولجم قدرات المسيحيين بكافة أشكالها.. "

على صعيد آخر شارك المسيحيون في المواكب والاحتفالات الداعية إلى الوحدة والاستقلال رغم طابعها الديني أحيانا إلى إنها تحولت بعد ذلك إلى تجمعات وطنية عبرت عن مشاعر العرب المسيحيين حيث تماثل موقفهم تماما مع الموقف العربي الداعي إلى عدم التعاون مع بريطانيا بما يخص فلسطين ومستقبلها مما أدى بالنهاية إلى إقصائهم عن أي تأثير وخلق فراغ سياسي قام اليهود بملئة وبالعمل على سدة من خلال توثيق علاقتهم مع الانتداب الانجلوصهيوني
وأظن أن في يومنا هذا يشترك المسيحيين وأقصد بعض من رجال الدين ألمتآمرون ! في احتفالات مماثلة في كنف دولة إسرائيل لكن على ما يبدو ان هذة الاحتفالات لها طقوس مختلفة وعمليات تجميلية ظنا أن الاحتلال سيد الموقف ! بينما كان للكثير من رجال الدين المسيحيين من الرعيل الأول الذي ينتقدهم سيادة المطران مواقف مشرفة في زمن كان مزدوجا ما بين الانتداب البريطاني وتغلغل الحركة الصهيونية وانتشارها بفلسطين. حيث الشعور والانتماء القومي والتحدي للأهواء السياسية التي تمس بفلسطين بكل مواضيعها وكان من هذه ألأمثلة المرحوم المطران غرييغورس حجار ألذي استشهد في عملية اغتيال بعد أن اكتشف الانتداب أنة كان ينقل السلاح للثوار الفلسطينيين خفية عام 1939 .
لم يمنع كل ذلك المسيحيين من تصعيد جهودهم ومنح دعمهم الكامل لحركة التحرر ألقومي في مناهضتها للصهيونية وللاستعمار خاصة في المجالين السياسي والإعلامي وقد برزت شخصيات مسيحية نذرت نفسها للعمل منذ بدايتة وساهم خاصة من الاورثوذكس والبروتستانت أعداد فاقت أحيانا نسبتهم السكانية في العمل السياسي حتى وصلت إلى 25 % من النخبة السياسية العربية في فترة الانتداب البريطاني كانوا مسيحيين رغم ان نسبتهم العددية بين السكان العرب لم تتجاوز حينذاك 9 % ..
ساهم المسيحيون أيضا بنسب عالية وصلت أحيانا إلى 40 % في تشكيلة المؤتمرات والوفود الدولية الممثلة لعرب فلسطين، منها مؤتمر الطاولة المستديرة في لندن .
والغريب في ذلك ان المطران يشكك في الخلفية التاريخية للمسيحيين العرب ويشكك بها بينما تعدت أسماء الأعلام والمؤسسات والأدوار السياسية مركزا للتوثيق غطت كل الأحداث والأهواء السياسية بفلسطين . لا بل يشكك أن الشهادة هي ليست من حق المسيحيين أيضا !
وإذا كان الملايين منا يحتفون ببطولة الاستشهاديين في مقاومة الغزاة، فقد كان جول جمال أول استشهادي عرفه تاريخ الصراع في المنطقة. وجول جمال مسيحي .

وكان هذا الضابط السوري هو الذي دمر البارجة الفرنسية الضخمة جان دارك في حرب السويس عام 1956 باستخدام الطوربيد الذي يقوده لكي يصدم به تلك البارجة. وتقول الوثائق التاريخية حول هذا البطل، انه سوري من مواليد اللاذقية وكان ضابطا ميكانيكا. وعندما اندلعت حرب السويس بالهجوم الثلاثي(البريطاني-الفرنسي-الإسرائيلي) على مصر عام 1956 لم يستطع، وهو يستمع الي ما تتعرض له مصر من عدوان، ألا يفعل شيئا، فقرر الالتحاق كمتطوع في سلاح البحرية المصرية. وانضم الي القتال فورا. وذات يوم والحرب ما زالت مستعرة عرف جول جمال ان المدمرة الفرنسية الشهيرة تقترب من بور سعيد، وكانت إحدى أكبر المدمرات في ذلك الزمن ولو وصلت الي الشاطئ المصري لكان بوسعها ان تلحق دمارا بالمدينة، فذهب الي قائده جلال الدسوقي في منتصف الليل وترجاه ان يسمح له بأخذ قارب مليء بالمتفجرات ليصدم به تلك البارجة إذا حدث واقتربت بالفعل من شواطئ بور سعيد. وزوده الدسوقي بالقارب، ويقال انه رافقه في تلك الملحمة، التي أسفرت عن شطر البارجة العملاقة الي نصفين لتغرق بكل من فيها. وكانت هذه العملية من بين أبرز العمليات التي صنعت النصر في المعركة.
والي جانب جول جمال هناك الآلاف ممن لا يُحصون قد سطروا بطولات في أعمال المقاومة والدفاع عن الأوطان في جميع حروبنا ضد المعتدين والغزاة.
بتغييب المسيحيين عن عروبتهم، لن يبقى لدي العرب إلا الدين. ، بمقاييس اليوم، دينا جامعا أبدا. فبدلا من وجود المسيحيين بين المسلمين، كما غيرهم من الطوائف الدينية الأخرى، في بيئة تعايش ومساواة، هو العنصر الاجتماعي الوحيد الذي يمكنه ان يضع التمايزات الطائفية علي معيار وطني جامع.
ووجود المسيحيين بين العرب هو وحده الذي يقدمهم كأمة ذات طبيعة قومية لا كمجرد مجموعة دينية. فالأمم الحديثة، حتي وان كان الدين عنصرا حيويا في وجودها، إلا أنها لا تقوم علي أساس ديني من دون ان تجد نفسها في حرب مع كل دين.
الكثيرون يعتبرون المسيحيين العرب، بالدور التاريخي الذي لعبوه في مشروع النهضة والتحرر، جسرا مع الحضارات الإنسانية الأخرى. ولكن هذا الوصف لا يستقيم مع من كانوا جزءا أصيلا من الأساس القومي لهذا المشروع.
اليوم، المسيحيون العرب أمثال سيادة ألمطران حنا عطا الله ، هم وحدهم الاسمنت الذي يمكنه ان يحافظ على هذا الأساس ألوطني من التفتت. دون التجميل والمداهنة كبعض رجال الدين اليوم .

بينما سياسية رجال الدين اليوم وهم أقلية بان التآخي هي لغة القوة لضمان العيش برخاء وأمن وهو برأي أنة الجبن والخوف والتآمر على ابسط المواقف التي تمس الطائفة أو الرعايا أصحاب الأرض الأصليين..

حيث يشترك الكثير من هؤلاء في المناسبات الاحتفالية في الأوساط اليهودية وسط نوع من الاشمئزاز من الطرف الثاني الشيء الذي لا يليق بمكانة الراعي المفوض تجاه رعاياه..

* باحث ومدير ألأرشيف الفلسطيني بالناصرة .


التعليقات