"حيّ وادي الصليب أمام خطر مضاعف: الهدم والتهويد"

هذا ما أكده د. جوني منصور خلال جولة مجموعة الإنجاز الشعبيّ في حيّ وادي الصليب المهجّر

قامت مجموعة الإنجاز الشعبيّ، الناشطة ضمن البرنامج الشبابيّ في جمعيّة الثّقافة العربيّة، يوم السبت الماضي بجولة ميدانيّة في حيّ وادي الصليب بمدينة حيفا بمرافقة المؤرخ د.جوني منصور، تعرّفت خلالها على تاريخ الحيّ الفلسطينيّ المهجّر وتركّزت في قضيّة المباني والبيوت التاريخيّة التي ما زالت قائمة ويتهدّدها خطر الهدم والتهويد، وخصوصًا في ظل المخططات الرسميّة لتحويل ما تبقى من بيوت الحيّ إلى قرية للفنانين وبناء أبراجٍ تجارية على أراضيه.

وتأتي هذه الجولة ضمن مشروع "عمارتنا" الذي بادرت إليه مجموعة الإنجاز الشعبيّ في جمعيّة الثّقافة العربيّة، وهي مجموعة تطوعيّة من الطلاب والطالبات الجامعيّين الحاصلين على منح دراسيّة من الجمعيّة بدعم من مؤسّسة الجليل-لندن، ويهدف مشروع "عمارتنا" إلى تشجيع الحفاظ على الموروث المعماريّ الفلسطينيّ في المدن والبلدات العربيّة، كونها تشكّل مركبًا ماديًا وحضاريًا للهويّة الوطنيّة وللعلاقة مع مشهديّة المكان والانتماء إليه، وسيشمل المشروع مجموعة من النشاطات الميدانيّة والإعلاميّة ستبادر إليه المجموعة خلال الفترة القريبة.

بدأ د.جوني منصور الجولة بسرد تاريخ تطوّر مدينة حيفا خلال القرون الماضية، وانتقالها من منطقة تلّ السمك الجنوبيّة إلى منطقة حيفا القديمة (حي المحطّة)، ومن ثمّ بناء مدينة حيفا الجديدة على يد القائد العربيّ ظاهر العمر الزيدانيّ قبل ما يناهز 250 سنة، حيث أحاطها بالأسوار وحصّنها واستحدث فيها العمران، وجاء توّسع المدينة الطوليّ خارج أسوارها ليمتدّ إلى الشرق والغرب، وحيّ وادي الصليب هو امتداد المدينة وتوّسعها شرقًا. كما شرح منصور الأثر البالغ لحي الكولونيا الألمانية، رغم انغلاقها الطائفيّ، على الفن المعماريّ وتقنيات البناء والتخطيط المدينيّ وعلى تعبيد الطرق التي ربطت حيفا مع الناصرة وطبريا.

وأكّد د. منصور على أنّ بناء محطة سكة الحديد في حيفا، في أوائل القرن العشرين، أحدث تحوّلا كبيرًا على تطوّر المدينة وحوّلها من مدينة تقليديّة إلى مدينة حديثة فيها حراك سكانيّ واقتصاديّ كبير، وهذا أثّر على حيّ وادي الصليب المحاذي لمحطة القطار، حيث فيه سكن الكثير من العمّال كما سكنت فئات التجّار المعنيين بتسويق نتاجهم الزراعي عبر الميناء (وخصوصًا القمح الحوراني وهو من أجود أنواع القمح في العالم)، وأشار إلى أن الانتداب البريطاني أحدث نقة نوعيّة هائلة في مكانة مدينة حيفا حيث تحوّلت إلى مركز اقتصادي هام جدًا وارتبطت عبر سكك الحديد مع القاهرة وأنشئ الميناء الحديث والمنطقة الصناعية (شركة النفط العراقيّة ومصانع تكرير البترول)، كما شجّع الانتداب ودعم الاستيطان الصهيونيّ ومشاريعه الاقتصاديّة المتركّزة في حيفا.

في السياق ذاته، تطّور حيّ وادي الصليب بشكل خاص لقربه من الميناء الحديث وسكك الحديد على حدٍ سواء، ووصل عدد سكانه في العام 1948 إلى 20 ألف نسمة، وشرح د. منصور عن خطة "المقصّ" التي نفذتها العصابات الصهيونيّة لتهجير سكان حيفا العرب في نيسان 1948 حيث فرّغت المدينة من 72 ألف فلسطيني وبقي فيها 3 آلاف فلسطيني فقط.

وخلال الجولة قدّم د. منصور شرحًا عن تاريخ عدد من المباني في حيّ وادي الصليب، بدءًا من قصر شبيب (تحوّل إلى مساكن تأهيل للجنود المسرحين)، والحمام التركي (تحوّل إلى ملهى ليلي)، وقصر مصطفى باشا الخليل، أول رئيس لبلدية حيفا (تحوّل الطابق الأول من القصر إلى مبنى المسرح البلدي)، ومن ثمّ تجوّل المشاركون بين البيوت المتبقيّة في الحيّ (بقي 30 % فقط من مجمل المباني، مقتصرة بالأساس على البيوت الفخمة)، وتعرّفوا على أسماء أصحاب البيوت الباقية مثل بيت عبد الرحمن الحاج (رئيس بلدية حيفا خلال فترة الانتداب)، وبيت المفتي مراد، وبيت عائلة الكنفاني وبيت عائلة جرّار وبيت عائلة حمودة ومبنى الطريقة الصوفيّة الشاذليّة ونادي "أنصار الفضيلة"، كما تعرّفوا على أسماء الدرج (درج المفتي، درج عجلون).

وتركّزت الفقرة الأخيرة من الجولة في موضوع الحفاظ على البيوت الفلسطينيّة والمباني الباقية في الحيّ وحمايتها من الهدم والطمس التاريخيّ، وعرض د. منصور الحالة القانونيّة الخاصة لهذه المباني التي تسيّطر عليها الدولة ضمن قانون "أملاك الغائبين" حيث تعرضها للبيع لمستثمرين وشركات يهوديّة، وذكر المحاولات العديدة على مدار العقود الماضيّة لتحويل الحيّ إلى قرى فنانين كما جرى في يافا القديمة وقرية عين حوض وبعض أحياء مدينة صفد، وأن هنالك محاولات جديدة بلديّة حيفا التي أعلنت مؤخرًا عن مخططات جديدة في هذا الإطار، بالإضافة إلى مخططات هدم لمبانٍ قائمة ومن أجل بناء بناية تجارية ضخمة على مساحة 6000 متر مربّع، وأكّد د. منصور على أهميّة إعادة تملّك الفلسطينيين في الداخل لهذه البيوت والاستثمار فيها وترميمها لأنها ذات قيمة تاريخيّة كبيرة ولا زالت صالحة للسكن، ودون هذا التحرك سيتمّ طمس هذا الحيّ وتهويده نهائيًا خلال العقد القريب.

ويذكر أنّ جمعيّة الثّقافة العربيّة ستبادر ضمن برنامج العمارة والهويّة بمشروع توثيق معماريّ للمباني التاريخيّة بما فيها مدينة حيفا ومدن وبلدات أخرى بهدف توثيق الموروث المعماريّ الفلسطينيّ ما قبل النكبة.

 

 

التعليقات