بعد عودة الوفد العربي من جنوب أفريقيا: عبد الفتاح "انكشفنا على جوانب جديدة ومثيرة في تجربة جنوب أفريقيا"

بعد عودة الوفد العربي من جنوب أفريقيا: عبد الفتاح

بعد عودة الوفد العربي من جنوب أفريقيا:


أمين عام التجمع، عوض عبد الفتاح: "انكشفنا على جوانب جديدة ومثيرة في تجربة جنوب أفريقيا"


عاد الوفد السياسي لعرب الداخل يوم الإثنين الماضي من جنوب أفريقيا، والذي ضم الأمناء العامين وممثلين عن الأحزاب بالإضافة إلى ثلاثة أكاديميين هم: الدكتور أمل جمال والدكتور ثابت أبو راس والدكتور خالد أبو عصبة وهذا هو الوفد الثالث من عرب الداخل الذي يدعى من حكومة جنوب أفريقيا في غضون أقل من سنة. وذلك في إطار الجهود لتعزيز العلاقة بين الطرفين وإطلاع القيادات في جنوب أفريقيا على الظلم الذي يعانيه هذا الجزء من شعبنا. وتأتي هذه الزيارة التي امتدت لأسبوعين في إطار الحملة الدولية التي أطلقتها لجنة المتابعة في أوائل العام الحالي وبالتعاون مع جمعية عدالة التي لعبت وتلعب دوراً اساسياً مهماً على هذا المسار. وشمل برنامج الزيارة محاضرات منهجية ومعمقة يومية بدءاً بتاريخ انطلاق المشروع الإستعماري الكولونيالي، أواسط القرن السابع عشر، مروراً بالصراعات الخارجية والداخلية والتحولات الإجتماعية التي مرّ بها المجتمع الكولونيالي والمجتمع المحلي، ووصولاً إلى تشكل وتبلور المقاومة الوطنية وسقوط نظام الأبارتهايد. كما شمل البرنامج زيارات ومشاهدات ميدانية وتطرق إلى الوضع السياسي والإجتماعي والإقتصادي القائم بعد سقوط نظام الأبارتهايد. والصعوبات الجمة التي تواجه النظام الديمقراطي الجديد الذي يقوده أصحاب البلاد الأصليين.


 


وكان لنا هذا اللقاء مع الأخ عوض عبد الفتاح، الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، حول انطباعاته وحول الفوائد التي يمكن أن يجنيها المواطنون العرب من هذه الزيارات ومستقبل هذه العلاقة .


 


س: نلاحظ تسارعًا كبيرًا في وتيرة العلاقة بين عرب الداخل والدولة في جنوب أفريقيا، مع أننا لسنا دولة بل أقلية قومية في دولة ( كولونيالية )، فما هو سرّ هذه الإنطلاقة الفجائية في العلاقات؟


"أولاً يجب أن نوضح أن العلاقة بين قيادات حركة التحرر الوطني والديمقراطي في جنوب أفريقيا خاصة مع الحزب الر ئيسي في هذه الحركة، " المؤتمر الوطني الإفريقي " بقيادة نلسون منديلا، وقيادة الشعب الفلسطيني هي قديمة. وقد تدرب في الستينات مقاتلون من جنوب أفريقيا في القواعد الفلسطينية في لبنان . إن السود في جنوب أفريقيا والفلسطينيين واجهوا تجربة كولونيالية استعمارية متشابهة".


وموضوع العلاقة الوثيقة بين إسرائيل والنظام العنصري الذي أصبح يُعرف بنظام الأبارتهايد، منذ النصف الثاني من القرن العشرين معروفة. ففي الوقت الذي بدات قوى سياسية وشعبية في العالم وخاصة القوى الديمقراطية تقاطع نظام الأبارتهايد منذ أوائل الستينات، واصلت إسرائيل إمداد نظام جنوب أفريقيا بالدعم العسكري وبالخبرة الأمنية في ملاحقة وتعذيب المناضلين.


ثانياً: تعود هذه الإنطلاقة في العلاقة أيضاً إلى المبادرة من جانبنا نحن في الهيئات التمثيلية والأهلية والقانونية لعرب الداخل، الذين قرروا شن حملة دولية لإزالة ما تبقى من مساحيق عن وجه الدولة العبرية، خاصة وأن أوجه العلاقة القمعية مع عرب الداخل، "مواطني دولة إسرائيل العرب" لم تكن معروفة حتى وقت قريب لغالبية اللاعبين الدوليين في الصراع في المنطقة. وكان الدكتور عزمي بشارة قد دعي رسمياً مرتين في العام الماضي من جانب الحكومة. وليس فقط من جانب منظمات سياسية وشعبية.


 


س: كيف تفسر استمرار هذا الإهتمام الكبير الجنوب أفريقي بالقضية الفلسطينية وبالصراع في منطقتنا حتى بعد انتصارهم وإسقاط النظام العنصري قبل 12 عامًا ورغم إنشغالهم بقضايا البناء الداخلي؟


"السبب الأول، بسبب العلاقة الكفاحية التاريخية بين الحركتين كما ذكرت، والسبب الآخر هم يشعرون أنه بإمكانهم التأثير على اسرائيل بسبب المكانة الأخلاقية الكبيرة والفريدة التي حظيت بها قيادات المؤتمر الوطني الأفريقي وحلفاؤه من الحزب الشيوعي والنقابات العمالية بسبب توجههم الديمقراطي والمصالحة التاريخية. وثالثاً تعرّفهم، مؤخراً على واقع عرب الداخل، هذا الواقع الذي نجحت إسرائيل في إخفائه لفترة طويلة قبل أن تنكشف سياسة إسرائيل ضدنا بصورة صارخة منذ الإنتفاضة الثانية والهبة الشعبية".


 


س: ما هي ملامح هذه التجربة الكفاحية والمكانة الأخلاقية التي ذكرتها ومن أين انبثقت؟


"أن يكافح الإنسان ضد القهر والعبودية ومن أجل الحرية هو عمل أخلاقي وانساني. هذه تجربة كفاحية بطولية ضد قوة استعمارية كولونيالية مارست كل أشكال النهب والقتل والتصفية والتمييز العنصري ضد أهالي البلاد الأصليين – السود الأفارقة والملونين (من أصل هندي). وقد وطئت قدم أول مستوطن أبيض سواحل جنوب أفريقيا عام 1652 على يد شركة الهند الشرقية الهولندية. وقد تواصل قدوم البيض من أصل أوروبي، وخاصة من أصل هولندي، ومن ثم غزت بريطانيا المنطقة في أواخر القرن الثامن عشر. وشنت أكثر من حرب ضد الهولنديين (الأفريكانا) والسود. وبعد اكتشاف الذهب في جنوب أفريقيا في أواسط القرن التاسع عشر ازداد جشع المستعمرين، حيث تخلل هذه الفترة حروب وحشية أولاً من جانب البيض من أصل هولندي ضد السود ومن ثم من جانب البريطانيين ضد الهولنديين وضد السود. وليقوم نظام كولونيالي عنصري منذ أوائل القرن العشرين يقوده البيض من أصل هولندي (الأفريكانا). وليتوّج رسمياً نظام الفصل العنصري في عام 1948 ، إنه تاريخ نكبة شعبنا أيضاً. قام النظام على إقصاء السود. بصورة منهجية وبطريقة وحشية، عبر إقامة البانتوتستانات وفرض القيود على حرية الحركة وعلى حرية استعمال ثروات البلاد.


وقد تميزت هذه الحقبة، أي منذ بدء الغزو الكولونيالي بالمقاومة الشعبية السلمية والمقاومة المسلحة في سبيل التحرر، تشكلت خلالها أحزاب ومنظمات وحركات التي نظمت الشعب وصولاً إلى الإنتصار الكبير الذي تمثل باستسلام النظام العنصري عام 1994. إنها مسيرة طويلة من القمع والكفاح والتضحية والعذاب والتعذيب، امتدت لحوالي ثلاثمائة عام".


 


س: لكن، النظام العنصري لم يسقط جراء معركة عسكرية حاسمة بل نتيجة مفاوضات سلمية؟


"صحيح، ولكن هذا حدث بعد نضال مرير من جانب الأفارقة السود، الذين أجبروا النظام على الدخول في المفاوضات بعد أن لم يعد هذا النظام قادراً على الحفاظ على مصالحه في ظل النضال الداخلي والحصار والمقاطعة الدولية التي نجحت القيادة التحررية الديمقراطية في إحداثه عبر الأصدقاء والمناصرين في مختلف أنحاء العالم خاصة في أوروبا وأمريكا. وقد أدارت القيادات هناك النضال بصورة ناجحة وعرفت كيف تدير الصراع مع النظام العنصري، وعرفت كيف تتعامل مع التناقضات الداخلية والصراعات التي تنشأ داخل القيادات. بطبيعة الحال كانت هناك أخطاء وصراعات داخلية كثيرة بعضها كان دموياً. ولكن في نهاية المطاف تبلورت هناك قيادة وطنية موحدة وبرؤية واحدة وإستراتيجية واحدة، وهذا شرط أساسي لانتصار أي حركة تحرر وطني. وهذا الشرط، للأسف، غير متوفر حالياً في الحركة الوطنية الفلسطينية، على سبيل المثال.


يذكر أن المفاوض الرئيسي عن نظام الأبارتهايد، رولف ميار وزير الدفاع السابق، حاضر أمامنا وتحدث عن كيفية تحوله السياسي ووصوله إلى قناعة بعدم جدوى استمرار النظام العنصري".


 


س: ما هي انطباعاتك الأخرى، أو استنتاجاتك من اللقاءات؟ وكيف يمكن أن تستفيد الحركة الوطنية الفلسطينية من ذلك؟


"كما قلت هناك جانب فريد في هذه التجربة، وهو ما يجب التمعّن به والنظر فيه بعمق، ألا وهو إضطرار البيض إلى التراجع عن سلطتهم السياسية لصالح السود. وثانياً، التسامح الذي أبدته القيادة الوطنية تجاه الكولونياليين البيض. ليس سهلاً على شعب تحت الإستعمار قبول بقاء المستعمر شريكاً متساوياً في الحكم وقيادة البلاد أو الإقتصاد تحديداً. بعد المصالحة عام 1994، وحتى الآن لم تجرِ عمليات انتقام ضد البيض وهذا يمكن ان يشير الى هشاشة حجج الحركة الصهيونية وتجسيدها اسرائيل المتمسكة بامتيازات خاصة لليهود على حساب العرب الفلسطينيين. وأقيمت لجان للمصالحة والعفو عن الذين ارتكبوا جرائم ضد السود والملونين. بل كان ملفتاً للنظر بقاء متحف ضخم أقامه البيض في الأربعينيات يخلد روايتهم الإستعمارية. ويؤمه الزوار من جميع أنحاء العالم. كما أن هناك تمثالاً لمهندس نظام الأبارتهايد ( كروجر ) لا زال قائماً ولم يمسه أحد في ساحة رئيسية في قلب مدينة بريتوريا معقل حكومة نظام الأبارتهايد البائد. وتذكرت كيف أندفع بعض المحتفين بالغزو الأمريكي للعراق عام 2003 إلى تحطيم تمثال الرئيس العراقي صدام حسين بعد دقائق من دخول القوات الأمريكية لمدينة بغداد. بطبيعة الحال هذا لا يعني أنه لا يوجد هناك من يضيق ذرعاً بوجود تلك الرموز العنصرية. بل حتى نحن الفلسطينون شعرنا بالغضب لبقاء هذه الرموز الكولونيالية".


 


س: ما هي أهم ملامح الوضع الحالي في النظام الجديد وكيف يتعامل الحكم الجديد مع مخلفات النظام العنصري السائد؟


"الوضع الراهن ليس سهلاً. من جهة هناك أزمة حادة تعصف الآن بحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي يحكم البلاد بعد انتخابات ديمقراطية بالتحالف مع الحزب الشيوعي والنقابات العمالية، وهي قوى لعبت دوراً أساسياً في الكفاح. هناك خطر حقيقي بانقسام حزب المؤتمر على خلفية إدارة الدولة والمجتمع. من ناحية ثانية هناك، السيطرة الإقتصادية للبيض لا تزال قوية وأساسية وهناك تذمر شديد وغضب شعبي جراء ذلك. خاصة لأن الفقر لا زال كبيرًا وبالتالي نسبة الجرائم عالية. بطبيعة الحال نفذت الحكومة مشاريع ضخمة وقامت بخطوات كبيرة لمواجهة هذه المشاكل ولكن الوضع لا زال صعباً ويبدو أن المرحلة الإنتقالية ستطول، وبالتالي ستطول المعاناة أيضاً وإمكانية توسع الخلافات الداخلية واردة. وهناك من يتحدث عن ضرورة إحداث ثورة تحررية ثانية يكون طابعها إجتماعيًا-إقتصاديًا لتحقيق أكبر قدر من العدالة الإجتماعية".


 


س: ما هي الإنطباعات الأخرى؟


"كما لفت نظرنا أيضاً النشاط الكبير للجالية المسلمة (من أصل هندي وباكستاني وأندونيسي) في الحياة السياسية والإجتماعية رغم عددهم القليل (مليون) من أصل 45 مليونا. وقد حاضر عنهم البروفسور فريد إساخ والدكتور نعيم جينا (وهما من قادة النضال الوطني) عن دور الجبهة الوطنية الديمقراطية الموحدة وكيفية تجنيد النساء والشباب وعن دور المجموعات الدينية والإثنية في النضال. وعرضا رؤية تقدمية كفاحية عن الإسلام وعلاقته بتحرر المجتمع وبمساواة النساء. يذكر أن تمثيل النساء في المؤسسات الحكومية والبرلمانية وغيرها كبير وهناك تحصين في المؤتمر الوطني الإفريقي للنساء يصل إلى 50%".


 


س: هل جرى نقاش حول المقارنة بين الصراع السابق في جنوب افريقيا والصراع الحالي في فلسطين / اسرائيل؟


"نعم، جرى نقاش، وخاصة في اليوم الأخير الذي كرس لسماع آراء عن المقارنة. وبطبيعة الحال نحن نمثل أحزاباً مختلفة وبرامج مختلفة. وشارك جميع اعضاء الوفد في النقاش وأقترح عليكم أن تتحدثوا معهم للمساهمة في الكتابة. وذكرت انا شخصياً في مداخلتي عن الموقف الذي كتبته في إفتتاحية صحيفة الطريق – حركة أبناء البلد، عام 1994، إذ قارنت بين خط القائد الفلسطيني الراحل، الشهيد ياسر عرفات، وخط ورؤية القائد الجنوب أفريقي نلسون منديلا. المقصود؟ قدرة نلسون منديلا ورفاقه على طرح رؤية ديمقراطية شاملة لعموم سكان جنوب أفريقيا منذ البداية وبناء استراتيجية نضالية واضحة ومتسقة – تخاطب التطلعات الوطنية لعموم السود والتطلعات الديمقراطية والإنسانية لعموم السود والبيض. في حين أدى توقيع القائد الفلسطيني على اتفاقية أوسلو الى تكريس تجزئة القضية الفلسطينية وتكريس الإحتلال، وتكريس الطبيعة اليهودية-الصهيونية لدولة إسرائيل.


أما ما يميّز طريقة ادارة التجربة الكفاحية الجنوب أفريقية عن التجربة الفلسطينية فهو كبير وهام وهذا يحتاج إلى توسع، وإلى كتابة مقالات وأرجو أن يساهم به أعضاء آخرون من الوفد. ألا وهو الخطاب الذي تبنته القيادة الوطنية الجنوب أفريقية منذ البداية. إنه خطاب الحقوق المتساوية خطاب الديمقراطية الشاملة، بحيث أن كل الذين يعيشون على أرض جنوب أفريقيا، سوداً وبيضاً هم مواطنون متساوون ويجب أن يحتكموا إلى دستور ينظم حياتهم ودولتهم. وقد كتب ولا يزال يكتب الكثيرون، أجانب وفلسطينيون عن هذه الميزة، وإذ ما كان يمكن تطبيقها على التجربة الفلسطينية، أي التحول من مطلب الدولتين إلى مطلب الدولة الواحدة على كل فلسطين التاريخية عبر استخدام خطاب الحقوق الديمقراطية. او حل الثنائي القومية في دولة واحدة. هناك من يرى محدودية في خطاب الحقوق بالنسبة للتجربة الفلسطينية وقد يكون هذا صحيحاً ولكن لا شك ان هناك الكثير من الدروس الهامة التي يمكن تعلمها من هذه التجربة العظيمة".


 


س: ما هو موقف حكومة جنوب افريقيا من الحل، هل يؤيدون نموذجاً شبيهاً اي دولة واحدة ام دولتين؟


"الموقف الرسمي للحكومة هو دعم الموقف الرسمي للسلطة الفلسطينية، اي دولة في الضفة والقطاع، ولكن قال لنا العديد من المحاضرين الذين قدموا المحاضرات وغالبيتهم مسؤولون في الحكومة أنهم لا يريدون أن يتدخلوا في هذه المسألة أي نوعية الحل، وأنهم مؤيدون لدولة واحدة... وينظرون الى اسرائيل باعتبارها دولة ابرتهايد. وكتب وزير المخابرات المستقيل، روي كاسريلز وهو يهودي، اكثر من مقال يشبه اسرائيل بنظام الابرتهايد العنصري السائد، وهو يتعرض لهجوم عنيف من اليهود الصهاينة في جنوب افريقيا. ويذكر ان كاسريلز كان مسؤولا في المقاومة الوطنية العسكرية قبل انهيار نظام الابرتهايد. وهو ايضا الذي نظم برنامج الوفد العربي. ويقول انه يريد ان يصرف ما تبقى من سنوات حياته في خدمة القضية الفلسطينية.


ان كاسريلز ورفاقه يعرفون ويتابعون انزعاج حكام اسرائيل والنخب الامنية والسياسية وغالبية النخب الاكاديمية من تشبيه اسرائيل بنظام العنصري السائد. ويقتطفون ما قاله ايهود المرت وباراك وغيرهما عن هذه المقارنة.


لقد أصبح النموذج الديمقراطي في جنوب افريقيا كابوسًا لاسرائيل. ويخشى حكامها أن تتحول حملات المقاطعة الى نهر جارف يضيّق الخناق رغم وجود الحليف الأمريكي القوي الى جانب إسرائيل". 


 


 


"فصل المقال و العنوان الرئيسي"


 


 


التعليقات