على شرف يوم الأرض الخالد - وفد نسائي فلسطيني في بيت لحم: "المرأة الفلسطينية تقود نضال شعب بأسره"

-

على شرف يوم الأرض الخالد - وفد نسائي فلسطيني في بيت لحم:
بمبادرة ومرافقة النائبة حنين زعبي قام وفد نسائي فلسطيني بزيارة مدينة بيت لحم واطلع على معاناة أهلنا الفلسطينيين هناك، والتقى الوفد بنساء قرية المعصرة، وزار مخيم عايدة وبيت جالا مرورًا بجدار الفصل العنصري. وكانت أجواء الزيارةٍ مميزة واختلط فيها الوجع الفلسطيني القادم من اراضي ال 48، بالهم اليومي الذي يعيشه فلسطينيو ال 67.

وعن توقيت الجولة قالت زعبي إنه مرتبط ارتباطًا مباشرًا بيوم الأرض ومعانيه وتضيف: "يوم الأرض هو ليس فقط ذكرى لتحدٍ نجحنا فيه، بل هو طرحٌ لهذا التحدي في كل سنة، فقضية الأرض ما زالت هي قضية النضال الأهم بيننا وبين مؤسسات الدولة، وما علينا أن نكتسبه من إحياء هذه الذكرى هو المزيد من التحدي والصمود الذي جسده شعبنا في ال 76 وما زال على هذا العهد".

وتتابع زعبي: "إن من ينجح في النضال هو فقط من يستعد ويتجهز ليكون بمستوى تحدي هذا النضال. نحنُ مطالبون اليوم بأن نكون على مستوى هذا التحدي النضالي، والإعلان عن الإضراب في يوم الأرض هو جهوزية ضرورية لهذا اليوم ولن ننجح بالحفاظ على معنى هذه الذكرى دون الاضراب الذي يترجم جزءًا من جهوزيتنا".

وتواصل زعبي: "للأسف فإنّ بعض الأحزاب لم تكن بمستوى هذا التحدي المطلوب اليوم، سيما وان قضية الأرض – قضية مشتغلة بيننا وبين الدولة، إذ تشير آخر الإحصائيات أنّ 34% من الذين سيحتاجون لوحدات سكنية خلال السنوات العشر القادمة لن يستطيعوا تحقيق هذه الحاجة، ومن هنا يبرز معنى يوم الأرض الذي أشعلناه نحن في الداخل وتحول الى معلمٍ من معالم أيامنا الوطنية، لكل شعبنا الفلسطيني أينما تواجد".

وختمت الزعبي بالحديث عن التواصل الفلسطيني-الفلسطيني فقالت: "هذا التواصل الذي نشهده اليوم مع بيت لحم ومع المناضلات من أبناء شعبنا، نسعى من خلاله لإطلاع نسائنا الفلسطينيات في كل مكان على نضال المرأة الفلسطينية في الحفاظ على أرضها وبيتها. لقد جسّدت لنا النساء في قرية المعصرة نموذجًا للمرأة الفلسطينية التي تدير بلدة بكاملها، حيث الرجال في السجون، وتستمر في الحفاظ على الأرض فتزرعها وتحصدها، وتتصدى للجيش ودباباته بأجسادها.

إنها المرأة التي تحمل نضال شعبٍ بكامله، إنها أروع صورة يمكن أن تحملها نساؤنا عن نضال المرأة وقيمة الأرض".

أجواء الزيارة إلى بيت لحم

كانت أجواء الزيارةٍ مميزة اختلط فيها الوجع الفلسطيني القادم من اراضي ال 48، بالهم اليومي الذي يعيشه فلسطينيو ال 67، التقت نساء فلسطينيات تفرقهن الأرقام الزوجية ويجمعهن الدم الفلسطيني الواحد، فكان اللقاء لأحبة التقوا بعد فراقٍ طويل، على أرضٍ فلسطينية في مدينة تاريخية هامة في بيت لحم حيثُ انطلقت الجولة لتشمل مخيم عايدة وبيت جالا وقرية المعصرة مرورًا بجدار الفصل العنصري هناك.

عند الساعة الحادية عشرة صباحًا، التقت مائة امرأة فلسطينية جئن من الناصرة، سولم، دبورية، الطيبة الزعبية، الناعورة وغيرها من البلدات، بمرافقة النائبة حنين زعبي، التي شاركتهن هذا اليوم متحدثة في بعض الأحيان ومصغية في أحيانٍ أخرى.

بدأت الجولة التي نُظمت على شرف يوم الأرض بمحاضرة للدكتور محمود محارب المحاضر في جامعة أبو ديس الذي تحدث عن ذكرى يوم الأرض الخالد وأهميته ودور ابناء الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 48 في إحياء يوم الأرض والإنجاز العظيم الذي صنعه هذا الشعب في مواجهة سياسة اسرائيل ومخططاتها التي لم تتغير منذ قيام الدولة.

وقال د. محمود محارب: "لقد كان لنا كشباب في لجنة الطلاب في الجامعة العبرية في القدس دورٌ بارز فقد وقفنا أمام الكنيست الاسرائيلي منددين بسياستها الغاشمة تجاه الأقلية العربية".

وتابع: "انها تجربة مهمة في تاريخ نضال شعبنا الفلسطيني في الداخل، فلأول مرة منذ العام 48 يصنع الفلسطينيون انجازًا كبيرًا بتوحدهم من خلال اضرابٍ عامٍ لوقف مصادرة ونهب أراضينا".

وتطرق د. محارب فشل السياسة الاسرائيلية في تفكيك الشعب الفلسطيني الواحد أينما وجد رغم ما يتعرض له من مجازر يومية منذ قيام الدولة، عبر عصاباته العسكرية المعروفة تاريخيًا.

تابعت النساء جولتهن الى مخيم عايدة وبيت جالا وقرية المعصرة واستمعن الى شرحٍ مفصل عن الواقع الحياتي لسكان بيت لحم ومخيماتها وتأثير الجدار العنصري على الفلسطينيين نفسيًا واقتصاديًا، وتطرق المتحدثون ومن بينهم الصحفي عطا مناع الكاتب والإعلامي البارز والسيدان محمد برجية مسؤول اللجنة الشعبية في قرية المعصرة، ومحمود جواهري منسّق اللجنة الشعبية.

تعرفت النساء على محافظة بيت لحم التي يسكنها 170 الف نسمة، يتوزعون بين مدن بيت لحم، بيت جالا، بيت ساحور والمخيمات الثلاثة: الدهيشة، العزة ومخيم عايدة، اضافة الى الريف الشرقي والريف الغربي.

وفي المناطق التي زرنها السيدات استقبلتهن نساء فلسطينيات تحدثن عن معاناتهن اليومية، عن حياتهن وعملهن رغم الحصار بجميع أنواع، الحصار المكاني والإنساني، فحولهن جدارٌ عنصري اقتطع من أراضيهن فوجدن انفسهن في حصارٍ على لقمة العيش وعلى حقهن في الحياة الحرة الكريمة التي يعيشها شعبهن.

ومن أبرز تفاصيل الجولة اللقاء الذي جمع النساء في قرية المعصرة- وهي قرية تاريخية تعود الى العهد البيزنطي، وسميت بالمعصرة لوجود معصرتي زيتون وعنب هناك.
وأبرز ما يميز المعصرة أنها تشبه قريتي نعلين وبلعين في المظاهرات الأسبوعية التي تتحدى جدار الفصل.

ففي كل يوم جمعة يلتقي أهلُ المعصرة نساءًا ورجالاً... شيبًا وشبابًا منطلقين الى أقرب نقطةٍ تفصلهم عن الجدار ليعلنوا أنهم يرفضون هذا القهر اليومي والحصار المفروض عليهم، آكدين من زوال هذا الحال.

وفي مخيم عايدة تعرفّت نساؤنا عن قرب على حالة اللجوء الفلسطيني وأوضاع المخيمات الفلسطينية بما تعيشه من بؤسٍ وحرمان وهناك استمعن الى مآسٍ فلسطينية يومية من صنعِ يد الاحتلال، من بينها شح المياه وتلوثه ومصادرة الأراضي والمستوطنات.

وحول هذا اللقاء تحدث محمد برجية ابن قرية المعصرة، فقال: "لمستُ في عيون النساء اللواتي التقين هذا العشق الفلسطيني المتبادل، رأيتُ في ملامحهن غربة مشتركة وتواصل قوي، وكأنهن أخوة التقين بعد آلاف السنين".

وتابع برجية: "نتحدث عن زيارة الى الريف الفلسطيني بشكلٍ عام، حيثُ يعيشُ الأهالي على خيرات أراضيهم التي يحاربون من أجلها، فيزرعون زيتونهم ليأتي من يقتلعها، ويأكلون من أرضهم فيحاول المغتصبون نهشها، لا لشيءٍ إلا لكي ننسى أن عمر زيتوننا مئات السنين وأنّ هويتنا هي هوية الشجر والحجر هوية الأرض التي لا تموتُ ابدًا".

وتحدث برجية عن نساء قرية المعصرة، فقال: "نسبة النساء المتعلمات والمكافحات في قرية المعصرة نسبة عالية جدًا، ولديهن وعيٌ سياسيٍ ووطني بارز، فهن يعملن الى جانب أزواجهن وبعض النساء تمّ أسرُ أبنائهن أو أزواجهن، فلم ينعزلن بل تابعن مسيرة العمل والعطاء، وفي القرية مركز نسوي ناشط جدًا، تقيم فيه النساء دورات توعية فيما يتعلق بزواج الأقارب، سرطان الثدي، أهمية الأرض، وأهمية المشاركة في النضال الأسبوعي ضد الجدار الفاصل".

وتمنّى المرافقون أن يستمر هذا التواصل الفلسطيني الفلسطيني بين أبناء الشعب الواحد، وأنّ تتكرر هذه الزيارات فهو السبيل الوحيد الى فك الحصار ومشاركة أهلنا في الضفة الغربية معاناتهم اليومية ضد الاحتلال وحصاره الخانق على شعبنا هناك.

وعن انطباعهن من الزيارة تحدثت عدد من النساء من بينهن ختام زعبي التي قالت: "كنتُ أختار عنوان هذه الجولة، المفاجأة الكبرى، واعتبرها مفاجأة بل صدمة لنا نحن النساء القادمات من أراضي ال 48، رغم ما نعيشه من غبنٍ وسياسة تمييزية ضدنا هناك، إلا أنني ما كنتُ أعرف أنّ الوضع مؤلمٌ هنا إلى هذه الدرجة، وأتحدث بصفةٍ خاصة عن النساء اللواتي يعشن معاناة يومية لا يمكن وصفها إلا بالظلم، يحارب الفلسطيني هنا لأنه يعيشُ على أرضه، يُمنع من بيع محصوله ويمكن ان يتخلصون من هذا المحصول، لا لشيءٍ إلا لأنه فلسطينيُ المصدر".

تقاطعها ناريمان فتقول: "الفلسطينيون محاصرون بالمستوطنات أو بالجدار، من جميع الاتجاهات، حصارٌ خانق وهمٌ يومي، وسجونٌ لا تشبع، وظلمٌ لا يتوقف... مخططاتٌ لا تنتهِ هدفها الأساس اقتطاع الأرض وإذلال الفلسطيني".

وتابعت: "المخيمات هنا، بيوتٌ متكدسة فوق بعضها البعض، لا مكانَ هنا للأطفال سوى في السجن المنزلي اليومي، لا شوارع، عائلات تعيش كأنها في سجنٍ أبدي".

أما حنان زعبي فقالت: "العائلات تعيشُ المأساة بصمت، فالبطالة مستشرية والجوع خانق والأولاد يتامى استشهد آباؤهم، إنها المشاكل المتشعبة... وأم محمد زوجة الشهيد والدةُ الأسير تعي تمامًا أنها تقاوِم المحتل، تقاومه بتربية أطفالها الصغار على الصمود، تقاومهم ببيع أرغفة الخبز والمناقيش بنصف شيكل، ام محمد تعرف تمامًا أنها حتى بالدمعةِ الحبيسة في مقلتها تقاوم المحتل".

وتحدثت الطالبة الجامعية منار (تدرس محاماة) عن مشاعرها الخاصة تجاه ما رأته فقالت: "قصص كثيرة استمعنا اليها من نساءٍ صامدات، يتحملن فراق أبنائهن وأزواجهن القابعين في غياهب السجون، ويربين أبناءهن على حُب الأرض، لا موت يمنعهم ولا خوف، فمنذ تعاهد الأهل على الخروج في مظاهراتٍ عارمة ما عاد هناك مكانٌ للخوف.... بهؤلاء الشباب وتلك النسوة ستتحرر الأرض".

وشاركت آمنة من الطيبة الزعبية بالحديث قائلة: "المرأة الفلسطينية هنا في الضفة الغربية تقاوم وبقوة، تشعرنا بمعنى الانتماء، تمنحنا جرعة إضافية من حب الوطن... وصار لا بُدّ لنا كنساء نتطلع إلى مشاركة أبناء مجتمعنا في التوعية والتثقيف أن نربي أبنائنا منذ الصغر على حب الأرض وعلى الانتماء... قررتُ بعد اليوم أن لا أنزوي، ولا أكتفي بصرخةٍ في مظاهرة، بل سأشارك أبناء شعبي في شرح أبعاد واقعنا وقضايانا القومية وضرورة الحفاظ على هويتنا".
.

التعليقات