ندوة حول "الصحافة مسودة التاريخ الأولى"

ندوة حول
في ذكرى يوم الأرض نظم مركز إعلام ومنتدى الصحفيين العرب تحت رعاية لجنة المتابعة طاولة مستديرة حضرها اكثر من ثلاثين صحفيا، لإثارة موضوع دور الصحافة العربية في توثيق التاريخ. وقد أوضح مركز إعلام أن الحاجة لمثل هذه الندوة هو قلة مصادر التوثيق التاريخي لواقع مجتمعنا، وأن عملية التوثيق القائمة من قبل المؤرخين الإسرائيليين والسلطات الإسرائيلية المختلفة تخضع للرواية وللمصلحة الإسرائيلية، بالتالي فإنها أقرب ما تكون لعملية تشويه التاريخ منها لعملية توثيقه. كما أشار المركز في بيان له أن السؤال حول عملية توثيق التاريخ تختلف عن السؤال حول دور الصحافة في صنع التاريخ.

وقد ادارت الجلسة الاولى حنين زعبي، مديرة مركز اعلام، مثيرة العديد من التساؤلات:هل هنالك شروط لكي تتحول المادة الصحفية لمادة تاريخية؟ هل يجب على الصحفي أن يعي المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه كأحد مصادر كتابة التاريخ الفلسطيني في الداخل وربما كأحد أهم مصادر كتابة التاريخ؟ هل يغير دور الدولة في تشويه تاريخنا وواقعنا، وعي الصحفي الفلسطيني بدوره، ومستوى حرصه على السعي من أجل الحقيقة؟ ما هي العلاقة بين دور الصحافة في صناعة التاريخ وبين دورها في توثيقه؟ وما هو الفرق بين المصداقية التاريخية للصحيفة وبين مصداقيتها المهنية؟ وهل يعي رؤساء التحرير دورهم التاريخي هذا؟

وقد قام السيد شوقي خطيب رئيس لجنة المتابعة العليا، بإلقاء كلمة ترحيبية في بداية الندوة،
الذي عبر عن تقديره لاهمية دور الصحافة والصحفيين الذين يؤدون دورهم في اصعب الظروف والشروط الاقتصادية والاجتماعية، مؤكدا على ضرورة تنظيم الصحفيين في نقابة تعنى بخصوصية قضاياهم. وأكد خطيب على دور الصحافة المعبرة عن قضايا الاقلية الفلسطينية كاقلية قومية تسعى للعيش بعزة وكرامة.
كما قدم كل من د. مصطفى كبها، السيد عبد عنبتاوي، سكرتير لجنة المتابعة، د. محمود يزبك، السيد سليمان أبو ارشيد رئيس منتدى الصحفيين، مداخلة حول علاقة الصحافة في كتابة التاريخ. وفي هذا السياق قام د. مصطفى كبها بالتمييز ببن دور الصحافة في التحقيق، أي كتابة التاريخ، وبين دورها في تصميم الرأي العام، أي ما يقرب إلى دور صناعة التاريخ. وشدد على دور الصحافة الفلسطينية ما قبل النكبة في كتابة التاريخ، حيث استعملت من قبل المؤرخين كإحدى المصادر الرئيسية في كتابة التاريخ الفلسطيني. كما أشار د.كبها إلى أن المصداقية التاريخية للصحيفة تنبع من مصداقيتها المهنية، وأن الإشكاليات المهنية هي نفسها التي تؤثر على المصداقية التاريخية للصحافة الفلسطينية في الداخل. وقد عدد د. كبها بعضا من هذه الإشكاليات وهي القوائم التي تعد من قبل المالكين بخصوص الشخصيات التي يتم تغطيتها وتلك التي يتم التعتيم عليها. ومن ناحية اخرى قام بتعداد شروط الكتابة الصحفية ذات البعد التاريخي، وهي رؤساء تحرير وكتبة مقالات على مستوى كبير من الاطلاع والثقافة، شعور كبير بالمسؤولية تجاه دقة المادة الصحفية، شروط عمل مريحة للصحفي تعطيه الإحساس بالأمان في حال وثق واقعا يغضب البعض، عدم خوف القيمين على الإعلام من المهنية الإعلامية.
من جانبه أشار عنبتاوي أن التاريخ يكتبه إما المنتصر أو الإرادات الحرة، وأن مفاهيم المجتمع غير الحر داخليا قد تتحول هي أيضا، بالإضافة للسلطة الخارجية القامعة، إلى سلطة مضطهدة. وأن حرية المؤسسة الصحفية خارجيا وداخليا، حريتها من مراقبة السلطة، ومن سيطرة المالك، هي شرطا لكتابة التاريخ. وأضاف قائلا أن وظيفة الصحفي هي ان يكشف ما تريد السلطة أن تخبئه، وان عملية كتابة التاريخ هي عمليا عملية كتابة المسكوت عنه. وأشار إلى أن تغطيات مختلفة لنفس الحدث تنتج أحداثا مختلفة.
أما د. محمود يزبك فقد نوه إلى أن الصحافة تشكل مادة تاريخية بغض النظر عن مهنيتها، وأن مهمة التدقيق التاريخي تقع على عاتق المؤرخ وليس على عاتق الصحفي. وأن الأساسي في كل هذه العملية هي الأدوات التي يملكها المؤرخ. وأشار إلى أن تعددية أشكال التغطية الإعلامية لا تعد مشكلة بالنسبة للمؤرخ، إذ أن كل من يكتب، إنما هو يكتب ذاته من خلال المادة الصحفية، وان هذه التعددية نراها أيضا بين المؤرخين أنفسهم وليس فقط بين الصحفيين. وأشار إلى حقيقة مهمة وهي أن مشكلة المؤرخ لا تكمن في التشويهات التاريخية التي قد تنتجها المادة الصحفية، بل في فقر المصادر التاريخية المتاحة للمؤرخ، فأين هو الأرشيف الفلسطيني؟ وهل تؤرشف أحزابنا ومؤسساتنا الوطنية تاريخها، ومناشيرها ومادتها الإعلامية، ومؤتمراتها وبياناتها؟
وأنهى قائلا ليست زاوية التغطية وذاتية الصحفي هي ما يخيف، بل الكذب المتعمد والتعتيم المتعمد هو ما يخيفنا.

وفي المداخلة الأخيرة أشار رئيس منتدى الصحفيين السيد سليمان أبو إرشيد أن الصحافة هي نتاج البيئة السياسية والاجتماعية التي تنتجها، وأن الصراع الذي نعيشه هو صراع بين قوتين وبين روايتين، وأن رواية المنتصر هي أيضا الرواية المنتصرة.

وأشار إلى أن السلطة نجحت في احتواء الإعلام العربي أكثر مما نجحت في احتواء الأحزاب، وهذا عن طريق التحكم في الإعلانات وعن طريق مكتب الصحافة الحكومي، وأن هذا يحدث مقابل صمت مطبق من قبل الأحزاب، وما زال كل حزب متمسك ب"دكانه" الصغير المسمى صحيفته الحزبية، رغم وجود سوق حر ينشأ خارج وصاية وإرادة الأحزاب. وأنهى قائلا أن هنالك حاجة لبحث وضع الإعلام على مستوى القيادة والأكاديميا.

الجلسة الثانية ومحورها "المسوّدة الاولى في مرآة الذات"، ادارها زاهر بولس، مركّز منتدى الصحفيين العرب، قدم فيها الصحفيون مداخلاتهم، حيث أبدوا وعيهم بالعلاقة الطردية بين التغطية الجدية والابتعاد عن الابتذال الصحفي واللهاث وراء حوادث السرقة والقتل وحوادث الطرق وبين المهنية الصحفية والقيمة التاريخية للصحفيين. وشدد جميع المشاركين والحاضرين على قدرة الجمهور على التمييز بين وسائل الإعلام الجدية وتلك الساعية للترفيه والتي تجذب الذوق الجماهيري إلى القاع.

تحدث ابراهيم بشناق حول ضرورة الارتقاء بصحافتنا لتكون مصدرا للتاريخ، وسجى الكيلاني عن إشكالية السرعة في التغطية الألكترونية، سناء لهب عن الصحافة كفاعل تاريخي وكمتدخل في التاريخ، غسان بصول عن ضرورة تشكيل مجلس أعلى للصحافة، ولطيفة اغبارية تساءلت حول تصريحات سابقة لرئيس لجنة المتابعة حول الصحافة المحلية، محمد سلامة عن اشكالية حرية الصحافة مقابل سياسة الصحيفة والمالكين، مقبولة نصار عن الاستحواذ الإعلامي الذي يعيشه السياسيون، يزيد دهامشة شدد على ان التاريخ يكتب من خلال القوة وليس بالاقلام فقط، سامي عبد الحميد عن ضرورة الرد على ظاهرة الاعلانات الداعية للخدمة المدنية، عربن هواري عن أن الأجندات المختلفة هي إثراء للحياة والخطاب السياسي والاجتماعي، وان عدو الصحافة هو الجهل والتعامل بعشوائية مع الأمور وليس الأجندات، سليمان ابو صعلوك عن الصياغات البلاغية المبالغة الخاوية من المضامين الشبيهة بفترة الانحطاط، وسامي علي عن تشكيل هوية الصحفيين الشباب بعيدا عن الضغوطات، ومحمد يونس عن ان الاعلام رهين الى حد ما لشروط المعلنين ومن هنا فحتى الاعلانات تصلح كمادة للمؤرخ، ومصطفى عبد الحليم عن ضرورة ثقافة الصحفي وان واجب التأريخ يقع على عاتق المؤرخ الذي يغربل المادة الصحفية، ونضال وتد عن افتراض ان تكون الصحافة مادة اولية فقط للمؤرخ ويقع على عاتق المؤرخ ان يفحص هذه المواد الاولية بادواته العلمية ليقرر مدى مصداقيتها.


التعليقات