سخنين: منع عرض فيلم "المخلص" يثير ردود فعل غاضبة

نبيه بشير: يعتقدون أنهم أوصياء على الناس، إنْ لم يكن على البلاد والعباد بأسرهما، أو بعبارة أدق هذه هي الغاية التي يسعيون إليها * لماذا يعتقدون بأنهم يفهمون "العقيدة الإسلامية" أكثر من بقية الناس؟

سخنين: منع عرض فيلم

مشهد من الفيلم

أثار منع عرض فيلم "المخلص"عن حياة المسيح (عليه السلام) في مدينة سخنين هذا الأسبوع وقبلها مسرحية "وطن على وتر" في عكا ردود فعل غاضبة لما اعتبره كثر ممارسات قمعية لحريات التعبير والابداع.

ففي سخنين حظر الفيلم بعد وفي اعقاب توجه بعض المشايخ للقائمين على العرض ومطالبتهم بعدم عرض الفيلم في صالات المسرح بزعم أن الفيلم "مخالف للعقيدة الاسلامية"، وأن يقتصر العرض على الكنيسة أو في بيوت أبناء الطائفة المسيحية. في المقابل بادر مجلس المغار المحلي، على سبيل المثال، إلى شراء كافة تذاكر العرض في القرية لاتاحته أمام جميع السكان، مجانًا. كما أن العديد من الفعاليات الثقافية والشبابية عرضت الفيلم ولم تر فيه أي مس بالشريعة الاسلامية.

ووصل الأمر إلى أن تعمم الحركة الاسلامية  في سخنين بيانًا جاء فيه أن فيلم "المخلص" يحتوي على معلومات وأحداث تعتمد على الرواية المسيحية بشأن السيد المسيح عليه السلام، والتي تخالف وتتنافى بشكل واضح وصريح مع موقف القرآن الكريم وعقيدتنا الإسلامية، وعليه ندعو جمهور المسلمين إلى مقاطعة الفيلم وعدم الاشتراك في أي عمل يساعد في عرضه وبثّه، كما جاء في البيان.

وأضاف البيان: كما نؤكد أن الفيلم ليس عملا فنيًا فقط، وإنما هو بالدرجة الأولى رسالة ورواية دينية مسيحية تعتمد على ما ورد في إنجيل لوقا، وإن اختار أهل بلدنا المسيحيون عرضه ومشاهدته في قاعات كنائسهم وبيوت العبادة الخاصة بهم فهذا شأنهم وقرارهم.

جدير بالذكر أن المعلومات الواردة أعلاه عن رسالة الفيلم غير دقيقة بأقل تعبير، لكن بغض النظر عن رسالة الفيلم، فإن الافتاء بجواز أو عدم جواز عرض الفيلم أثار استياء العديد من أهالي المدينة وخصوصًا في أوساط الشباب والأكاديميين كما بدا ذلك جلياً على شبكات التواصل الاجتماعي.

ولاقت هذه الممارسات القامعة لحرية الرأي والتعبير والابداع في الأسبوعين الأخيرين ردود فعل غاضبة في الصحف والمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، خصوصًا وأن المجتمع الفلسطيني في الداخل لم يشهد مثل هذه الممارسات في السابق والتي اعتمدت على أمرين في غاية الخطورة، وهي قمع حرية الرأي والتعبير واستخدام خطاب طائفي وتقسيم أبناء الشعب الواحد إلى طوائف، إذ رفضت القوى السياسية على مدى عقود وعلى مختلف ألوانها استخدام تعابير ملغومة بالطائفية أو تنطوي على معان طائفية ولو بسيطة، لكن ما حدث في سخنين شكل خرقًا جديداً وخطيراً للخطاب السياسي المتبع وغريب عن القاموس السياسي في الداخل.

أبو ريا: ظاهرة مقلقة..
قال مدير مسرح الجوال، عادل ابو ريا (في الصورة أعلاه)، في حديث لموقع عرب 48 إنه صحيح لم يتم إرغام ومنع القائمين على العرض من عرض الفيلم وأنه تم "بالتفاهم"، إلا أنني اعتقد أن هذه ظاهرة مقلقة وتندرج ضمن ممارسات كم الافواه، لا سيما وأن العمل الثقافي والأعمال الفنية بحاجة الى مساحة من الحرية، ولا يعقل أن ننتقل من الرقابة السياسية للمؤسسة الحاكمة التي طالما عانينا منها، إلى الرقابة المجتمعية والدينية.

وتابع: اعتقد أن هناك حساسية زائدة ومبالغ فيها بهذا الشأن، وهذا من شانه أن يؤثر على مجال الانتاج الثقافي وميدان الابداع، وإذا كان هناك أي نقد أو تحفظ على أي مبادرة فنية أو ثقافية، فواجب علينا كمجتمع أن نواجه ذلك عبر الحوار والتفاهم ليكون أفق الإبداع مفتوحًا في مختلف المجالات وكلي أمل بذلك، لأن سخنين معروفة للقاصي والداني بأنها بلد التسامح والسلم الأهلي الذي طالما تميزت به.

د. عصفور: لا اكراه بالدين...

وأكد الخبير في علم الفلك، د. مصطفى عصفور، في حديثه لمراسلنا على حق التعبير وحرية الرأي، وقال: حقيقة أنا لم أشاهد الفيلم، لكن مبدئيًا نحن مع حرية التعبير والرأي والنشر، وذلك ضمن ضوابط ومعايير لا تمس بالآخرين. وأضاف د. عصفور: الحرية بالشكل الجامح قد تؤذي الآخرين أحيانا لكن هناك قواعد بغض النظر ما هو الموضوع، سوء كان دينيًا أو غير ديني، وحقيقة بموضوع الفيلم حصراً لا استطيع إبداء الرأي لأنني لم أشاهده كما أسلفت، لكن بالمجمل هناك ضوابط وقواعد أساسية وضمنها كل طائفة او شريحة أي كانت لها الحق الكامل ابداء الرأي سواءً عبر فيلم أو مسرح او قصص أو أي وسائل أخرى ضمن الضوابط وبالتالي علينا بالاحترام المتبادل، فلا اكراه بالدين.

بشير: لماذا تفترضون انكم أوصياء على الحيز العام

الباحث السخنيني نبيه بشير تحدث لموقع عرب 48 مؤكداً إنه اطلع على الكثير من  التفاصيل واطلع على بيان الحركة الاسلامية وقال: خرج علينا مؤخرًا بيانًا يحمل توقيع "أئمة المساجد في سخنين" و"الحركة الإسلامية سخنين - مركز ابن عباس"، بشأن عرض فيلم "المخلّص"، ومن بين الأمور الهامة التي وردت في متنه بأن الطرفين يؤكّدان على أن "فيلم المخلّص يحتوي على معلومات وأحداث تعتمد على الرواية المسيحية بشأن السيد المسيح عليه السلام، والتي تخالف وتتنافى بشكل واضح وصريح مع موقف القرآن الكريم وعقيدتنا الإسلامية..."، وتابع بشير: يوحي عنوان "أئمة المساجد في سخنين" وكأننا أمام جماهير غفيرة، ولكن الحقيقة أنهم أربعة أفراد فقط، أما ما يطلق عليه تعبير "الحركة الإسلامية - سخنين" و"مركز ابن عباس" فالأولى تعتبر حركة سياسية فيما يعتبر الثاني مركزًا للشبيبة إضافة إلى كونه محلاً لبيع القرطاسية. أخطر ما في هذا البيان الأمور التي لم تذكر صراحة بل بالإشارة الضمنية فقط.

وأضاف: لقد وجد هذان الطرفان أنه يتوجّب عليهما بذل الجهد لكتابة بيان ونشره حول أمر لا يخصّهم لا من قريب ولا من بعيد. لماذا يا ترى؟ والجواب البسيط هو أنهما يفترضان بأنهما أوصياء على الناس، إنْ لم يكن على البلاد والعباد بأسرهما، أو بعبارة أدق هذه هي الغاية التي يسعيان إليها. بداية، من أين استقيتم هذه المعلومات بالغة الأهمية حول الفيلم إن لم تشاهدوه؟ كيف لكم أن تعارضوا أمورًا تجهلونها؟ ولماذا تعتقدون أنكم تفهمون "العقيدة الإسلامية" و"النص القرآني" أكثر من بقية الناس؟ لماذا لا تعتمدون على الناس ("الرعية" بحسب معاجمكم كما يبدو) على أن تحكم هي بنفسها؟ وعلى جميع الأحوال هذا رأيكم، ومن حقّ أي شخص أن يقول نفس الكلام بخصوص أي أمر يراه مناسبًا له وتسائل بشير ولكن لماذا يوجب ذلك أشخاصًا آخرين؟ ولماذا تفترضون أنكم أوصياء على الحيز العام؟ ما معنى قولكم: "وإنْ اختار أهل بلدنا المسيحيون عرضه ومشاهدته في قاعات كنائسهم وبيوت العبادة الخاصة بهم فهذا شأنهم وقرارهم"؟ وما معنى قولكم "سنبقى حصنًا حصينًا للدفاع عن عقيدتنا وشريعتنا وقرآننا الكريم"، وكيف ستفعلون ذلك بالضبط؟ وعلى فرض أن اختارت فئة من الناس عرض الفيلم في مكان عام كيف ستقاومون ذلك بالتحديد للدفاع عن "العقيدة"؟

وخلص بشير إلى القول :يحق لكم بالتأكيد، كما يحق لكل شخص آخر، أن تعبّروا عن آرائكم ومواقفكم، ولكن الأمكنة العامة جميعها، وبيوت الناس الخاصة بالتأكيد، لا تقع ضمن نطاق تخصّصكم ولا سلطاتكم ولا يحقّ لكم التدخّل بها فهي لجميع الناس. لديكم مركزكم وداخل حدود المساجد أفعلوا ما تشاءوا هناك، ولكن هذه هي حدودكم ولا تتعدّوا على مناطق آخرى.


فيلم المخلص: عمل سينمائي  للمخرج الفلسطيني روبرت سافو ويتناول حياة يسوع المسيح (عليه السلام) للمرة الأولى في تاريخ السينما باللغة العربية. الفيلم باللغة العربية الفصحى ومدته ساعتان وستتم دبلجته الى 25 لغة. تم تصوير مشاهده في الأردن. الممثل الفلسطيني شريدي جبارين يؤدي فيه دور المسيح، فيما تؤدي الممثلة الفلسطينية حنان الحلو دور مريم العذراء، أم المسيح.

التعليقات