ارتفاع أسعار الشقق في حيفا يستهدف العرب

ازدياد الأسعار في حيفا يضرّ بشكل كبير بالفئات المستضعفة في المدينة وعلى رأسها السكان العرب الأصليين، فسياسة التخطيط البلدي تؤدّي إلى عملية إقصاء طبقي وقومي تمسّ بحق السكان العرب في المدينة

ارتفاع أسعار الشقق في حيفا يستهدف العرب

أخذت أسعار الشقق والإيجار في مدينة حيفا، في الآونة الأخيرة، بالإرتفاع بشكل ملحوظ وحاد على كافة الأصعدة وفي كافة المناطق تقريباً، وما زالت هذه الظاهرة بازدياد وارتفاع.

أثار هذا الإرتفاع الحاد غضب العديد من السكّان وفئة الشباب بشكل خاص، إزاء هذه الظاهرة وجشع رأس المال، فحيفا من أكثر المدن التي يتوافد عليها الشباب والعمّال، نظراً لوجود الجامعة، وطابع الحياة الشبابي في المدينة، بالإضافة إلى أسعار الشقق الرخيصة نسبة لمنطقة المركز والقدس.

ارتفاع أسعار الشقق والإيجار في المدينة، يقتل شيئا فشيئا ما ميز هذه المدينة متوسطة الحياة من الناحية المادية، ففيما كانت الشقق في متناول يد الجميع تقريباً، أخذت وبشكل تدريجي حاد بالارتفاع شيئاً فشيئا خلال السنوات الأخيرة.

وفي السنوات الخمس الأخيرة، سجّلت التقارير ارتفاعا بنسبة 32.8٪، وأضافت تقديرات وزارة الإسكان لهذا العام، أن إيجار شقة متوسطة في حي متوسّط في العام 2008 كان يعادل قرابة الـ 1600 شيقل شهرياً، ومع ارتفاع سنوي أصبح الإيجار للعام الحاليّ لذات الشقة قرابة الـ 2400 شيقل، ما يعني إرتفاع إيجار شهري بقيمة 800 شيقل تقريباً لشقة متوسطة في حي متوسط في غضون 5 سنوات فقط. وهذا ليس بإرتفاع بسيط بالنسبة لمدينة تشكل الطبقة المتوسطة والطلاب فيها الأغلبية الساحقة، إنه ارتفاع حاد يثير قلق الجميع ويجعل من متوسطي الدخل في مأزق حاد. لبلدية حيفا قسط كبير في برمجة مثل هذا الارتفاع الحاد، ولارتفاع الأسعار في مركز البلاد التأثير الأكبر على المدينة.

كيّال: "ثمن شقة متوسطة في مدينة تل أبيب يعادل ثمن ما يقارب ثلاثة شقق في مدينة حيفا"

مبدّا كيّال، ناشط في هذا المجال، ووسيط عقارات، قال لـ"عرب ٤٨": "إن المشكلة الأساس التي أدّت إلى ارتفاع أسعار الشقق والإيجار في المدينة هي جلب المستثمرين من مناطق المركز والقدس، فثمن شقة متوسطة في مدينة تل أبيب يعادل ثمن ما يقارب ثلاثة شقق في مدينة حيفا، هذا ما جعل من مستثمري العقارات في المركز والقدس يباشرون بالإنتقال إلى منطقة حيفا، والبدء بشراء العقارات والإستثمار فيها".

وأضاف كيّال: "إن المستثمر يدفع أكثر مما يمكن أن يدفعه إبن البلد الذي يريد الشراء بهدف السكن، فهو تاجر، وبالتالي أصبح ينافس على السعر، ممّا أدى بأسعار الشقق للإرتفاع بشكل حاد إثر المنافسة على الشقق، وبالتالي رفع الأسعار من قبل الملّاك على إثر إمكانية المستثمر وجاهزيته للدفع أكثر، بينما ومع ارتفاع الأسعار الحاد في المركز، يتوافد الطلّاب إلى مدينة حيفا، وهذا يعدّ ارتفاع كبير بالطلب على الشقق".

البنوك ترفض أن تمنح القاطنين في الأحياء العربية داخل المدينة قرض شراء كبير، بذريعة أن أسعار البيوت في هذه المناطق منخفضة

بالإضافة إلى رفع أسعار الشقق بشكل عام داخل المدينة، إلّا أن البنوك وسياسة رأس المال وجشع المستثمرين تطال المناطق العربية داخل المدينة بشكل خاص.

وعلم "عرب ٤٨" أن البنوك لا تمنح قروض شراء عالية في المناطق العربية داخل المدينة. وخلال الحديث مع كيّال قال: "إن البنوك ترفض أن تمنح القاطنين في الأحياء العربية داخل المدينة قرض شراء كبير، بذريعة أن أسعار البيوت في هذه المناطق منخفضة، وبالتالي يدّعي البنك أنه لا يملك ضمانات كافية لمنح قرض شراء لأي شاب عربي يقطن في حي عربي".

 وأضاف كيّال: "هذا الادعاء هو ادّعاء البنك، وأنا أرى أنه كما ويتم تهويد كافة المناطق العربية في البلاد، يتم تهويد مدينة حيفا والأحياء العربية فيها، في حال لم يستطع الشاب العربي شراء البيت، هذا يعد بمثابة استدعاء غير مباشر لمستثمر عقارات يشتري البيوت داخل هذه الأحياء، وبالتالي يسكن العربي بالإيجار كونه لا يستطيع الشراء، ويترك لجشع المستثمرين وتجارة البيوت. وفي نهاية المطاف، ما يهم المستثمر وشركات العقارات، هو الربح".

 ومن الجدير بالذكر، أن رفع الإيجار لشقة ما، يجعلها ذات قيمة أعلى في حال أراد المالك بيع الشقة، ومع وجود المستثمرين وسوق العقارات الذي بدأ يفترس المدينة، أخذت إيجارات البيوت ترتفع شيئا فشيئا لأجل رفع قيمة الشقة في حال البيع".

عابدي: "بسبب سياسة ممنهجة تتبعها بلدية حيفا بتهميش المناطق العربية في المدينة، أصبحت أزمة السكن في هذه المناطق أكبر بكثير من أي مكان آخر"

أمّا عضو بلدية حيفا، عرين عابدي، فقالت لـ"عرب ٤٨": "صحيح هنالك تأثير لضيق مساحة البناء والتطوير في حيفا، وسط ارتفاع الطلب على البيوت وهذا تأثير الوضع الطبيعي، إلّا أن ما يحصل في حيفا ممنهج بصورة أكبر عن غيره، وعن الطبيعي".

وتابعت عابدي: "ضيق المساحة الموجود في حيفا هو حصر على المناطق الفقيرة والعربية في المدينة، فالمساحات الخضراء شاسعة في مناطق الكرمل، المعروفة بمستوى المعيشة العالي فيها، والبناء والتطوير هناك على أعلى مستوى. إلّا أنه ومن خلال سياسة ممنهجة تتبعها بلدية حيفا بتهميش المناطق العربية في المدينة، أصبحت أزمة السكن في هذه المناطق أكبر بكثير من أي مكان آخر".

وأضافت: " إن تهميش المناطق العربية الفقيرة من قبل البلدية، جعل من هذه المناطق وسكّانها عرضة للمستثمرين والبنوك، البنك يرفض منح قروض شراء شقق للقاطنين في الأحياء العربية، بذريعة عدم وجود الضمانات وأسعار الشقق المنخفضة في هذه المناطق، وهذا نتاج إهمال البلدية لأحياء كاملة. لو قامت البلدية بتطوير هذه الأحياء كغيرها من الأحياء اليهودية في المدينة لاستطاع سكانها الحصول على قروض. نهاية أقول هذه سياسة ممنهجة لتفريغ السكان الأصليين من سكنهم وبيوتهم".

واختتمت عابدي حديثها قائلة: "إن الذنب الأكبر في هذا الإرتفاع الحاد يقع على البلدية وسياستها الممنهجة تجاه الأحياء الفقيرة ومتوسطة الدخل في المدينة، وإبقاء هذه الأحياء على ما هي عليه، وبالتالي كنتاج للوضع الإقتصادي أصبح السكان والطلاب عرضة للمستثمرين وتجّار البيوت من المركز والقدس".

سويطات: "ارتفاع أسعار البيوت في مدينة حيفا هو نتيجة مركزية لسياسة بلدية حيفا التي تشجّع السوق الحرّ للاستثمار في مناطق مهمّشة"

مخطّط المدن والناشط السياسي، عروة سويطات، قال لـ"عرب ٤٨": "إن ارتفاع أسعار البيوت في مدينة حيفا هو نتيجة مركزية لسياسة بلدية حيفا التي تشجّع السوق الحرّ للاستثمار في مناطق مهمّشة، خصوصًا كالبلدة التحتا و"الهدار" والمراكز التاريخية بما فيها خصخصة أملاك اللاجئين التي تديرها شركة "عميدار" الحكومية بعد الاستيلاء عليها منذ النكبة، وذلك من خلال مخطّطات هادفة إلى تحويل مدينة حيفا إلى مدينة مركزية في المنطقة، ومشاريع سياحية كبيرة في البلدة التحتا وتجارية في "الهدار" وتطوير البنى التحتية وشبكة المواصلات العامة والشوارع السريعة التي تربط تل أبيب مع حيفا، إضافة إلى مخططات لبناء آلاف الوحدات السكنية في جنوبي المدينة، كلّها عوامل جذب تؤثر على سوق السكن في حيفا".

وتابع سويطات: "بلدية حيفا تعتمد سياسة السوق الحرّ في زيادة الوحدات السكنية بالمدينة، إذ تعزز هذه المخططات الثقة لدى المستثمرين بمستقبلها وتحفّزهم على شراء البيوت في الأحياء المهمّشة بأسعار رخيصة وترميمها وبيعها بأرباح مرتفعة نسبيًا عن سوق السكن في سائر البلاد، والاستثمار في عوامل جذب للحفاظ على السكان اليهود ومنعهم من الهجرة، إذ يترك مدينة حيفا ما يقارب ٢٥٠٠ شابا يهوديًا سنويًا".

المخططات التي تؤدّي إلى ارتفاع أسعار الأرض والبيوت، تشجع دخول المستثمرين اليهود الأغنياء ودفع الفقراء العرب للخروج من أحيائهم

وعن تأثير ذلك على السكان العرب، أضاف سويطات: "مقابل الهجرة السلبية للأزواج الشابة اليهودية، نرى العكس عند العرب إذ يدخل ما يقارب ١٠٠٠ عربي جديد سنويًا إلى حيفا، فالمراكز الأكثر جاذبيّة للسكن عند العرب هي منطقة وادي الجمال والكبابير وعبّاس الأعلى، باحثين عن جودة الحياة والسكن اللائق والمنظر العام والبيئة والقرب من المركز الثقافي العربي والمدارس، بينما وادي النسناس والبلدة التحتا والحليصة والمناطق التاريخية المهمّشة فبدرجة منخفضة جدًا بل نشاهد هجرة سلبية للأزواج الشابة العربية من هذه الأحياء، وذلك في ظل انعدام فرص السكن وانعدام التطوير وسياسة الشركة الحكومية "عميدار"، بعدم ترميم المباني التاريخية وبيعها وعدم منح البنوك قروض الإسكان البنكية في هذه المناطق".

واختتم سويطات حديثه لـ"عرب ٤٨" بالقول: "إن ازدياد الأسعار في حيفا يضرّ بشكل كبير بالفئات المستضعفة في المدينة وعلى رأسها السكان العرب الأصليين، فسياسة التخطيط البلدي تؤدّي إلى عملية إقصاء طبقي وقومي تمسّ بحق السكان العرب في المدينة، والمخططات التي تؤدّي إلى ارتفاع أسعار الأرض والبيوت، تشجع دخول المستثمرين اليهود الأغنياء ودفع الفقراء العرب للخروج من أحيائهم، الأمر الذي نشاهده وسنشاهده في حي المحطة وشارع يافا ووادي الصليب بشكل ملحوظ في الوقت القريب".

التعليقات