مربية من الناصرة تتبرع بنخاع شوكي لإنقاذ فتى لا تعرفه

أصرت المربية ميسون عمري على التبرع من نخاعها الشوكي لفتى لا تعرفه يبلغ الثالثة عشر من عمره، مجسدة بذلك روح العطاء والقيم الإنسانية

مربية من الناصرة تتبرع بنخاع شوكي لإنقاذ فتى لا تعرفه

أصرت على التبرع من نخاعها الشوكي لفتى لا تعرفه يبلغ الثالثة عشر من عمره، مجسدة بذلك روح العطاء والقيم الإنسانية. إنها المربية ميسون عمري من مدينة الناصرة، والتي كانت قد لعبت دورا كبيرا في مبادرة حشد التبرع بنخاع شوكي وكسر حاجز الخوف حيال تبرع كهذا لصالح الدكتور خالد سليمان رحمه الله، من الناصرة. وقد فاق عدد المتبرعين حينذاك كل التوقعات، لكن الفحوصات بيّنت أن فصيلة دمها ليس مطابقا لفصيلة دم الطبيب المرحوم.

والآن عاد القدر ليلعب دوره مع المربية عمري، ولكن هذه المرة مع فتى تجهل هويته ولا تعرف عنه شيئا، سوى أنه مصاب بالمرض العضال.

وقالت المربية عمري لـ"عرب 48" إن "الأمر بدأ عندما تبرعت في إطار حملة التبرع بنخاع شوكي للدكتور خالد سليمان رحمه الله، والتي جرت في مركز محمود درويش في الناصرة. وتبين بعد الفحص أني لست ملائمة للتبرع للدكتور خالد".

وأضافت "لم أكن أعلم حينها أن الفحوصات التي تجمع في حملات التبرعات يتم تخزينها في بنك التبرعات في مستشفى هداسا. وبعد عدة أشهر من التبرع اتصلت بي الاتصال بي الدكتورة آمال بشارة من مستشفى هداسا عين كارم في القدس، من أجل ابلاغي بأن نخاعي الشوكي مطابق بشكل جزئي لفتى يعاني من المرض، وبعد عدة فحوصات شملت تحاليل الدم، تبين أن فصيلة دمي مطابقة مئة بالمئة لصبي يبلغ من العمر الثالثة عشر عاماً ويعاني من سرطان الدم وبحاجة لتبرع بنخاع شوكي. وقد قابلت الأمر بفرح وقلت للدكتورة بشارة بأنني على استعداد كامل لإكمال المسيرة بالتبرع للفتى".

وتابعت عمري "لم أتردد منذ بداية الأمر ووافقت دون أن أفكر، وتمت دعوتي الى مستشفى هداسا حيث أكملت باقي الفحوصات اللازمة للتأكد من مدى التطابق بيني وبين الفتى. والفضل لله أن فحوصاتي كانت تلائمه مئة بالمئة. وأشرف على العلاج طاقم طبي مهني مكون من أطباء أخصائيين وبمرافقة الدكتورة أمال، التي لم تفارقني لحظة في جميع مراحل التبرع. وكانت هناك طريقتين للتبرع واحدة قديمة والأخرى الحديثة واخترت الطريقة القديمة والتي حثني بها الأطباء لأنها تلائم الحالة الموجودة عندهم، لأنه بالطريقة القديمة يأخذون عينات من أسفل الظهر ونقلها للمريض، وتمت العملية والحمد لله وبنجاح ويبقى أن نتأمل كل خير وأن نرى النتيجة المطلوبة بعد سنة".

وقالت عمري حول هوية الفتى إنه "في الحقيقة وكما هو معروف فإن هوية المريض وهوية المتبرع تبقى سرية حتى اتمام العملية، وحقيقة أنا لا أعرف أية معلومة عن هوية الصبي الذي تبرعت له، وكل ما أعلمه بأنه فتى يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، وهذا ما دفعني أكثر وبإصرار أن أتبرع له وانقذ حياته مهما كلف الأمر. وتلقيت الكثير من الدعم لخطوتي وقراري، من عائلتي وزوجي وطلابي في مدرسة ابن خلدون وحتى من طاقم التدريس في المدرسة. هذا شعور لا يوصف أنني أهديت شخصا الحياة وهذا الأمر أسعد جميع من حولي. والأيمان بالعطاء يجعل الإنسان يشعر بقوة التحدي والعطاء دون تردد أو خوف. وأنا شخصياُ لم أخف من اجراء العملية والحمد لله بأنها تكللت بالنجاح".

وأضافت المربية عمري أن "التبرع هو نوع من الجرأة الكبيرة والعطاء الكامل الذي يملكه الأنسان، ومجتمعنا العربي الفلسطيني معطاء وصاحب مبدأ، لا تتصور كم من طلاب المدرسة وحتى الميسوري الحال يأتون الي الى الصف لكي يتبرعوا مادياُ لمرضى السرطان، وذلك بعد عودتي الى المدرسة من العملية. هذه الروح هي المطلوبة والموجودة فينا دائماً وأبداً. وعلي أن أذكر أن للدكتورة آمال بشارة دور في التبرع بحيث أنها رافقتني حتى خروجي من المستشفى. وكان اقتراح من إدارة المدرسة بأن تتواجد الدكتورة آمال في مدرستنا لإعطاء محاضرات حول مرض السرطان وعن طريقة التبرع لتشجيع الطلاب على المبادرة والمساهمة في التبرع وإكمال طريق العطاء. واستقبلني طاقم وطلاب المدرسة لدى عودتي للمدرسة بطريقة تفرح جدا وتم تكريمي من قبل الجميع على الخطوة التي قمت بها وأنا فخورة جدا بما قمت به وأنتظر مرور عام لكي أرى ما جرى مع للفتى والتقي به وبعائلته".

وأنهت المربية عمري حديثها قائلة إنه "سيكون هناك أمسية بعنوان ’إشراق’، أتمنى أن يشارك فيها الجميع، خاصة وأن ريع الحفل سيذهب للتبرع لمرضى سرطان الدم. وبالنسبة لي بعد العملية، أريد أن أنوه بأن صحتي بخير وأنا معافاة تماما، وهناك فحوصات طبية تتم بشكل متواصل لدى طبيب العائلة وهذا أمر روتيني. لذا أقول لكل من يهاب التبرع، وخاصة من يملكون التطابق والعينات المتطابقة للتبرع بحيث أن نصفهم لا يكملون الطريق وذلك خوفا من العملية، أقول لهم إن لا شيء يخيف في الأمر وأنا كلي أمل بأن مجتمعنا يتميز بالنخوة والعطاء الكامل وأتمنى أن تبقى هذه الروح دائمة في مجتمعنا".

 

التعليقات